العنوان هنا
تحليلات استراتيجية 08 أكتوبر ، 2020

بايدن وإيران: ما مدى تحسن العلاقات مع إيران في حالة فوز الديمقراطيين؟

مصعب الألوسي

أستاذ مساعد في برنامج ماجستير الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا. عمل محاضرا في جامعة تفتس، وباحثا في معهد السلام الدولي في الولايات المتحدة. متخصص في تحليل الجماعات المسلحة، ومهتم بالدراسات الأمنية والاستراتيجية، والسياسات الخارجية في الشرق الأوسط.

حاصل على ماجستير ودكتوراه من جامعة تفتس - فليتشر (الولايات المتحدة) في القانون والدبلوماسية.

 مهد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016 لتغييرٍ في السياسة الأميركية تجاه إيران، وذلك بالاعتماد أكثر على الضغط بدلًا من الدبلوماسية. وأوفى ترامب بوعده في حملته الانتخابية بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة Joint Comprehensive Plan of Action، ودعا إلى إجراء مفاوضات جديدة مع إيران تأخذ في الاعتبار سياسة طهران الخارجية في الشرق الأوسط. ومارست إدارته "ضغوطًا قصوى" من خلال تطبيق المزيد من العقوبات على إيران، واغتالت قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني. وهناك تكهنات بأن كلًا من إسرائيل والولايات المتّحدة مسؤولتان عن الهجمات على موقع "نطنز" النووي في عام 2020. وقد أدت سياسات إدارة ترامب إلى تفاقم حدّة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران من دون أن يطرأ أي تغيير ملموس على سلوك إيران.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، هناك بعض التوقعات بأن يؤدي التغيير في الرئاسة إلى إعادة التزام الولايات المتحدة بخطة العمل الشاملة المشتركة وتخفيف حدّة التوتر مع طهران. وقد صرّح جو بايدن، المرشّح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي، أنه سيعود للالتزام بالاتفاق النووي في حال انتخابه رئيسًا، وسيحاول نزع فتيل التوتر مع إيران. ومع ذلك، هناك دلائل على أن الاختلافات بين الولايات المتحدة وإيران لن تعود إلى الواجهة فحسب، بل إن التغيير في السياسة الأميركية سيكون محدودًا. فعلى سبيل المثال، فإن المكاسب الاقتصادية لإيران، وهي إحدى ركائز الاتفاق النووي، كانت محدودة في العامين التاليين لتوقيع الاتفاق؛ ما أثار العديد من الشكاوى لدى المسؤولين الإيرانيين. إضافة إلى ذلك، تتعرّض الولايات المتحدة لضغوط هائلة من حلفائها في المنطقة، ليس للحدّ من طموحات إيران النووية فحسب، وإنما أيضًا للحدّ من نفوذها الإقليمي، وهو اقتراح رفضت طهران التفاوض عليه. وهكذا، يبدو أن العلاقات الأميركية - الإيرانية ستبقى متوترة، بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية، حتى لو انخفضت حدّة هذا التوتر.

على الرغم من النبرة التصالحية للحزب الديمقراطي، هناك العديد من التصريحات أطلقها مستشارو بايدن والمسؤولون الإيرانيون تعبّر عن التشاؤم وتنمّ عن وجود خلافات محتملة، لا يمكن التوفيق بينها. يشير تقرير صدر عن الحزب الديمقراطي لعام 2020 إلى أن الاتفاق النووي مع ايران هو أفضل طريقة لإيقاف جهود إيران الساعية لإنتاج قنبلة نووية، وباتت العودة إلى هذا الاتفاق أمرًا ملحًا. علاوة على ذلك، يرى ذات التقرير للحزب الديمقراطي، أن الاتفاق النووي يمثل بداية الدبلوماسية مع إيران، لا نهايتها. لكن تصريحات مستشار بايدن للسياسة الخارجية تشير إلى نهج مختلف قليلًا، إذ أكّد أنتوني بلينكِنْ Antony Blinken أن بايدن سيعود إلى الاتفاق النووي لعام 2015. ومع ذلك، شدّد أيضًا على أن الولايات المتحدة ستتفاوض على صفقة أطول وأقوى، بالتنسيق مع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. في حين صرّح مستشارون آخرون أن إدارة بايدن، في حال فوزه، لن تنضم مرة أخرى إلى الاتفاق النووي دون إجراء تعديلات كبيرة عليه[1].

في المقابل، يرفض الجانب الإيراني إجراء أي تعديل على الاتفاق؛ فعلى سبيل المثال، صرح علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أن أي تغييرات في الصفقة لن تتم الموافقة عليها[2]. وصرّح وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أن إيران لن تلتزم بغير بنود الاتفاق النووي. وأخيرًا، أكدت الصحيفة الإيرانية المحافظة والمتشددة كيهان، التابعة للمرشد الأعلى، أن شروط بايدن لا تختلف عن المطالب التي حدّدتها إدارة ترامب. وتعد الخلافات حول تعديل الاتفاق النووي ليست سوى قضية من عدة قضايا شائكة تنتظر بايدن في الملف الإيراني.

في الوقت الذي كبحت فيه خطةُ العمل الشاملة المشتركة طموحَ إيران النووي، فإنها لم تتناول برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي. ويشير قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، الذي صدّق على الاتفاق النووي، إلى برنامج الصواريخ الإيرانية، بطريقة عابرة، من خلال دعوة إيران إلى عدم الانخراط في أنشطة الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية. وأتاحت هذه الثغرة لإيران التركيز على اختبار صواريخ متوسطة وطويلة المدى والعمل على تطويرها. وفي غضون عام، أجرى الحرس الثوري الإيراني ثماني تجارب صاروخية، بعضها يصل مداه إلى 2000 كيلومتر[3]. واقترن مخزون الصواريخ أيضًا بالأنشطة المزعزعة للاستقرار على المستوى الإقليمي؛ فعلى سبيل المثال، تتهم إيران بشن هجوم بطائرات من دون طيار على منشآت نفطية سعودية في محافظة بقيق. وعلى الرغم من نفي إيران ضلوعها في هذا الهجوم، فإن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أعلنت أن طهران كانت وراء الهجوم الذي اضطر السعودية إلى إيقاف نصف إنتاجها النفطي. ولذلك، سيشكّل برنامج إيران الصاروخي، إلى جانب أنشطتها الإقليمية، تحديًا لخفض التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران حتى لو فاز بايدن بالرئاسة. وسيتعيّن على إدارة بايدن أيضًا التعامل مع القضايا الاقتصادية التي لم يتم حلّها.

تضمّنت الأهداف الأساسية للاتفاق النووي رفع العقوبات الاقتصادية مقابل تخفيض الأنشطة النووية الإيرانية. لكن الفوائد الاقتصادية لم تتحقّق لإيران؛ ما قد يؤثر في آفاق الصفقة، حتى لو أعاد الرئيس الأميركي الجديد التوقيع عليها؛ إذ أدت عزلة إيران عن السوق الدولية إلى أعباء هائلة على الاقتصاد، مع ارتفاع معدّلات التضخّم وانخفاض قيمة الريال الإيراني وارتفاع أسعار السلع الأساسية؛ فارتفعت البطالة وانخفض الناتج المحلي الإجمالي مع كل جولة جديدة من العقوبات. أما نمو الاقتصاد الإيراني في عام 2014، فلم يتجاوز 3 في المئة، في حين شهد عام 2015 تراجعًا بنسبة 1.3 في المئة[4]؛ ما يعني أن إيران كانت تعاني بالفعل حالة ركود قبل الاتفاق النووي. وعلى الرغم من التفاؤل العام الذي ساد إيران بعد توقيع الاتفاق، فإن الفوائد الاقتصادية اتسمت بالتباطؤ الشديد وتعثرت بسبب عوامل مختلفة.

وعلى الرغم من أن إيران استفادت قليلًا من النشاط الاقتصادي الذي نجم عن توقيع الاتفاق النووي، فإن النمو المتوقّع كان أعلى بكثير من النمو الفعلي؛ ما أدى إلى خلافات مع الولايات المتحدة حتى قبل وصول ترامب إلى الحكم. وقد شهدت السنة الأولى التي تلت التوقيع ارتفاعًا في النمو، إلا أن نمو الاقتصاد الإيراني كان أقل من 4 في المئة في عام 2017. وكان النمو يرجع إلى حد كبير إلى ارتفاع صادرات النفط. لكن عائدات النفط ذهبت مباشرة إلى خزائن الحكومة ولم تصل إلى المواطن الايراني. وانخفضت الميزانية المعيشية للأسر الإيرانية بالقيمة الحقيقية من 14,800 دولار أميركي في 2007-2008 إلى 12,515 دولارًا أميركيًا في 2016-2017[5]. وكانت الحكومة الإيرانية قد اشتكت من أن الولايات المتحدة لم تفِ بالتزاماتها بموجب قرارات خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي قضية خلافية لم يتم حلها قبل انسحاب ترامب من الاتفاق.

أما الأسباب الكامنة في الفشل في جذب الاستثمارات الأجنبية فمتعدّدة، ويأتي الفساد في مقدّمتها ودور الحرس الثوري الإسلامي في الاقتصاد الإيراني. من الصعب جدًا تحقيق الإصلاح في هذين العاملين، ما قد يحث إيران على إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في تعثر عملية جني المكاسب الاقتصادية في المستقبل. في عام 2018، احتلت إيران المرتبة 124 من أصل 190 دولة في تقرير البنك الدولي الذي يقيس سهولة ممارسة الأعمال التجارية، وتسجيل الملكية، والتجارة عبر الحدود، وغيرها. فبدلًا من جذب 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، كما تنصّ عليه خطة التنمية الخمسية التي وضعتها الحكومة الإيرانية، جذبت إيران 3.37 مليارات دولار فحسب من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2016. إلا أن العقوبات الأميركية والأوروبية ضد إيران تشكّل سببًا آخر لعدم قدرة السوق الإيرانية على جذب الاستثمارات، وذلك بسبب دور الحرس الثوري الإيراني الذي لا يقتصر على دوره في الاقتصاد الإيراني، بل يشمل دعمه الجماعات الإرهابية. تحتاج الشركات إلى تطبيق ممارسات صارمة لتجنّب انتهاك هذه العقوبات أو دفع غرامات بمليارات الدولارات. وفي الوقت الذي اتخذت فيه إيران خطوات لتنظيف قطاعها المالي، فإن فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية Financial Action Task Force لا تزال تشعر بالقلق بشأن المخاطر المالية للإرهاب. ويكمن جزء من المشكلة في كون الحرس الثوري الإيراني مكوّنًا أساسيًا في الاقتصاد الإيراني، ومن الصعب للغاية تفادي التعامل معه بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنه منخرط في العديد من القطاعات.

هناك عدة عوامل متباينة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران والتي سيكون لها تداعيات استراتيجية، على الأقل خلال رئاسة بايدن المحتملة. وإلى جانب النقاط المذكورة أعلاه، ستؤثر التطوّرات المحلية في كلا البلدين أيضًا في العلاقات. ستجري إيران انتخابات رئاسية خاصة بها في ربيع عام 2021 مع تصاعد شعبية المعسكر المحافظ والذي يرى الاتفاق النووي خطأ فادحًا، وفي الوقت نفسه سيواصل الكونغرس الأميركي الدفع من أجل ممارسة المزيد من الضغط على إيران. قد يعني هذا ما يلي: أولًا، سيستمر التوتر بين الولايات المتحدة وإيران حتى في أثناء فترة رئاسة بايدن، وينطبق الأمر نفسه على الوجود الأميركي في الشرق الأوسط. صحيح أن الولايات المتحدة تواصل توجّهها نحو آسيا، لكنها ستستمر في مراقبة الشرق الأوسط المضطرب. ثانيًا، ستكون إيران أكثر حزمًا خلال رئاسة بايدن. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب كانت تنفّذ سياسات خارجية متهوّرة، فإنها كانت غير متوقّعة وعرضة للمجازفة، خاصة عندما اغتالت قاسم سليماني. أما النبرة التصالحية التي تُسمع من معسكر بايدن، فسترسل إشارة إلى الحرس الثوري الإيراني لتعزيز نفوذه وشراسته. أخيرًا، ستضع الحالة الاقتصادية الصعبة في إيران ضغوطًا هائلة على الحكومة مع زيادة التضخم والبطالة وتراجع قيمة العملة. ومع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني، ستواصل شرعية الحكومة الإيرانية التدهور أيضًا.




[1] Nader Entessar & Kaveh Afrasiabi, “US Election: Would Biden as President Change Course on Iran?,” Middle East Eye, 12/8/2020, accessed on 28/9/2020, at: https://bit.ly/2FWzbvP

[2] Pariza Hafezi, “Iran Won't Accept any Amendment to Nuclear Deal: Senior Official,” Reuters, 26/6/2018, accessed on 28/9/2020, at: https://reut.rs/3mYdrAo

[3] Behnam Ben Taleblu, “Iranian Ballistic Missile Tests Since the Nuclear Deal,” Foundation for Defense of Democracies, 9/2/2017, accessed on 28/9/2020, at: https://bit.ly/336z7lS

[4] Emily Salwen, “Business Boom or Bust? Two Years After Nuclear Deal,” United State Institute for Peace, 21/12/2017, accessed on 28/9/2020, at: https://bit.ly/36golvc

[5] Amir Paivar, “Nuclear deal: Is Iran's economy better off now?,” BBC News, 3/5/2018, accessed on 28/9/2020, at: https://bbc.in/30ej6sc