تتغير بعض المفاهيم الجيوسياسية في المنطقة مع حجم التغيير في سورية، وتتوسّع آفاق التفكير إلى أبعد من الأنماط التقليدية التي اعتدنا التمحورَ حولها منذ أكثر من قرن؛ سواء في العلاقة التركية مع سورية، أو في مكانة سورية الإقليمية؛ فلا يصلح إحياء الماضي ولا استدعاء دور سورية الهامشي؛ فنحن أمام واقعٍ جديد تمامًا. فللمرة الأولى، يمكن تصوّر علاقات سورية من منطلقاتها هي، ومن مكانتها ومقوماتها الحقيقية. في هذه المقالة، يمكننا التفكير في مفهوم جديد لـ "بوابة جيوسياسية"، بوصفها منطقة حيوية مشتركة تتكون من سورية وتركيا معًا، وتُشكّل مركزًا إقليميًا فاعلًا ومؤثرًا، ومنفذًا إلى مناطق أوسع.
تعدّ سورية بوابةً جغرافيةً واعدةً لتركيا نحو المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية والخليج العربي، وهذا تفكير يصبّ في مصلحة الطرفين، وجاء الواقع السوري اليوم ليعززه، حيث فُتحت فرصٌ لتركيا تزيد ثقلها الاستراتيجي، ودورها الإقليمي، وعلاقاتها التجارية. لكنّ الجديد هو أن تكون تركيا نفسها بوابةً لسورية القوية ومصالحها في الخارج؛ فالحدود الطويلة المشتركة هي منفذٌ واسعٌ لسورية أيضًا نحو الجغرافيا الأوسع التي تتاخم تركيا؛ أي إلى أوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى وروسيا.
لا يتعين أن يقتصر مفهوم "البوابة" على منافذ حرة وطرق سريعة للتجارة والوصول إلى الأسواق فقط، بل يتضمن أفقًا أوسع؛ سياسيًا وأمنيًا وتنمويًا واجتماعيًا؛ إذ يشمل منطقة مشتركة، ويستهدف تحقيق الازدهار الاقتصادي، وحل المشاكل الأمنية والإثنية والتنموية المزمنة، وإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية، استنادًا إلى هذا الزخم الاستراتيجي الناشئ.