أستاذ التاريخ الحديث بمعهد الدوحة للدراسات العليا ورئيس تحرير مجلة "أسطور" للدراسات التاريخية.
استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 2 شباط/ فبراير 2022، الدكتور عبد الرحيم بنحادة، أستاذ التاريخ المعاصر بمعهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدّم محاضرةً بعنوان "استوغرافيات تركية: كيف كتب الأتراك تاريخ الدولة العثمانية 1860-1973".
توقف الباحث عند أربع مراحل في تاريخ كتابة تاريخ الدولة العثمانية؛ تتعلق الأولى بالقرن التاسع عشر، وتحديدًا زمن التنظيمات العثمانية، مبرزًا الأثر الذي كان لهذه التنظيمات في مستوى كتابة التاريخ، باعتبارها ارتكزت بالأساس على الانفتاح على الغرب في شتى المجالات.
أما المرحلة الثانية فتتعلق بكتابة التاريخ العثماني زمن المشروطية الثانية (1908-1924)، وأبرز خلالها الدور الذي كان لمأسسة التاريخ و"مهننته" في كتابة التاريخ التركي وبخاصة تأسيس جمعية للتاريخ العثماني، ومجلة للبحث التاريخي على غرار المجلات الأوروبية، إضافة إلى تأسيس قسم لتدريس التاريخ في دار الفنون. وبيّن بنحادة أن ما ميّز الساحة الثقافية خلال هذه المرحلة على مستوى المعرفة التاريخية هو النقاش في طرح أسئلة تتعلق بكيفية كتابة التاريخ العثماني ووظيفة المؤرخ ومادته.
أما المرحلة الثالثة من الكتابة التاريخية التركية حول الدولة العثمانية، فبدأت في سنوات الجمهورية الأولى (1924-1938)، وفيها جرى تهميش الكتابة عن التاريخ العثماني وإعطاء أهمية كبيرة للتاريخ القديم التركي من خلال تشجيع التنقيب الأركيولوجي والبحث الإثنوغرافي واللساني ضمن سردية جديدة مؤطرة بما يسمى "أطروحة التاريخ التركي". وبيّن بنحادة أن التاريخ العثماني في هذه المرحلة بقي "أسيرًا للجمهورية" وتحولت الكتابة عنه إلى محاكمة صريحة للدولة العثمانية.
وتطرق الباحث في المرحلة الرابعة إلى ما يسمى الإحياء العثماني (1938-1973)، وهي المرحلة التي اتسمت بالتعددية والمراجعات السياسية، وبرز فيها جيل من المؤرخين كرسوا أنفسهم لكتابة التاريخ العثماني باعتماد مناهج جديدة وطرح أسئلة فرضتها الظروف التي كانت تعيشها تركيا، فكان الاهتمام بتاريخ الأثمان وملكية الأرض والتاريخ القانوني وتاريخ التجارة والضرائب. وبيّن بنحادة أن ما ساعد المؤرخين في هذه المرحلة على تجاوز التأريخ الأيديولوجي الذي ميّز المرحلة السابقة هو الفتح التدريجي للأرشيف العثماني.
وقد قدّم المؤرخ والباحث في المركز العربي جمال باروت مداخلة تعقيبية أشار فيها إلى أن دراسة الكيفية التي كتب فيها الأتراك تاريخهم تثير ضرورة القيام ببحث إيستوريوغرافي مهني عربي عن كيفية كتابة العرب لماضيهم العثماني، ولا سيما أن قسمًا كبيرًا من الأسئلة الإيستوريوغرافية حول كتابة الأتراك لتاريخ الدولة العثمانية مشابه للأسئلة العربية التي تتطلب مزيدًا من البحث.
وقد أعقب السمينار نقاش ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، كما شارك فيه جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.