العنوان هنا
تحليل سياسات 16 أكتوبر ، 2014

تركيا ومسألة التدخل العسكري بين الضغوط والقيود

الكلمات المفتاحية

عماد قدورة

مدير قسم التحرير في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط، وعلى الماجستير في الدراسات الاستراتيجية والدفاعية. تتركز اهتماماته البحثية حول الجيوبولتكس، والعلاقات الدولية، والدراسات التركية. نُشرت له كتب ودراسات عديدة، آخرها كتاب: السياسة الخارجية التركية: الاتجاهات، التحالفات المرنة، سياسة القوة" (المركز العربي للأبحاث، 2021)؛ وكتاب:

The Rise of the GCC and Turkey: Convergent and Divergent Regional Agendas (New Castle: Cambridge Scholars Publishing, 2021).


مقدمة

تواجه تركيا اليوم خيارات حرجة إزاء التدخل العسكري العاجل في الجوار؛ فإما أن تستجيب للنداءات والمطالبات المتصاعدة بالتدخل المباشر، وإما أن تعطي أولويةً لقراءتها الكلية للمشهدين الداخلي والإقليمي فتقدم مصالحها على ردود الفعل الآنيّة، وإما أن تحتفظ بوضعٍ من الغموض الذي ينطوي على تضامنٍ ودعمٍ للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في وقت لا تنخرط فيه في مواجهات عسكرية مباشرة. ولكلٍ من هذه الخيارات منافع وتكاليف على المستويين المحلي والإقليمي. ففي وقت يقف فيه "داعش" على مشارف الحدود التركية، تواجه تركيا اليوم أخطر تحدٍ منذ عقود؛ فالمخاطر التي يشكلها تمدّد التنظيم وانتشاره لم تعد تقتصر على شنّ هجمات داخل أراضيها أو على مصالحها الإقليمية فحسب، وإنما قد تخلق مشاكل واضطرابات تهدد استقرارها الداخلي أيضًا. فقد تصاعدت نداءات المطالبة لها بالتدخل في سورية، وبخاصة من الأكراد، لإنقاذ مدينة عين العرب – كوباني وتقديم الدعم للمقاتلين المحاصرين فيها، كما اندلعت تظاهرات واسعة احتجاجًا على عدم استجابتها حتى الآن لهذه المطالب، ووصلت إلى حد اتهامها بعدم المبالاة إزاء مصير المدينة. وانتقلت تلك المطالبات إلى المستوى الدولي؛ إذ ينظر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش" باهتمام شديد إلى المساعدة العسكرية العاجلة التي يمكن أن تقدمها تركيا.

وعلى الرغم من أنّ موقف تركيا المتحفِّظ تجاه انتشار "داعش" وسيطرته على أراضٍ عراقية وسورية واسعة قد تغيّر بعد تحرير الرهائن الأتراك الذين اختطفوا في الموصل؛ إذ أعلنت وقوفها مع التحالف مع التأكيد على أهمية التعاون مع عناصر على الأرض بدلًا من الاقتصار على الضربات الجوية، فإنّ سلوكها حتى الآن يشير إلى إصرارها على عدم الخضوع للضغوط، وعدم الرغبة في الانخراط في معركة من دون إستراتيجية متكاملة إزاء الوضع الإقليمي برمته، ومن دون التزامات دولية، وبخاصة من قبل حلف شمال الأطلسي بوصفها عضوًا فيه، كما نبين لاحقًا. فطوال السنوات الثلاث الماضية حرصت تركيا على تجنّب الدخول في حرب مفتوحة في سورية على الرغم من إسقاط طائرة تركية بمضادات أرضية سورية، واتهامها النظام السوري بتدبير هجمات على الأراضي التركية، ورغم امتلاك حكومتها تفويضًا من البرلمان لنشر قوات برية خارج حدود البلاد منذ أواخر عام 2012.

وفي هذا السياق، يثار تساؤل ملحّ عن ماهية الإطار الحاكم لمبدأ التدخل العسكري التركي، وقيوده، في ضوء التهديدات الوشيكة والصريحة التي يوجِّهها "داعش" للأمن القومي التركي، وفي ظل تأثيرها في السلم الداخلي. كما تثار تساؤلات أخرى عن ماهية الإستراتيجية الشاملة التي تقترحها أنقرة تجاه سورية، وعن شروط تدخلها العسكري، وعن الحدِّ الفاصل أو الضرورة التي تحتّم عليها التدخل عسكريًا.