العنوان هنا
تقدير موقف 10 أغسطس ، 2016

معارك كسر حصار حلب وتداعياتها الميدانية والسياسية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

بعد معارك طاحنة، تمكنت قوات المعارضة السورية من فك الحصار الذي فرضته قوات النظام وحلفاؤها على الأحياء الشرقية من مدينة حلب بعد سيطرتها على طريق "الكاستيلو" في تموز/ يوليو 2016. فقد تمكنت قوى المعارضة من السيطرة على بعض أهم معاقل النظام العسكرية في حلب مثل كلية المدفعية وكلية التسليح والكلية الفنية الجوية، وقلبت بذلك المعطيات وحاصرت النظام داخل المدينة. ويتوقع أن تكون لهذه الإنجازات العسكرية، إذا تمكنت المعارضة من الحفاظ عليها، تداعيات كبيرة على الصراع على حلب وعموم المسألة السورية.


انقلاب في الميدان

حاول النظام وحلفاؤه استباق احتمالات التوصّل إلى اتفاق تنسيق عسكري روسي - أميركي، بمحاولة استنساخ "تجربة حمص"، وفرض "تسوية" على حلب وفق إستراتيجية "الجوع أو الركوع"، التي اتبعها النظام في مناطق مختلفة من البلاد وأفضت إلى خروج "آمن" للمقاتلين بأسلحتهم الخفيفة، وإخراج المدينة من معادلات الصراع. ومع بداية حزيران/ يونيو 2016 بدأت قوات النظام بمحاولة ترجمة أهدافه المتعلقة بعزل قوات المعارضة في حلب في جيوب صغيرة وقطع خطوط إمداداتها وبخاصة تلك التي تربطها مع تركيا. وقد بدأت حملة النظام والميليشيات الحليفة بمساندة الطيران الروسي على مناطق الليرمون، وبني زيد، والملاح، و"الكاستيلو"، ومخيم حندرات، وكفر حمرة (انظر الجدول 1). واستند النظام في هجومه إلى ثلاث قوى رئيسة: قوات النمر التي يقودها العقيد سهيل الحسن، ولواء القدس التابع لأحمد جبريل، ولواءان من الفرقة الرابعة، فضلًا عن ميليشيات أخرى مساندة. ونتج من ذلك قطع طريق الإمداد الوحيد لقوى المعارضة السورية في مدينة حلب. وفي صباح 28 تموز/ يوليو 2016 بات أكثر من 300 ألف مدني تحت الحصار، ومن ثمّ بدأ النظام والقيادة الروسية بالترويج لفكرة فتح معابر إنسانية.

 

الجدول (1)

عدد الطلعات الجوية التي تم تنفيذها ضد مناطق المعارضة لإطباق الحصار على حلب

المدة الزمنية

الطيران الروسي

طيران النظام

مروحيات النظام

28 حزيران/ يونيو إلى 11 تموز/ يوليو

390

252

210

12 تموز/ يوليو إلى 26 تموز/ يوليو

474

323

212

27 تموز/ يوليو إلى 2 آب/ أغسطس

204

166

73

المجموع الكلي

1068

741

495

النسبة المئوية

46.3%

53.7%

المصدر: استنادًا إلى معلومات مراصد الداخل والصفحات الرسمية لقوات المعارضة والمجالس المحلية من أجل إحصاء عدد الغارات.

كان لتمكن النظام من فرض الحصار على حلب تداعيات كارثية على المعارضة سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا، ما دفعها إلى تنسيق جهدها وتوحيد هدفها المتمثل بفك الحصار (انظر الجدول 2).

 

الجدول (2)

القوات المشاركة من كلا من الطرفين

 

وفي 3 آب/ أغسطس 2016 شنت قوات المعارضة هجومًا كبيرًا استهدف قوات النظام المتمركزة في المشاريع السكنية المعروفة باسم 1070 ومدرسة الحكمة، وفي تلال مؤتة، وأحد، والمحروقات، والعامرية[1]. ومع انتهاء اليوم الأول من المعارك أعلنت المعارضة عن خطتها المكونة من عدة مراحل لفك الحصار.

وفي 6 آب/ أغسطس 2016 بدأت المعارضة هجومها على المدرسة الفنية والتي كانت تعتبر آخر نقاط تمركز النظام قبل أوتوستراد الراموسة، وفي الوقت نفسه قامت فصائل المعارضة المحاصرة داخل المدينة بهجوم من الجهة المقابلة، تمكنت خلالها من السيطرة على دوار الراموسة من الجهة الداخلية والمدرسة الفنية الجوية من الجهة الخارجية، وبذلك تم فتح الطريق وفك الحصار عن أحياء حلب الشرقية.

خارطتان توضحان مناطق سيطرة المعارضة ما بين 7 تموز/ يوليو و7 آب/ أغسطس


 

 المصدر: من إعداد وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

عوامل نجاح فك الحصار

على الرغم من وجود مؤشرات قوية على عودة الدعم النوعي الذي تقدمه الدول الداعمة للمعارضة من أجل استرجاع التوزان العسكري في حلب، وكسر الحصار، وعدم السماح للنظام وحلفائه الاستفادة من الوضع الميداني لتعزيز شروطه في الجولات التفاوضية المقبلة، فإنه يمكن إرجاع الانتصار الذي حققته قوات المعارضة السورية في معركة حلب إلى تضافر عدة عوامل:

أولًا: الأداء الجيد لقوى المعارضة ويشمل ذلك:

  • التخطيط الجيد وعنصر المفاجأة، وحسن التعامل مع المتغيرات الميدانية.
  • التنسيق العالي بين الفصائل المنضوية في غرفتي عمليات فتح حلب وجيش الفتح في جميع مراحل المعركة، إذ تم توزيع المحاور القتالية على الفصائل المشاركة بحيث تلقى كل فصيل مسؤولية التعامل مع محور معين.
  • استخدام السلاح الثقيل والعمليات الانغماسية التي كان لها أكبر الأثر في التمهيد لدخول مقاتلي المعارضة إلى كليتي التسليح والمدفعية بعد أن دمرت عددًا كبيرًا من المباني والتحصينات التابعة للمليشيات الموالية عند البوابات الرئيسة.
  • المساندة الشعبية التي كان لها أثر معنوي واضح في تحفيز المعارضة، خاصة عندما ساندتها بإشعال المئات من الإطارات القديمة التي انبعثت منها كميات هائلة من الدخان الأسود بغرض التعمية على الطيران الحربي الروسي ومروحيات البراميل التابع لنظام الأسد.

ثانيًا: الأداء السيء للنظام وحلفائه ويشمل ذلك:

  • الفشل في امتصاص صدمة هجوم المعارضة، وقد بلغت خسائر قوات النظام مع الميليشيات الحليفة خلال ستة أيام أكثر من 1000 قتيل وتدمير عشرات الآليات وسيارات الدفع الرباعي المجهزة برشاشات ثقيلة ومتوسطة وصواريخ مضادة للدروع، إضافة إلى تدمير عشر قواعد إطلاق صواريخ حرارية كورنيت، ومدافع 57 وهاون[2].
  • المساندة الروسية التي اتسمت بعدم النجاعة لأسباب تتعلق بشكل رئيس بتقارب خطوط الاشتباك، وسرعة تدحرج انتصار المعارضة، على الرغم من كثافة طلعاتها التي اتسمت بالعشوائية في المناطق المحاصرة. 

ثالثًا: تحولات جبهة النصرة

قدمت جبهة النصرة نفسها خلال المعركة باعتبارها فصيلًا سوريًا بعد أن أعلنت فك ارتباطها عن القاعدة وتغيير اسمها إلى جبهة فتح الشام، وكان لهذا التحول آثار مهمة في معركة فك حصار حلب؛ إذ أتاح ظروفًا أفضل لنشوء تنسيق كامل معها، بعد أن قلّت تخوفات الفصائل من العمل معها والالتقاء حول هدف إنهاء الحصار.

التداعيات السياسية والعسكرية المتوقعة

تشير معارك حلب الأخيرة التي جرت بالتزامن مع محادثات روسية - أميركية في مدينة جنيف للتوصل إلى اتفاق تنسيق عسكري بينهما في سورية، إلى استمرار التناقض وانعدام الثقة بين واشنطن وموسكو، كما أوحت بذلك التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما. ووفقًا لذلك، وارتباطًا بمجريات الميدان في حلب، فإنّ جملة من التداعيات المتوقعة ستلقي بظلالها على المعادلات الميدانية والسياسية.

ميدانيًا، يتوقع أن تقوم فصائل المعارضة بتعزيز خط فك الحصار في منطقة الراموسة وتوسيع امتداداته باتجاه حلب المدينة (وهذا ما أعلنه جيش الفتح بتاريخ 7/8/2016)[3]، مع تعزيز جبهتي ريف حلب الجنوبي ومحاصرة الميليشيات الإيرانية التي لا تزال تحاول الوصول إلى بلدتي كفريا والفوعة المواليتين في إدلب. وقد تحاول قوى المعارضة استمرار التقدم باتجاه مركز المدينة للسيطرة عليها، وإذ يبدو الهدف الثاني أكثر إغراء بسبب مردوديته الكبيرة سياسيًا وعسكريًا خاصة في ظل التسليح النوعي الذي حصلت عليه قوات المعارضة جراء سيطرتها على كلية المدفعية، فإنه سيكون مكلفًا جدًا وسوف يصطدم على الأرجح بضغوط دولية للحفاظ على مبدأ التوازن العسكري. وفي جميع الأحوال يمكن استخلاص عدة معطيات رئيسة ستشكل عنوان المرحلة القادمة:

  1. انهيار عملية الهدنة ووقف "الأعمال العدائية" كليًا وعودة المواجهات على امتداد الأرض السورية بعد أن ظلت محصورة خلال الفترة الماضية بمناطق حلب وريف دمشق.
  2. سوف يحاول النظام وحلفاؤه استرداد ما خسروه، وإعادة فرض الحصار على حلب، وبناء عليه فإن أي حالة كسب في هذه الآونة لا تزال قلقة وغير مستقرة.
  3. تعزيز مناطق النفوذ والسيطرة وتنامي شروط التقسيم، خاصة إن تم الربط مع تحركات قوات الحماية الشعبية الكردية في الشمال السوري وجهد النظام الرامي إلى تعزيز السيطرة على كامل الجبهة الساحلية وتثبيتها.
  4. فشل قوات النظام بحكم سرعة التقهقر وعمق الأزمة البشرية في تصدير نفسها كقوة مركزية متماسكة شريكة مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب.
  5. عدم نجاعة العمليات الجوية الروسية في ظل عدم وجود قوة برية فاعلة قادرة على الحسم.

أما سياسيًا، ستلقي معارك حلب بظلالها على المفاوضات التي لا يزال موعد جولتها الثالثة غير محدد، وسيدخل المسار السياسي في حالة من عدم اليقين وصولًا إلى الانتخابات الأميركية القادمة، وتوضّح توجهات الإدارة الجديدة. كما تدل المعارك على بدء عودة فاعلية الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة بعد انكفائها (بحكم التدخل الروسي العسكري المباشر) خاصة بعد سعي قوات النظام وحلفائه لاقتناص الفرص وإجهاض العملية السياسية وترويج فكرة شراكته "الموضوعية" في محاربة الإرهاب كورقة ضغط وابتزاز تهدف إلى إعادة تأهيله وشرعنة استمراره.

خاتمة

لا شك في أن قوات المعارضة السورية حققت نجاحات باهرة، لم يتوقعها خصومها، بتمكّنها من قلب المعطيات في وجه روسيا وإيران ومحاصرة قوات النظام بعد أن كانت محاصرة ومدعوة للاستسلام. ويعود ذلك إلى تنسيق جهدها والتخطيط المحكم والاتفاق على وحدة الهدف. ومع ذلك، مازال من المبكر الاحتفال بالنصر، فالتحديات الماثلة مازالت كبيرة، وهناك استعدادات تجري لمعركة كبرى على حلب. ومن جهة أخرى، ربما حان الوقت لأن تبدأ قوى المعارضة في الاهتمام بالصورة التي تعطيها عن نفسها كقوة منضبطة تلتزم قواعد الحرب وأخلاقياتها، وبأنها تقدم بديلًا مقبولًا قادرًا على إدارة شؤون البلاد.

 



[1] "فك الحصار عن حلب... فصائل المعارضة السورية تعلن خوضها معركة واسعة لإنقاذ المدنيين"، هافينغتون بوست عربي، 31/7/2016، شوهد في 10/8/2016، في:

 http://goo.gl/wW7LkP


[2] "ما هي خسائر قوات النظام في معركة فك حصار حلب؟".

[3] "جيش الفتح يعلن بدء معركة السيطرة على كامل حلب"، تقرير مصور على قناة الجزيرة، 8/8/2016، شوهد في 10/8/2016، في:

 https://goo.gl/7FgZGp