العنوان هنا
تحليل سياسات 23 سبتمبر ، 2020

"المصائب لا تأتي فرادى": تأثير فيروس كورونا المستجد اجتماعيًا واقتصاديًا في لبنان

لورا صياح

مديرة وحدة ترجمان في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومحاضرة وباحثة في الاقتصاد. حاصلة على الدكتوراه في اقتصاد التعليم والتنمية من جامعةParis-Dauphine في فرنسا، والماجستير في العلوم الدبلوماسية والمفاوضات الاستراتيجية من جامعة Paris-Sud في فرنسا، وماجستير في الاقتصاد والتمويل الدوليين من الجامعة اللبنانية. تتركز أبحاثها حاليًا على التنمية والاقتصاد السياسي في لبنان. 

مقدمة

لم يسلم لبنان من وباء كوفيد-19، وسط أسوأ أزمتين اقتصادية ومالية في تاريخه، وجاء الوباء ليعجّل تدهور البلاد على جميع المستويات. تحاول هذه الورقة تحليل تأثيرات الوباء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الرئيسة في لبنان، وتشرح بإيجاز الظروف الاقتصادية قبل الوباء، وتعرض الأرقام الرئيسة عن كوفيد-19، ثم تقف على تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الرئيسة، وتقدم توصيات واستنتاجات بشأنه.

لوحظت مؤشرات التراجع الاقتصادي الكارثي منذ صيف عام 2019، معلنةً تدهورًا سريعًا للاقتصاد اللبناني. وقد لوحظ تباطؤ النمو الاقتصادي في لبنان منذ زمن طويل، على شكل عجز تجاري بنيوي، مقترن بانخفاض التحويلات الخارجية، وارتفاع مستويات الفساد، وتفاقم الدين الحكومي؛ على نحوٍ أدى إلى خسائر فادحة في احتياطيات العملات الأجنبية، إلى جانب سحب مليارات الدولارات وهروبها، على نحوٍ أدى إلى تعرض القطاع المصرفي لأزمة سيولة، ومن ثم فرْض قيود شديدة على العمليات المصرفية[1]. والواقع أن بلدًا كان الدَّين العام فيه المصدر الرئيس لتمويل المشاريع العامة، واقتصاده يقوم على قطاعات ضعيفة ومنخفضة الإنتاجية، مثل البنوك والسياحة، جاءت الحرب في سورية (2011)، لتفاقم هشاشة الوضع فيه، وتحرمه من شريك تجاري أساسي، ومن طرق تصدير، ثم تحمّله تكلفة تدفق أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري[2].

واصلت معدلات النمو انخفاضها منذ عام 2009، فبلغت 0.2 في المئة في عام 2019[3]، مع متوسط معدل تضخم 2.9 في المئة في عام 2019. ويُعد لبنان، من ناحية أخرى، أحد أكثر البلدان مديونية في العالم قياسًا على نسبته من الناتج المحلي الإجمالي، فقد تجاوز الدَّين العام 90 مليار دولار في نهاية عام 2019؛ أي ما يعادل 178 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما استنزفت خدمة الدَّين العام 45.2 في المئة من إيرادات الميزانية[4].

أما معدلات البطالة والفقر فقد ارتفعت ارتفاعًا هائلًا؛ ففي عامَي 2018-2019، كان أقل من 50 في المئة من السكان ممن هم في سن العمل لديهم عمل، ومعدلات البطالة مرتفعة جدًا بين الشباب (23.3 في المئة)[5]، وقُدِّر معدل البطالة بنحو 25 في المئة من القوى العاملة قبل 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019[6]. كما تشير التقديرات إلى أن 28.5 في المئة من السكان اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر[7].

ظهرت بعدئذٍ أول حالة إصابة بكوفيد-19. وفي 15 آذار/ مارس 2020، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ الطبية، وأعلنت إغلاقًا كاملًا باستثناء الصيدليات ومحلات "السوبر ماركت"، مع حظر التجول ليلًا (ابتداءً من 26 آذار/ مارس). في حين ظلت الأحياء الفقيرة مفتوحة؛ لأنها تعتمد على الدخل اليومي أو بالساعة. وبدأت في 27 نيسان/ أبريل خطة من خمس مراحل لإنهاء الإغلاق بالتدريج، مع إعادة فتح المطار في 1 تموز/ يوليو للرحلات التجارية بعد إغلاقه في منتصف ليل 19 آذار/ مارس 2020[8]، مع بقائه أدنى من طاقته التشغيلية (10 في المئة من طاقته). وسيتعين على الزوار الوافدين الخضوع لاختبار تشخيص الوباء PCR دون عزل ذاتي، ويُطلب منهم إجراء عقد تأمين يغطي جميع علاجات كوفيد-19 المحتملة إذا لزم الأمر[9]. وقبل إغلاق المطار، أمهلت الحكومة اللبنانيين الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم مدة أربعة أيام[10]، واعتمدت خطة إجلاء المواطنين اللبنانيين في الخارج، على دفعات عدة تبدأ في 5 نيسان/ أبريل، ويُلزَم القادمون بإجراء اختبارات PCR والبقاء في الحجر الصحي مدة 14 يومًا، غير أنّ الوافدين لم يتقيدوا به، ويرجع السبب في الغالب إلى نقص الوعي والمسؤولية الاجتماعية، وبعد ذلك خفَّت حدة إجراءات التعميم، ثم تغيرت. ولا ننسى الدور المهم للسلطات المحلية خاصةً البلديات التي أدّت دورًا إداريًا مهمًا على المستوى المحلي.

حتى تاريخ 16 آب/ أغسطس 2020، سجل لبنان 8442 إصابة، مع 97 حالة وفاة، و2650 حالة شفاء[11]، معظمهم من كبار السن مع أوضاع مرضية[12]. وتُبين كثافة أعدادهم على مستوى المناطق أن معظم الإصابات سُجِّلت في بيروت وجبل لبنان (حيث توجد أعلى كثافة سكانية)، وهي المناطق الوسطى من البلاد. وتُلاحَظ حالات عدوى بدرجة أقل عندما نقترب أكثر من المناطق الطرفية. يحظى سكان المناطق الوسطى بإمكانية أفضل للوصول إلى نظام الرعاية الصحية وبطريقة أيسر، ولديهم وعي أفضل بالمرض، ويتحلون بشعور أعلى بالمسؤولية الاجتماعية، لكن تُطرَح أيضًا شكوك في دقة الأرقام الرسمية نتيجة أسباب سياسية[13].

وقد تمكنت التدابير الأولى التي اتخذتها الحكومة من احتواء الوباء، إلا أنه سُجِّل معدل إصابات أعلى عند زيادة عدد الاختبارات. ومقارنة بالبلدان العربية الأخرى نجد أنّ النسب عالية؛ ففي المملكة العربية السعودية (297315 إصابة، و3369 حالة وفاة)، وقطر (114809 إصابة، و192 حالة وفاة)، ومصر (96336 إصابة، و5141 حالة وفاة)، والعراق (172583 إصابة، و5785 حالة وفاة)، وفلسطين ( 16153 إصابة، و108 حالات وفاة)[14]. وبسبب قلة عدد الأشخاص الذين يدخلون المستشفيات، لم يحصل ضغط حقيقي على النظام الصحي، خاصة بالنسبة إلى المرضى الذين يحتاجون إلى أجهزة تنفس صناعي. وسُمّيَ أحد عشر مستشفى حكوميًا في البداية لاستقبال المرضى، وأُضيف إليها في مرحلة لاحقة مستشفيات خاصة جُهِّزت بتجهيزات متكاملة لفحص المرضى وعلاجهم.

من ناحية أخرى، ومن أجل تخفيف عبء الأزمة، سُمِح لدافعي الضرائب بتأجيل التصريح الضريبي وتسديده[15]، وقررت الحكومة توزيع 400 ألف ليرة لبنانية (بوساطة الجيش اللبناني) على العائلات الأشد فقرًا والأفراد الأكثر حرمانًا؛ مثل سائقي سيارات الأجرة. ونتيجةً لشحّ البيانات، طلبت الحكومة من الأسر الفقيرة تقديم طلبات في مجالسهم المحلية من أجل استلام إعانة مالية، لكن لوحظ عدم فاعلية ذلك بسبب التصريحات الكاذبة. كما أن هذه المبالغ المدفوعة لم تكن كافية للتعويض عن الحالة الاقتصادية الكارثية.

وقد تلقّت الحكومة مساعدة من منظمة الأمم المتحدة للأطفال "اليونيسف" UNICEF وبرنامج الغذاء العالمي والبنك الدولي في أول برنامج للتحويل النقدي يستهدف 100 ألف أسرة، بينما قدمت اليونيسف إمدادات للعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية[16]، وساعدت الأمم المتحدة نقابة الممرضات والممرضين في مستشفى رفيق الحريري الجامعي من ناحية الوقاية والفحص والإدارة. بل ساعدت أيضًا وزارة التربية والتعليم العالي من أجل تعزيز التعلم عن بعد[17]، ووُقِّع عقد مع البنك الدولي على قرض مجَدول بقيمة 40 مليون دولار لشراء معدات ودفع رواتب[18]. ومن جهة أخرى أطلق وزير العدل بالتعاون مع نقابة المحامين في بيروت وطرابلس مبادرة لتنظيم إطلاق سراح السجناء مع خط ساخن عن بُعد للاستجواب، إلى جانب تجهيز المحاكم بوسائل إعلام مرئي[19]. وفي سياق ذلك، سرّع كوفيد-19 الكساد الاقتصادي.



[1] جمعية مصارف لبنان، "بيان صحافي"، 17/11/2019، شوهد في 28/4/2020، في: https://bit.ly/2XYngDF

[2] “Lebanon, January 2019,” Fact Sheet, UNHCR, accessed on 1/8/2020, at: https://bit.ly/2XkyEJm;

تختلف التقديرات الصادرة بخصوص عدد اللاجئين السوريين من مصدر إلى آخر. ترتبط أرقام المفوضية بعدد اللاجئين المسجلين لديها، وهو تقدير ناقص، لأن عددًا من اللاجئين غير مسجل، ينظر مثلًا:

“Lebanon,” Fact Sheet, European Civil Protection and Humanitarian Aid Operations, 30/6/2020, accessed on 1/8/2020, at: https://bit.ly/3fqDStb; “9 Years on: Struggles and Hopes of Syrian Refugees in Lebanon,” The Lebanon Protection Consortium(LPC), March 2020, accessed on 1/8/2020, at: https://bit.ly/31hpVsS; “The Consequences of Limited Legal Status for Syrian Refugees in Lebanon,” NRC, March 2014, accessed on 1/8/2020, at: https://bit.ly/2XkEM4C

[3] قدرت وزارة المالية معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بـ 6.9- في المئة في عام 2019، ويتوقع انخفاضها إلى 12- في المئة في عام 2020. ينظر:

“Situation Update for Lebanon’s Creditors,” Ministry of Finance of the Republic of Lebanon, 27/3/2020, accessed on 1/8/2020, at: https://bit.ly/31IvfqW

[4] "النشرة الفصلية، الفصل الرابع من عام 2019"، مصرف لبنان المركزي، العدد 163، ص 51، شوهد في 10/7/2020، في: https://bit.ly/3gpL7Dk

[5] CAS, Labor Force and Household Living Conditions Survey 2018- 2019 (Beirut: 2020), p. 3, accessed on 1/7/2020, at: https://bit.ly/3gsgFs3

[6] "لبنان أمام كارثة البطالة: مليون عاطل عن العمل قريبًا"، العربي الجديد، 26/5/2020، شوهد في 1/5/2020، في: https://bit.ly/38svsQr

[7] UNDP, UN Lebanon Annual Report 2018: Working Together for a Secure, Stable and Prosperous Lebanon (Beirut: 2019), p. 11, accessed on 11/8/2020, at: https://bit.ly/33NzHFV

[8] يُذكر أن الحدود البرية أُغلقت أيضًا.

[9] “The Reopening of Beirut Airport as of the 1st of July 2020,” MEA, accessed on 2/5/2020, at: https://bit.ly/2ZCYxEN

[10] لكن لوحظ أن تكاليف البطاقات كانت باهظة جدًا، ويجب دفعها نقدًا بالدولار بدلًا من الليرة اللبنانية، وهو أمر لا يمكن أن يكون في متناول العديد من الأفراد.

[11] “Coronavirus COVID-19 Lebanon cases,” Ministry of Public Health, accessed on 21/9/2020, at: https://bit.ly/32Pzsct

بينما انخفضت بشدة درجة تزايد الحالات المسجلة منذ آذار/ مارس، لوحظ أن أعلى تزايد حصل في تموز/ يوليو.

[12] 80 في المئة من المتوفين يزيد عمرهم عن 60 عامًا (بينما السكان من الشباب نسبيًا).

[13] Perry T. & L. Bassam, “Hezbollah Deploys Medics, Hospitals Against Coronavirus in Lebanon,” Reuters, 26/3/2020, accessed on 11/8/2020, at: https://reut.rs/2XQS4pv

[14] “COVID-19 Coronavirus Pandemic,” Worldometer, accessed on 18/8/2020, at: https://bit.ly/38u6y2M

[15] الجمهورية اللبنانية، الجريدة الرسمية، قانون رقم 160، "تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية"، 14/5/2020، العدد 20.

[16] “UNICEF is Providing Supplies and Technical Support to fight COVID-19 in Lebanon,” UNICEF, Press release, 6/4/2020, accessed on 11/8/2020, at: https://uni.cf/3io1wZk

[17] “United Nations Response to COVID-19 Outbreak in Lebanon,” UNESCO, 9/4/2020, accessed on 11/8/2020, at: https://bit.ly/31DYmtP

[18] وزارة الصحة العامة، "جهوزية القطاع الصحي في لبنان للاستجابة لفيروس كورونا"، 19/3/2020، ص 22، شوهد في 13/8/2020، في: https://bit.ly/2E3E9Fs

[19] "القضاء اللبناني يقرر إطلاق موقوفين من السجون دون كفالات مالية لتخفيف الاكتظاظ داخلها والحد من الأخطار الصحيّة"، الوكالة الوطنية للإعلام، 28/3/2020، شوهد في 11/8/2020، في: https://bit.ly/3gSiTkI