الوزير السابق والأستاذ الزائر في معهد الدوحة للدراسات العليا
استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 29 آذار/ مارس 2023، الدكتور نور الدين سالمي، الوزير السابق والأستاذ الزائر في معهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدّم محاضرة بعنوان "انتكاسة التحول الديمقراطي في تونس: جدل السياسة والاقتصاد"، تناول فيها العوامل والأسباب التي قادت إلى تعثّر التحول الديمقراطي في تونس.
أوضح سالمي أنّ التجربة الديمقراطية في تونس بعد ثورة 2011، على الرغم من كل الأحداث والعقبات التي واجهتها، حققت إنجازات تمثّلت في توسيع مساحة الحريات، ومشاركة التونسيين في الانتخابات، سواء أكانت رئاسية أم برلمانية أم بلدية، مؤكدًا أن جميع هذه المحطات الانتخابية تميزت بنجاحها في التداول السلمي والسلس للسلطة والمسؤوليات، إضافةً إلى صياغة الدستور على نحو ديمقراطي وتوافقي، وتوزيع السلطات والاحتكام إلى القانون.
وأضاف أن المسار الديمقراطي رسّخ لدى التونسيين العديد من الأفكار، من قبيل رفض العنف والاحتكام إلى التوافق لحل الخلافات، فقد تمكّن التونسيون من إرساء مجموعة من المؤسسات والهيئات الدستورية، كالهيئة العليا للانتخابات، وهيئة الحقيقة والكرامة، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب. ومكّنت هذه الهيئات التونسيين من المضيّ قدمًا في طريق الانتقال الديمقراطي الطويل والشاق، وهي محطات مضيئة لا يمكن إنكارها.
إلا أن سالمي أكد أنّ التجربة الديمقراطية في تونس مرّت بمصاعب شديدة ساهمت في تعثّرها، كان أبرزها الوضع الاقتصادي، إلى الحدّ الذي دفع البعض إلى مساءلة التحول الديمقراطي لأنه لم يأت بمنجز اقتصادي ملموس، متسائلًا: هل الديمقراطية شرط لتحقق النمو الاقتصادي؟ وهل هي سبب لهذا النمو في الديمقراطيات الثابتة فقط؟ وهل الديمقراطية رهينة الوضع الاقتصادي، ولا ديمقراطية من دون توزيع مراكز القوة الاقتصادية وعدم تركيز مصادرها؟
وأوضح أنّ الأسباب التي هيأت الظروف لرئيس منتخب ديمقراطيًا وبأغلبية عريضة أن يوقف المسار ويجمّع كل السلطات بين يديه عديدة، مبيّنًا أنه يمكن الحديث عن أربع جهات أساسية أجهزت على التجربة الديمقراطية التونسية، هي: وجود قوى رافضة للانتقال الديمقراطي، كالاتحاد العام التونسي للشغل، ووسائل الإعلام المملوكة لرجال أعمال معارضين لهذا الانتقال، ومراكز قوى داخل البيروقراطية التونسية (أو ما يسمى "بالدولة العميقة")، إضافة إلى الدور الذي قام به العامل الخارجي. كما أشار إلى أربعة عوامل إضافية أسهمت في تعثّر التجربة الديمقراطية، وهي: فشل مسار العدالة الانتقالية والمصالحة، والفشل في إرساء المحكمة الدستورية وأغلب الهيئات الدستورية، وفشل المجتمع المدني في القيام بدور إيجابي في الانتقال الديمقراطي، وأخيرًا صعود الخطاب الشعبوي، ليستنتج أنه من الصعب أن نحمّل الوضع الاقتصادي مسؤولية تعثّر التجربة الديمقراطية، من دون أن ننظر في الدور الذي قام به الصراع الداخلي.
ثم قدّم الدكتور مولدي الأحمر، أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا، مداخلةً تعقيبية شدد فيها على أهمية دراسة المسار والعوامل والقوى التي ساهمت في وصول التجربة الديمقراطية التونسية إلى ما وصلت إليه، ولكنّه شدد أيضًا على أهمية النظر في السلوك السياسي للقوى السياسية المختلفة التي أدارت العملية السياسية بعد الثورة التونسية. وقد أعقب السيمنار نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة وطلبته.