تُعد اللامساواة ظاهرةً مركّبة ومتعدّدة الأبعاد، لا يتمثّل تعقيدها في وجودها في المجتمع الذي يُعدّ طبيعيًا في حدّ ذاته، بقدر ما يرتبط بوجود مستوياتٍ مستفحلة منها، تؤثّر على نحوٍ شبه آلي في الاندماج الاجتماعي، وفي النجاعة الاقتصادية، وفي المجال السياسي أيضًا؛ على اعتبار أنّ الاجتماع والاقتصاد سياسيان بطبيعتهما. كما ترتبط اللامساواة، ضمن الإطار الأشمل للعدالة الاجتماعية، باستدامة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية وتركّز الثروة ورأس المال، إضافةً إلى ارتباط وثيق بتركّز السلطة السياسية عبر الأجيال.
ومن ثمّ، تأتي أهمية تقرير اللامساواة في العالم 2018 الذي يُصدره مختبر اللامساواة العالمية (World Inequality Lab)، بوصفه أول تقريرٍ يُخصّص حصرًا لدراسة اللامساواة وتعزيز البحث بشأن ديناميات توزيع الدخل والثروة في العالم، سواء كان ذلك على مستوى الدول نفسها، أو في ما بينها. وهو تقرير يصدر كلّ سنتين، كتب هذا الإصدار الأول منه ونسّقه خمسة من الاقتصاديين منهم توماس بيكيتي صاحب الكتاب الشهير رأس المال في القرن الحادي والعشرين، الذي ذاع صيته عالميًا، وأصبح في ظرفٍ وجيز من أكثر الكتب مبيعًا وتأثيرًا في العالم.
وقد أُنجز التقرير انطلاقًا من "قاعدة بيانات الثروة والدخل العالمية" (World Wealth and Income Database) التي تُسهم فيها شبكةٌ دولية واسعة، مؤلّفة من أكثر من 100 اقتصادي ينتمون إلى أكثر من 70 دولة، ويُغطّون القارّات الخمس في تغذية قاعدة البيانات. وتعتمد قاعدة البيانات على منهجية تزاوج بين مصادر البيانات المتاحة، وأخرى يجري تقديرها (مجموع الدخول والثروات في الحسابات القومية، ومسوح الدخل والثروة للقطاع العائلي، والبيانات الضريبية المتعلقة بالضريبة على الدخل – في حال توافرها - وأخيرًا، التصنيفات الخاصة بالثروات الكبرى)؛ ذلك أنّ هذا التقرير يذهب أبعد من البيانات الرسمية المتاحة مثلًا في اعتماده، كلما أمكن، على تقدير الثروات الموجودة في "الملاذات الضريبية"، وهو ما يكتسي أهميةً كبيرة، على الرغم من عدم نشر عددٍ من الدول إحصاءاتٍ تفصيلية ومتسقة عن اللامساواة في الدخل و/ أو الثروة.