Author Search

أستاذة التاريخ في الجامعة المركزية الأوروبية في فيينا


جانب من الحضور
جانب من الحضور
نادية البغدادي
نادية البغدادي
هاني عواد مترئسًا جلسة السيمنار
هاني عواد مترئسًا جلسة السيمنار
أمل عزال
أمل عزال

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 23 نيسان/ أبريل 2025، نادية البغدادي، أستاذة التاريخ في الجامعة المركزية الأوروبية في فيينا، التي قدّمت محاضرة بعنوان "’الحيوات اللامركزية‘: السيرة الذاتية والتنقل وحدود الإمبراطورية"، تناولت فيها مشروعها البحثي الجاري العمل عليه حول السيرة الذاتية والتنقل في الفضاءات الإمبراطورية، مستندةً إلى دراسة حالة أحمد فارس الشدياق، أحد أبرز المثقفين العرب في القرن التاسع عشر.

استهلّت البغدادي المحاضرة بعرض الإطار النظري لمشروعها، الذي يندرج ضمن كتاب جماعي قيد الإعداد حول "تفكيك المركزية الإمبراطورية". وأوضحت أنّ المشروع يسعى إلى إعادة النظر في تاريخ المنطقة من خلال تتبّع مسارات الأفراد وتنقّلاتهم عبر حدود الإمبراطوريات، مع التركيز على مفاهيم مثل الغموض والهامشية وشبكات العلاقات العابرة للإمبراطوريات. وأشارت إلى أنّ التنقّل لم يكن دومًا خيارًا إيجابيًا أو تعبيرًا عن تحقيق الذات، بل ارتبط كثيرًا بالصراعات والاضطرابات، ما جعل دراسة السيرة الذاتية مدخلًا لفهم التفاعلات بين الفرد والبنى الإمبراطورية.

وركزت على أهمية الغموض في قراءة سيرة الشدياق، معتبرةً أنّ حياته ومسيرته الفكرية اتسمتا بتداخل الدليل والتخفّي، وأنّ نصوصه، خاصة المخطوطات غير المنشورة مثل "مماحكات التأويل في مناقضات الإنجيل"، تعكس هذا التوتر بين الإفصاح والتمويه. وأوضحت أنّ تداول النصوص الدينية في القرن التاسع عشر كان غالبًا في إطار المخطوطات أو بأسماء مستعارة، نتيجة للقيود السياسية والدينية، ما أضفى على إنتاج المعرفة طابعًا مركّبًا من الحذر والجرأة.

وأبرزت المحاضِرة أنّ دراسة الشدياق تتيح فهمًا أعمق للعلاقة بين المركز والهامش، إذ إنه تنقّل بين عواصم الإمبراطورية العثمانية وأوروبا، وشارك في شبكات فكرية متعددة، لكنه ظل في موقع الهامش أحيانًا، رغم حضوره في مراكز السلطة. وتساءلت عن قدرة السيرة الذاتية على كشف البنى العميقة للسلطة والمعرفة، مشيرةً إلى أنّ المنهج الميكرو-تاريخي يتيح الربط بين التجربة الفردية والتحولات البنيوية الكبرى.

وناقشت الجدل المنهجي حول جدوى السيرة الذاتية باعتبارها مصدرًا تاريخيًا، مشيرةً إلى أنّ بعض الباحثين يرونها أقل قيمة من الدراسات البنيوية، بينما يعتبرها آخرون مدخلًا لا غنى عنه لفهم تفاعلات الأفراد مع السياقات السياسية والاجتماعية. وأكدت أنّ مشروعها يسعى إلى الجمع بين المنظورَين، من خلال تتبّع مسارات الأفراد وتحليل تأثير الحدود الإمبراطورية في تكوين الذوات في سياقات شبه استعمارية.

واختتمت البغدادي محاضرتها بالتأكيد أنّ دراسة الحيوات اللامركزية، مثل سيرة الشدياق، تتيح إعادة التفكير في تاريخ الفكر العربي خارج السرديات المركزية، وتكشف عن ديناميات جديدة في فهم العلاقة بين الفرد والإمبراطورية، والهامش والمركز، والمعرفة والسلطة. واستشهدت بسيرة إدوارد سعيد "خارج المكان"، معتبرةً أنّ التشتت واللايقين هما من سمات التجربة الحديثة، وأنّ مهمة المؤرخ هي تفسير هذه التعقيدات وفهمها.

وقد عقّبت على المحاضرة أمل غزال، أستاذة التاريخ وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، مؤكدةً أنّ المحاور التي تناولتها البغدادي تمثّل أعمدة أساسية في دراسة التاريخ العربي العثماني والفكر العربي في القرن التاسع عشر. وأشارت إلى أهمية ربط سيرة الشدياق بتحولات التنظيمات العثمانية، وثورة الطباعة والنشر، وتغيّر مفهوم الإمبراطورية، معتبرةً أنّ التهميش الذي عاناه الشدياق يعكس ديناميات أوسع في الفكر العربي الحديث.

ورأت غزال أنّ البغدادي تكشف عن رمزية إخفاء بعض أعمال الشدياق وعدم تداولها في عصره، وتطرح تساؤلات حول ثنائية الدليل والغموض في مسيرته، معتبرةً أنّ هذه الثنائية تعكس واقع القرن التاسع عشر العربي العثماني، حيث كان الغموض والتقلّب سمتَين عامتين في التعامل مع الحداثة والتنظيمات. وشددت على ضرورة الاعتراف بمحدودية السيرة الذاتية باعتبارها مصدرًا تاريخيًا، رغم أهميتها في إظهار تحولات المجتمع الأوسع.

وأشارت إلى أنّ تجربة النفي والتنقّل، التي عاشها الشدياق وغيره من المثقفين العرب، أسهمت في توسيع الشبكات الفكرية والسياسية، وأنّ المنفيِّين مثّلوا أعمدة لهذه الشبكات، ما يدعو إلى إعادة النظر في مفهوم المركز والهامش، والاعتراف بتعدد المراكز الفكرية في تلك المرحلة. واختتمت غزال تعقيبها بتأكيد أنّ دراسة الحيوات اللامركزية تفتح آفاقًا جديدة لفهم تفاعلات الفرد مع الإمبراطورية، وتعيد الاعتبار لدور المثقف العربي في تشكيل ديناميات الفكر والهويّة في العصر الحديث.

وقد أعقب السيمنار نقاشٌ مستفيض شارك فيه نخبة من باحثي المركز العربي وأساتذة معهد الدوحة، تناول قضايا السيرة الذاتية، وحدود الإمبراطورية، واستراتيجيات الكتابة في مواجهة التحولات السياسية والثقافية، وآفاق البحث في تاريخ الفكر الثقافي العربي في العصر الحديث.