Author Search

​أستاذ متخصص في الفلسفة السياسية والأخلاقية الحديثة والمعاصرة في كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا. 

نظرية التحديث والتنمية وتونس موضوعًا لسيمنار المركز العربي
منير الكشو محاضرًا في السيمنار
إلياس خليل معقبًا في السيمنار
هاني عواد مترأسًا لجسلة السيمنار
الحضور المشارك في السيمنار

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أستاذ الفلسفة في معهد الدوحة للدراسات العليا منير الكشو، الذي قدّم محاضرةً بعنوان "نموذج اقتصاد التنمية ونظرية التحديث: مع الإشارة إلى حالة تونس"، عرض فيها الخلفيات الفلسفية المفترضة أو المعلنة أحيانًا لنظرية التحديث التي قام عليها وفاق واشنطن، وأثر ذلك في سياسات دولة الرفاه، متناولًا تونس حالةً دراسية.

وقد ناقش الباحث سردية منتشرة في أوساط سياسيين ومثقفين في تونس وفي بلدان الربيع العربي، مفادها أن مسؤولية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي أدت إلى قيام ثورات واضطرابات اجتماعية تعود إلى تخلّي هذه الدول عن نموذجها الوطني في التنمية وقبولها برامج الإصلاح الهيكلي التي أملتها عليها الدوائر المالية الدولية؛ ما قاد إلى تفاقم الدَّيْن العام والعجز التجاري المزمن وعجز ميزان المدفوعات وتراجع الاستثمار وارتفاع البطالة، وقاد من ثم إلى تنازل الدولة عن حق السيادة النقدية ومبالغتها في الاقتراض.

وأوضح الكشو أن ذلك أدى إلى تفكيك السياسات الاجتماعية لهذه الدول، وفتح أسواقها الداخلية للبضائع الأجنبية؛ ما أدى إلى تفكيك أنسجتها الصناعية. وقد أعقب ذلك في بلدان، مثل تونس في التسعينيات من القرن الماضي، توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي وعضوية المنظمة العالمية للتجارة، وما تبعه من فتح السوق الداخلية للمنافسة الخارجية وتحوّلها إلى رهينة لسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودوائر مالية دولية أخرى.

ورأى الباحث أن السردية الشائعة بين المثقفين عن مسؤولية برنامج الإصلاح الهيكلي والاتفاقيات التي انخرطت فيها عديد البلدان، ومن ضمنها تونس، عن تفكيك سياساتها الاجتماعية واعتماد اقتصاد السوق الحرة وتحرير مبادلاتها التجارية والتخلي عن سيادتها الوطنية تعاني التبسيط والمبالغة؛ لأنها تفترض أن بلداننا، وتونس تحديدًا، كانت تمتلك كل عناصر السيادة الوطنية التي اكتسبتها بفعل الاستقلال السياسي والجلاء العسكري للاحتلال الفرنسي، وقادرة على التخطيط لاقتصادها وتوجيهه كما تشاء. والمشكل في هذه السردية يكمن، كما قال الباحث، في أنها تتجاهل أن ما يسمَّى وفاق واشنطن الذي وقع إقراره نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات بُني على تفكيك وفاق آخر توطدت أركانه بعد الحرب العالمية الثانية وحظي بقبول دولي، بما فيه بلداننا التي استقلّت حديثًا ذلك الوقت. وأفاد بأن الوفاق كان حول نموذج في التنمية والتحديث الاقتصادي والمجتمعي وسياسات دولة الرفاه حصل بين الدول الرأسمالية، وجرى فرضه بعد ذلك على الدول المستقلة حديثًا، مثل تونس.

وتطرّق المحاضِر أيضًا إلى الظروف السياسية الدولية، والأرضية الفلسفية الاقتصادية التي هيّأت لظهور وفاق واشنطن، مقدّمًا تصوراتٍ لنموذج تنموي يستجيب لمتطلبات الحداثة والتنمية والديمقراطية ويكون أكثر واقعية من ذلك الذي تروّج له السردية الأولى، ويتجاوز أيضًا الأعطال التنموية التي أنتجتها سياسات وفاق واشنطن في بلداننا.

وقد قدّم الدكتور إلياس خليل، أستاذ اقتصاديات التنمية في معهد الدوحة للدراسات العليا مداخلة تعقيبية، أشار فيها إلى أهمية الانتباه إلى المداخل النظرية المختلفة حول نظريات التنمية، منبِّهًا إلى أنّ ما تعانيه اقتصاديات دول الربيع العربي يتعلق بحجم الإنتاج أكثر منه بسوء التوزيع. وقد أعقب السيمنار نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته.