وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الدوحة، في 21 شباط/ فبراير 2022، في زيارةٍ رسميّة.
تُعدّ زيارة رئيسي للدوحة زيارةً مهمّةً من نواحٍ عدّة. نَعِمَت العلاقات بين قطر وإيران، فترةً طويلة، بعلاقات ودّية. وعلى الرغم من طبيعة هذه العلاقات، فإنها كانت، إلى حدّ بعيد، تفتقر إلى المضمون. وقد سعت قطر، منذ زمنٍ طويلٍ، إلى خَفْض احتمالات اندلاع التوتّر مع إيران إلى حدّها الأدنى؛ وكان ذلك جزءًا من استراتيجية التحوّط التي تعتمدها قطر في سياستها الخارجية؛ المتمثّلة بزيادة عدد الدول الصديقة، وخفض عدد خصومها إلى الحد الأدنى. ويتشارك البلدان أكبر حقل للغاز في العالم (حقل "جنوب بارس" أو "حقل الشمال")؛ ما دفع قطر إلى الحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة وودّية مع إيران.
في الوقت نفسه، تفادت قطر - حرصًا منها على عدم انتهاك العقوبات الأميركية الثانوية المفروضة على إيران - تعزيزَ العلاقات التجاريّة الأساسية مع إيران.
ويبدو أنّ إيران تحذو الحذو نفسه في ما يتعلّق بطبيعة علاقاتها بقطر؛ إذ ترى في قطر دولةً صديقةً مهمة على الصعيد الدبلوماسي، ولكنّها متردّدة في قبول عَرْض قطر المتمثّل بالتوسّط لحلّ خلافاتها مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية. وعندما بدأت إيران والولايات المتحدة مفاوضات سريّة في الفترة التي سبقت ما أصبح يُعرف في نهاية الأمر بـ "الاتفاق النووي"، جرت هذه المفاوضات بدايةً في عُمان بدلًا من قطر. وعلى الرغم من العَرْض القطري في الفترة الأخيرة، المتمثّل بالتوسّط بين الدولتين المجاورتين لها شمالًا وجنوبًا، إيران والسعودية، فإنّ هاتين الدولتين فضّلتَا الاجتماع في بغداد لمناقشة نقاط الاختلاف بينهما.
ورغم إحجام دولتَي قطر وإيران عن تعميق العلاقات بينهما بدرجة كبيرة، فإنّ زيارة رئيسي للدوحة تُشكّل تطوّرًا مهمًّا على صُعُدٍ عدّة؛ إذ تأتي هذه الزيارة بوصفها الزيارة الرسمية الثانية لرئيسي منذ انتخابه، علمًا أنّ زيارته الرسمية الأولى كانت لروسيا. في حين أن هذه الزيارة هي أوّل زيارة رسمية لقطر من جهة رئيسٍ إيراني منذ أحد عشر عامًا.
تتوافر أسباب عديدة أخرى تفوق أهميّة ما ذُكرَ آنفًا من شأنها أن تُفسَّر أهمية هذه الزيارة. وهي زيارة تندرج في إطار ما يبدو أنه "المرحلة الأخيرة" من استئناف المفاوضات في فيينا، بين إيران والقوى العالمية، لتجديد الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018. وأفادت التقارير أنّ رئيسي قد أطلع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، خلال الاجتماع الذي جمعه به، على وضع المفاوضات في فيينا. ويبدو أن هذا الأمر جزءٌ من استراتيجية مدروسة واسعة النطاق يعتمدها رئيسي ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، للحصول على موافقة أكبر عدد ممكن من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أجل إبرام اتفاق نووي جديد، وذلك من خلال إطلاع هذه الدول على أوضاع المفاوضات في فيينا.
ترى قطر أنّ زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي قد تُعزّز دخولها المبكر إلى أسواق إيران المُربحة والاستفادة منها، عندما تؤدي المفاوضات المستمرّة إلى رفع العقوبات الأميركية والثانوية عن إيران. وبحسب بعض التقارير، ناقش الزعيمان عددًا من القضايا التجارية الثنائية ومشاريع مشتركة تتعلّق بالبنية التحتيّة.
وعلى نحو أكثر مباشرة، فإنّ العَرْض الذي قدّمه الشيخ تميم إلى رئيسي، المتمثّل بالمساعدة في وضع "اللمسات الأخيرة" على محادثات فيينا، لا يمكنه إلَّا أن يعزّز مكانة قطر الدبلوماسية، وقيمتها الاستراتيجية أيضًا؛ بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ودول أخرى في العالم. وحتى لو لم تنخرط قطر رسميًّا في عمليّة التفاوض، فهي على الأقلّ تبدو وكأنها حاولت ممارسة تأثيرًا في إيران لتعتمد مزيدًا من الاعتدال في مواقفها، بما يسهم في تحقيق هدف المفاوضات.
نظرًا إلى تسارع التطورات الإقليمية، ليس من السهل التنبؤ بالمسار المستقبلي لعلاقات إيران بدولة قطر وبغيرها من الدول العربية المجاورة. ومع ذلك، إذا كان تولّي رئيسي لمنصبه خلال الأشهر القليلة الماضية مؤشرًا دالًّا على تطوّر تلك العلاقات، فإنّ الاتجاهات الحالية تشير إلى انخفاض مطّرد في حدّة التوترات بين إيران ودول مجلس التعاون، بخاصة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي هذا السياق، من المتوقّع أن تكتسي العلاقات الودّية بين إيران وقطر، وهي علاقات قائمة أصلًا، أهميةً أكبر؛ ليس على الصعيد الدبلوماسي فحسب، بل على الصعيدَين السياسي والتجاري أيضًا. وبذلك، قد تشكّل زيارة رئيسي للدوحة، إلى جانب ذلك، بدايةَ فصلٍ جديدٍ في العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون يتميّز بتوتّر أقل بدرجة كبيرة؛ ما قد يفتح باب التعاون في بعض المجالات.