أستاذ التاريخ الحديث ورئيس برنامج التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا
استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 3 أيار/ مايو 2023، الدكتور عصام نصّار، أستاذ التاريخ الحديث ورئيس برنامج التاريخ في معهد الدوحة، وقد قدّم محاضرةً بعنوان "القدس 1949: العيش بين زمنين"، تناول فيها الحياة الاجتماعية في مدينة القدس الغربية بعد مرور عام واحد على النكبة، من خلال يوميات شخصيتين مقدسيتين قُدّر لهما البقاء في ذلك الوقت، هما جريس السلطي وجون روز؛ إذ بقي السلطي في حي البقعة، في حين بقي روز في حي الكولونية اليونانية.
بيّن الباحث أنّ مشروعه البحثي يهدف إلى دراسة الحياة مِن خلال مَن تبقى في المدينة الجديدة في مرحلة ما بعد النكبة؛ ذلك أنّ جلّ الدراسات العربية ركزت على معارك القدس وسقوط المدينة عام 1948، ولكنها تجاهلت أوضاع الفلسطينيين الذين تبقوا في أحياء مدينة القدس الغربية، وانقطعوا تمامًا عن بقية أنحاء فلسطين التي كان لهم فيها امتدادٌ سكانيٌّ وجغرافيٌّ، وتجاهلت كذلك تجربتهم المعيشية. وبيّن الباحث أيضًا أنّ اليوميات والمذكرات مصادرُ مهمة في دراسة التاريخ؛ الاجتماعي والنفسي تحديدًا.
ووصف المؤرخ الفلسطيني ضواحي القدس الغربية التي احتلتها إسرائيل في النكبة، وادّعت أنها جزء منها، ومن عالمها المألوف، موضحًا أنّ السكان العرب الذين قُدّر لهم البقاء آنذاك أصبحوا في وضعية فريدة؛ فهم قد انقطعوا عن مجتمعهم العربي، ولكنهم في الوقت نفسه، لم يشكّلوا جزءًا من مجتمع الدولة اليهودية الحديثة الولادة، وقال إنّ هؤلاء عاشوا في بيوتهم المألوفة، وساروا في حاراتهم المعهودة، وعبر حدائق يعرفونها، لكنها لم تعُد لهم أو لأصحابها الذين عرفوهم، بل أمست جزءًا من فضاءٍ يهوديٍّ يجد تعبيره عن ذاته في الدولة اليهودية. وقد وصف الباحث هذه الوضعية، بـ "وضعية العيش بين زمنين. فمَن عاشوا هذه الحال، على غرار السلطي وروز، كانوا في عالمهم، لكنّهم كانوا كذلك محاطين بالغرباء الذين يسيرون في شوارعهم، ويقطنون في بيوتهم، وينظرون إليهم كما لو أنهم غير موجودين. واستنتج الباحث أنّ يوميات كلّ منهم تعمّق من معرفتنا المتعلقة بتجربة الفلسطينيين بعد النكبة، وتضيف إلى معانيها أبعادًا كثيرة؛ لكونها تشكّل شهادة أخرى على ما عاشه الفلسطينيون، وتمنحهم صوتًا آخر في سياق خطاب تاريخي اتسم بطَمس أصواتهم.
وقد قدّم الدكتور سليم تماري، المؤرخ الفلسطيني وكبير الباحثين في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، مداخلةً تعقيبية شدّد فيها على أهمية دراسة الحياة الاجتماعية للفلسطينيين الذين تبقوا في أحيائهم بعد النكبة؛ بالنظر إلى أن الدراسات لم تركّز إلّا على الفلسطينيين في مخيمات الشتات. وقد أعقب السيمنار نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته.