العنوان هنا
تقدير موقف 13 يوليو ، 2012

زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى إسرائيل

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

استقبلت إسرائيل في الخامس والعشرين من حزيران / يونيو الماضي بحفاوة بالغة رئيس روسيا فلاديمير بوتين. وقد رافق الرئيس بوتين في زيارته هذه التي استغرقت 24 ساعة وفدٌ روسيّ رفيع المستوى تجاوز عدد أفراده 350 شخصا، وشمل الكثير من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الروس[1]. وهذه هي الزيارة الثانية التي يقوم بها بوتين إلى إسرائيل كرئيس لروسيا بعد زيارته الأولى في عام 2005.

وقد أتت هذه الزيارة لتعزز انطباعًا سائدًا لدى المهتمين بشؤون روسيا وإسرائيل، وانعكاسات الصراع العربيّ الإسرائيلي على سياستهما الخارجية والعلاقات بينهما وأنماط تعاونهما وتحالفاتهما. وهو انطباع بتضاؤل نصيب الأيديولوجية في السياسة الخارجيّة الروسيّة وإحياء السياسات القوميّة للدولة الوطنيّة العظمى، مع إيلاء الجالية الروسية الكبيرة في إسرائيل عناية خاصة، وهي جالية ينتمي إليها جزء من النخبة المهنيّة والتقنية في الدولة السوفييتيّة السابقة، كما تنتمي إليها قطاعات سكانيّة تحافظ على ثقافة روسيّة مع مواقف صهيونيّة يمينيّة نجحت في تأسيس حزب أحرز عددا مهمًّا من مقاعد الكنيست، ودفعت برئيس هذا الحزب ذي الأصول الروسيّة إلى موقع وزير الخارجيّة ذي التأثير الواضح. وفي مستهل زيارته، شارك الرئيس بوتين في احتفال افتتاح نصب تذكاريّ للجيش الأحمر السوفييتيّ في مدينة نتانيا، أقامته إسرائيل تخليدا لانتصار الجيش السوفييتيّ على ألمانيا النازية[2]. واجتمع الرئيس بوتين خلال زيارته برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؛ ورئيس الدولة شمعون بيرس؛ ووزير الدفاع إيهود براك؛ ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان؛ وعددٍ آخر من المسؤولين الإسرائيليّين.

شهد العقد الأخير ارتفاعا كبيرا في عدد الزيارات المتبادلة بين قيادتَي الدولتين بغرض تطوير العلاقات الثنائية. وقد زار جميع رؤساء الحكومات الإسرائيليّة في العقد الأخير - شارون وأولمرت ونتنياهو - موسكو، وزارها في السنوات الماضية كذلك كل من شمعون بيرس وإيهود براك وأفيغدور ليبرمان[3].
ويبدو كذلك أنّ تطورًا ذا مغزى قد أخذ سبيله ليؤطّر العلاقة بين الطرفين على أساس تضاؤل عنصر الأيديولوجية في السياسة الروسية والتأكيد على المصالح المشتركة وعناصر أخرى، ومنها ثقل الجالية ذات الأصول الروسيّة (أو المنتمية إلى الشعوب السوفيتية سابقا) في إسرائيل من جهة، وحاجة روسيا إلى التقانة الإسرائيليّة الدقيقة، وكذا حاجة إسرائيل إلى هامش مؤثر في التخطيط السياسيّ الخارجيّ الروسي، لا سيما في ما يهم النزاع العربيّ-الإسرائيليّ وسعي إيران للحصول على التقانة النووية، من جهة أخرى.

أسباب الزيارة

بعد فوزه في الانتخابات بعدة أيام، بعث الرئيس بوتين رسائل غير رسمية إلى إسرائيل، أعرب فيها عن رغبته في زيارتها خلال فترة وجيزة[4]. وعلى الرغم من أنّه لا يوجد سبب حاسم يعلّل وحده قيام الرئيس بوتين بهذه الزيارة بعد مرور فترة قصيرة على انتخابه رئيسا لروسيا، إلا أنّه من المرجّح أنّ أسباب الزيارة تكمن في سعي روسيا إلى تعزيز التعاون الاقتصاديّ والتجاريّ، وفي رغبتها في ترقية التعاون بين البلدين في مجالات الصناعات الدقيقة المتطورة. ولعل من الأهمية التذكير أنّ إسرائيل هي الدولة الرابعة التي يزورها بوتين -بعد فرنسا وألمانيا والصين- منذ انتخابه رئيسا قبل نحو شهرين. هنالك في القيادة السياسيّة - الأمنيّة الإسرائيليّة من يعزو سبب هذه الزيارة في هذه الفترة بالذات، إلى رغبة الرئيس بوتين في إبراز الدور الروسيّ في الشرق الأوسط على خلفية التطورات والتغييرات التي تشهدها المنطقة بشكل عام وسورية بشكل خاص[5]. فروسيا الساعية ليكون لها دور متجدد في السياسة الدوليّة والإقليميّة لا تعتمد على وضعها المتضعضع في الرأي العام العربيّ، وتعلّق أهمية على العلاقة مع إسرائيل.

من جهتها، أبدت إسرائيل اهتماما كبيرا بزيارة الرئيس بوتين، سعيًا منها إلى تطوير مجمل علاقاتها السياسيّة والاقتصاديّة والتجاريّة مع روسيا. وإلى جانب ذلك، سعت إسرائيل إلى التّوصل إلى تفاهمات مع الرئيس بوتين بشأن قضيتين مهمتين بالنسبة إليها، وهما المشروع النوويّ الإيرانيّ والوضع في سورية. وقد أكّد مصدر إسرائيليّ رفيع المستوى الأهمية الكبيرة التي توليها إسرائيل لهاتين القضيتين، فأشار إلى أنّ "روسيا تتمتع بموقعٍ مؤثر في قضيّتين مهمتين وهما المشروع النوويّ الإيرانيّ والوضع في سورية. لذلك نحن نولي أهمية كبيرة لهذه الزيارة. وهي فرصة لتبادل الآراء ومحاولة التأثير في الموقف الروسيّ من هاتين القضيتين"[6].

حاجة روسيا إلى التكنولوجيا المتطورة

على الرغم من إدراك إسرائيل لقدرتها المحدودة للتأثير في السياسة الروسيّة تجاه كل من المشروع النوويّ الإيرانيّ والوضع في سورية، إلّا أنّ المسؤولين في وزارة الخارجيّة يعتقدون أنّ إسرائيل تمتلك "محفزين" مهمّين قد يؤثّران في الموقف الروسيّ بدرجة ما بشأن هاتين القضيتين. وأوّل هذين "المحفزين" مرتبط بقدرة إسرائيل على تزويد روسيا بالتكنولوجيا الأكثر تطورا، وفي مقدمتها التكنولوجيا المتعلقة بصناعة الطائرات من دون طيار، وما يرافقها من أجهزة متطورة. وثاني هذين "المحفزين"، والذي يبدو أنّه أقلّ أهمية من المحفّز الأوّل، مرتبط باستعداد إسرائيل للتعاون مع روسيا بشأن حقول الغاز المكتشفة في السنوات الأخيرة في شواطئ فلسطين على البحر الأبيض المتوسّط، واستعدادها منح مشاريع لشركة الغاز الروسيّة "غازبروم" لتطوير حقول الغاز ونقل إنتاجها وبيعه إلى دول أخرى[7]. ونلاحظ هنا أنّ روسيا قد سلكت في مجال تلبية حاجاتها إلى تقانة النانو والتقانة الإلكترونية المتطورة الأخرى من إسرائيل المسلك نفسه الذي سلكته كل من الصين والهند في سعيهما لإقامة نمط من العلاقات الوظيفيّة بين الطرفين مع الاستعداد لدفع ثمن سياسيّ لذلك. ولعلّ غياب النقد لسياسات إسرائيل بشكل ملموس وعدم الارتباط بالعرب في المواقف السياسيّة هما من السمات البارزة للعلاقات الخارجيّة لدى هذه الأطراف.

تفيد بعض المصادر الإسرائيليّة أنّ روسيا، في سياق محاولاتها الحصول على التكنولوجيا المتطورة، اشترت من إسرائيل في عام 2009 خمس عشرة طائرة من دون طيار، من ثلاثة أنواع مختلفة. وبهذا، تكون إسرائيل الدّولة الثانية -بعد فرنسا- التي تشتري روسيا منها السلاح منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية. وقد أخفقت محاولات روسيا في تصنيع هذه الطائرات في إطار الهندسة العكسيّة وصنع أجهزتها المتطورة (Avionics). لذلك، توجّهت إلى إسرائيل في عام 2010، واقترحت عليها إقامة شركة مشتركة بينهما برأسمال قدره 200 مليون دولار من أجل صنع أصناف متطورة من الطائرات من دون طيار، تشتري روسيا منها 100 طائرة على الأقل[8]. بيد أنّ إقامة مثل هذه الشركة المشتركة وحصولها على التكنولوجيا الدقيقة والمتطورة من إسرائيل، كانت في حاجة إلى نيل موافقة وزارة الدفاع الأميركيّة، لأن إسرائيل حصلت على الكثير من مركّبات تكنولوجيتها الدقيقة المتطورة من الولايات المتحدة مباشرة أو من خلال مشاريع مشتركة أميركيّة - إسرائيليّة. ويبدو أنّ المسؤولين في روسيا يعتقدون أنّ بإمكان إسرائيل نيل الموافقة الأميركيّة في هذا الشأن. فعشية زيارة بوتين، صرّح نائب رئيس الحكومة الروسيّة ديمتري روغوزين، المسؤول عن الصناعات الأمنيّة الروسيّة، أنّ روسيا تجري مفاوضات مع إسرائيل وتحاول إقناعها بتعزيز التعاون التكنولوجيّ بين الدولتين وبدء مشروع مشترك لصنع طائرات صغيرة من دون طيار من نوع جديد، لتستعملها الدولتان ولبيعها أيضا إلى دول أخرى[9]. وليس للمواقف السياسيّة دور مهم في هذه السياقات لأنها علاقات مصلحيّة براغماتية وحسب.

الموقف من إيران وسورية

احتل موضوعان سياسيّان أساسيّان أهمية كبيرة في المحادثات السياسيّة بين الجانبين الروسيّ والإسرائيلي، وهما: مشروع إيران النووي وكيفية التعامل معه، والوضع في سورية وكيفية معالجته. لم ترشح معلومات دقيقة لوسائل الإعلام عمّا إذا كانت إسرائيل قد نجحت في التأثير في الموقف الروسيّ بشأن هذين الموضوعين. وعلى الرغم من ذلك، أعرب مصدر سياسيّ إسرائيليّ رفيع المستوى عن رضاه عن المحادثات السياسيّة بين بوتين ونتنياهو، وأكّد أنّه "كان هناك شعور بأنّ نتنياهو وبوتين وجدا لغةً مشتركة"، وأنّ "المحادثات كانت صريحةً بين الاثنين في الموضوع الإيرانيّ. وقد أعطى بوتين انطباعا بأنّ هناك جدوى من الحديث في الموضوع الإيرانيّ، ولم يكن هناك شعور بأنّ كل طرف جاء فقط لكي يوضّح موقفه"[10]. وقد طلب نتنياهو من الرئيس بوتين أثناء اجتماعه به أن تستمر روسيا في الالتزام بالعقوبات التي فرضها مجلس الأمن على إيران وأن تحافظ على جبهة موحّدة مع الدول الغربيّة بشأن الملف النوويّ الإيرانيّ، وأن لا تُظهر أيّ تهاون تجاه إيران. وقد اتفق نتنياهو وبوتين على الاستمرار في الحديث بينهما بشكل مباشر ودائم في المستقبل بشأن المشروع النوويّ الإيرانيّ[11]. وفي أعقاب اجتماعه مع الرئيس بوتين، ذكر نتنياهو أنّه هو وبوتين متفقان "بأنّ سلاحًا نوويًّا بيد إيران يعدّ خطرا شديدا على إسرائيل وعلى العالم بأسره"[12]. وأضاف نتنياهو أنّه ينبغي للمجتمع الدوليّ تشديد عقوباته "وتقديم ثلاثة مطالب لإيران: وقف تخصيب اليورانيوم، وإخراج اليورانيوم المخصب من إيران، وتفكيك المنشأة النوويّة المبنية في باطن الأرض في قم"[13].

اتّسمت المواقف التي عبّر عنها الرئيس بوتين تجاه إيران ومشروعها النوويّ بالعمومية. ففي أعقاب اجتماعه مع نتنياهو، أشار الرئيس بوتين إلى أنّه تحدّث مع نتنياهو بعمق عن مشروع إيران النوويّ وأنّ "المحادثات كانت مفيدة"[14]. وفي سياق هذه المواقف العامّة تجاه الملفّ النوويّ الإيرانيّ، قال الرئيس بوتين "إنّ المنطقة التي تعيش فيها إسرائيل تؤثر بشكل كبير على المجتمع الدوليّ، وتوجد مصلحة قومية روسية في ضمان السلام والاستقرار لإسرائيل". وكذلك قال إنّه "يحرص على أمن إسرائيل" وأنّ "المواضيع الحساسة التي بحثها الجانبان ستحظى بحلّ جديّ وملائم من جانب روسيا"[15]. يمثّل هذا وعدًا روسيًّا على ما يبدو بالنظر إلى الهواجس الإسرائيليّة في التخطيط الإستراتيجي للسياسة الخارجيّة الروسيّة في مقابل ذلك كان بوتين أكثر "كرمًا" في الحديث عن مواضيع أخرى، خاصة في ما يتعلق بدور روسيا في الحرب ضد النازية أو في علاقة روسيا مع ما يقارب مليون يهوديّ هاجروا من روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل في عقد ونيف من أواخر القرن الماضي. وأشار الرئيس بوتين في هذا الصدد إلى أنّ روسيا تولي أهمية كبيرة لمواطنيها السابقين الذين هاجروا إلى إسرائيل ويعيشون فيها، وإلى أنّ روسيا لا تقبل أن يعيشوا في خطر وأنّها مهتمة بأمنهم وبالحفاظ على علاقات متينة معهم، لا سيّما في المجال الثقافيّ[16].

احتلّ الشأن السوريّ موقعًا مهمًا في المباحثات التي أجراها الجانبان الروسيّ والإسرائيلي أثناء زيارة بوتين إلى تل أبيب. ولم ترشح إلى وسائل الإعلام معلومات عمّا إذا كانت إسرائيل قد أثّرت في الموقف الروسيّ من الوضع في سورية. وقد بدأت في الشهرين الأخيرين تتّخذ في العلن موقفًا مشابهًا لموقف الدول الغربيّة تجاه الوضع في سورية، مع استغلالٍ واضحٍ لحساسية الرأي العام العربيّ تجاه ما يجري للتحريض على إيران، في محاولة إسرائيليّة لإيجاد قاسم مشترك إسرائيليّ-عربيّ ضد إيران. وقد شدّد الجانب الإسرائيليّ في هذه المباحثات على الجوانب الأكثر أهمية بالنسبة إلى إسرائيل، وفي مقدمتها مسألة تصدير روسيا السلاح إلى سورية. وقد طلب الجانب الإسرائيليّ من الرئيس بوتين وقف تزويد سورية بالسلاح، خاصة في الوقت الحاضر الذي يشهد عدم استقرار في سورية. وقد أعربت إسرائيل عن خشيتها من تسرّب أسلحة متطوّرة -بما في ذلك أسلحة بيولوجية وكيماوية- من سورية إلى حزب الله ومنظّمات أخرى[17].

من جانبه، تمسّك الرئيس بوتين بالموقف الروسيّ العام تجاه الوضع في سورية. وفي الوقت الذي ذكر فيه أنّه لا يوجد أيّ التزام ببقاء الرئيس السوريّ بشار الأسد، أكّد الرئيس بوتين أنّ لروسيا علاقات إستراتيجية مع سورية. وأعرب عن معارضته التدخل الغربيّ في سورية ومعارضته إمكانية قيام الدول الغربيّة باستعمال قوّتها العسكرية لإسقاط النظام السوريّ، وقال: "ينبغي التفكير في نتائج هذا الأمر قبل الشروع فيه. انظروا إلى ما حدث في العراق وأفغانستان"، وأضاف "إنّ القيام بعمل من دون معرفة نتائجه مسبقا ليس فيه حكمة كبيرة. ينبغي التفكير جيدا هل ستكون المعارضة السورية التي تصل إلى الحكم كما يريدها الغرب أم ستكون عكس ذلك تماما"[18].

الزيارة والجانب الاقتصادي

احتلّت العلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة بين روسيا وإسرائيل أهمية كبيرة في المباحثات التي أجراها الرئيس بوتين والوفد المرافق له مع القيادة الإسرائيليّة. وسعى الطرفان إلى التفاهم على تطوير علاقاتهما الاقتصاديّة لتشمل مجالاتٍ واسعة وفي مقدّمتها مجالات الطاقة والغاز والتكنولوجيا المتطوّرة والفضاء والسّياحة والزراعة. ويتّضح من نوعية الوفد الروسيّ المرافق لبوتين الذي ضمّ أزيد من 350 مسؤولا ورجل أعمال، أنّ روسيا تولي أهمية كبيرة في هذه المرحلة لإحداث قفزة نوعية في علاقاتها مع إسرائيل في مجمل المجالات الاقتصاديّة والتجاريّة. وكانت روسيا وإسرائيل قد وقّعتا أكثر من عشر اتفاقيّات تعاون بينهما منذ عام 1994 وحتّى 2010[19].

ففي عام 1994، وقّعت الدولتان ستّ اتفاقيات للتعاون في مجالات: العلم والتكنولوجيا؛ والسياحة؛ والثقافة والتعليم؛ والصحّة وعلم الطبّ؛ والزراعة والصناعة الزراعية؛ والطّيران. ووقّعت الدولتان في عام 1996 اتفاقيّة تعاون في مجالَي البريد والاتصالات. وفي عام 1997، وقّعتا اتفاقيّة في مجال الحرب ضدّ الجريمة. وفي عام 2000، وقّعت الدولتان اتفاقيّتين؛ واحدة في مجال منع الازدواج الضريبي وأخرى في مجال إقامة مراكز ثقافيّة في الدولتين. وفي عام 2010، وقّعتا اتفاقيّة تعاون أمنيّ - عسكريّ بينهما[20].

لقد شكّلت هذه الاتفاقيّات أرضيّة المباحثات التي أجراها الرئيس بوتين والوفد المرافق له مع الجانب الإسرائيليّ من أجل تعزيز علاقات الدولتين وتطويرها في مختلف المجالات الاقتصاديّة والتجاريّة. وقد ذكر تقرير في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصاديّة الصادرة في تل أبيب أنّ المحادثات بين الجانبين الروسيّ والإسرائيليّ تناولت المواضيع التالية[21]:

  1. التعاون في مجال الغاز:اقترحت شركة الغاز الروسيّة الحكوميّة "غازبروم" التعاون مع إسرائيل بشأن حقول الغاز التي اكتُشفت في السنوات الماضية في شواطئ فلسطين. وقد أوضح الوفد الزائر الروسيّ أنّ شركة "غازبروم" الروسيّة تعتزم إنشاء شركةٍ فرعيّة لها في إسرائيل، سيطلق عليها اسم "غازبروم إسرائيل". وستعمل هذه الشركة الفرعيّة في مجالات التنقيب عن الغاز ونقل الغاز من البحر إلى الشاطئ وإلى الأسواق. وقد رحّبت إسرائيل بهذه المقترحات، وأوضحت أنّ المناقصات الدوليّة المتعلّقة بحقول الغاز الإسرائيليّة ستكون مفتوحة لمشاركة "غازبروم". وذكرت البعثة الروسيّة أيضا أنّ شركة "غازبروم" الروسيّة، والتي كانت قد فازت في مناقصة سابقة لإنتاج نفط من الحجر الزيتي في جنوب فلسطين، ستباشر عملها قريبا. وتمثّل الشراكة الإسرائيليّة الروسيّة في مجال استكشاف الغاز واستخراجه من قاع شرق المتوسط إدخالًا لعنصرٍ جديد في العلاقات المشتركة، وهو عنصر الطاقة. ومما لا شك فيه أنّ لهذا انعكاسًا خطيرًا على المصالح العربيّة والتركيّة في الجرف القاريّ والمنطقة الاقتصاديّة شرقي المتوسط.
  2. التعاون في مجال تكنولوجيا النانو:كانت روسيا وإسرائيل قد وقّعتا في الماضي اتفاقية للتعاون في مجال تكنولوجيا النانو. وقد أقامت الشركة الروسيّة "روسنانو" مؤخّرًا شركة فرعيّة لها في إسرائيل، حملت اسم "روسنانو إسرائيل". وتقوم هذه الشركة بالاتصال مع شركات إسرائيليّة مختصّة في مجال تكنولوجيا النانو بغرض التعاون معها أو شرائها. وقد انضمّ رئيس شركة "روسنانو" الروسيّة الوفد المرافق للرئيس بوتين بغرض دفع التعاون بين الدولتين في هذا المجال إلى الأمام.
  3. التعاون في مجال الفضاء: كان الرئيس الجديد لوكالة الفضاء الروسيّة أحد أعضاء الوفد الروسيّ الزائر. وتسعى روسيا التي كانت قد أطلقت أقمارا صناعيّة إسرائيليّة من قواعدها، إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الفضاء. وروسيا معنيّة بالحصول على التكنولوجيا المتطوّرة الخاصّة بصناعة الأقمار الصناعيّة الصغيرة والنّظم والأجهزة المرافقة لها، التي تعدّ إسرائيل متقدّمة فيها.
  4. السياحة:أعرب الجانب الإسرائيليّ عن اهتمامه بتطوير التعاون بين البلدين في مجال السّياحة. فعدد السيّاح الروس إلى إسرائيل هو ثاني أكبر عدد سيّاح بعد الوافدين من الولايات المتّحدة الأميركية. إذ يصل إلى إسرائيل نصف مليون سائح روسيّ في السنة، ويبلغ دخل إسرائيل من هذه السّياحة مليار دولار في السنة. وقد بحث الجانبان زيادة السّياحة الروسية إلى البحر الميّت وإلى القدس، وهو ما يقود إلى زيادة عدد الرحلات الجوّية بين البلدين الذي يبلغ حاليًّا 80 رحلة في الأسبوع[22].

زيادة حجم التبادل التّجاريّ بين الدولتين

تسعى الدولتان إلى زيادة حجم التّبادل التّجاري بينهما. وقد بلغت قيمته في عام 2011 ملياري دولار، وهذا يعدّ ارتفاعا بنسبة 25% نسبيًّا مقارنة بعام 2010. ففي عام 2011، بلغت قيمة الصادرات الإسرائيليّة إلى روسيا 954 مليون دولار، بزيادة 17% عن عام 2010. وفي المقابل، بلغت قيمة الواردات الإسرائيليّة من روسيا في العام نفسه 1053 مليون دولار، بزيادة 34% عن عام 2010. وفي الفترة الممتدّة من يناير إلى أبريل 2012، بلغت قيمة الصادرات الإسرائيليّة إلى روسيا 384 مليون دولار بزيادة 3% عن الفترة الموازية لها في العام السابق. وبلغت قيمة الواردات الإسرائيليّة من روسيا في الفترة المذكورة من عام 2012 نفسها 227 مليون دولار، مسجّلة انخفاضًا بنسبة 20% عن الفترة الموازية لها من العام الماضي[23].

تقييم واستنتاجات

شملت المواضيع التي عالجها الرئيس بوتين والوفد المرافق له في زيارته لإسرائيل شقّين: اقتصاديّ وسياسيّ. وقد هدف الوفد الروسيّ الزائر إلى تعزيز التعاون الاقتصاديّ والتجاريّ مع إسرائيل وتطويره، وترقية التعاون في مجالات الصناعات الدقيقة المتطوّرة معها. وسعت إسرائيل بدورها أيضا إلى تعزيز التعاون بين الدولتين في المجالات الاقتصاديّة والتجاريّة. أمّا بخصوص التعاون بين الدولتين في مجالات الصناعات الدقيقة المتطوّرة، فلا يزال خاضعًا ليس فقط للمساومات بين الدولتين، وإنّما أيضا لموقف الولايات المتّحدة الأميركيّة من مثل هذا التعاون.

على الصعيد السياسيّ، لم ترشح معلومات تشير إلى أنّ إسرائيل قد أثّرت في الموقف الروسي تجاه كلّ من الملفّ النوويّ الإيرانيّ والوضع السوريّ. وقد شدّد الجانب الإسرائيليّ في مباحثاته مع الرئيس بوتين على ضرورة استمرار التزام روسيا بالعقوبات التي فرضها مجلس الأمن على إيران، وعلى عدم قيام روسيا بتزويد إيران وسورية بأنواع من الأسلحة الحديثة التي من شأنها الإخلال بميزان القوى العسكريّ في المنطقة والإخلال بالتفوّق العسكريّ الإسرائيليّ.

تؤكّد هذه الزيارة النهج البراغماتي النفعيّ الذي تتبعه روسيا في علاقاتها الخارجيّة، وتمثّل ردًّا على من لا يزال يظنّ أنّ روسيا اليوم هي الاتحاد السوفييتي السابق في علاقاته مع العرب وقضاياهم. وتتمتّع المصلحة بأهمّية تتفوّق على ما بقي من ملامح التحالف العربيّ -السوفييتيّ السابق بعد تلاشي وانحلال مبرّراته وانهيار النظم العربيّة التي كانت تتبّناه، فضلًا عن انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه.

وبقدر تعلّق الأمر بالخيار النوويّ الإيرانيّ، وبعد انهيار جولة موسكو الأخيرة ( حزيران / يونيو2012) وفشلها في الوصول إلى حلّ ناجع لقضية التخصيب، فإنّ ما جاء في تصريحات بوتين في إسرائيل عن كون سلامة إسرائيل واستقرارها هما مصلحة قوميّة روسيّة يمثّل التزاما روسيًّا واضحا يكاد يتماهى مع الموقف الأميركيّ المؤكّد أيضًا على أمن إسرائيل وسلامتها، على الرغم من أنّ ترجمته قد تختلف وفق المصالح الروسيّة تجاه إيران.

تعدّ التقانة الإلكترونيّة الإسرائيليّة، وتقانة النانو على وجه التحديد، إلى جانب علاقات إسرائيل المتميّزة مع الولايات المتّحدة واللوبي الصهيونيّ فيها عنصرًا رئيسًا تستخدمه إسرائيل لبناء علاقاتها مع آسيا وروسيا. وهو منحى نجحت فيه سابقًا في حالات متعدّدة، منها حالة الصّين والهند، حتّى لو سبب ذلك نقدًا أميركيًّا لاذعًا، كما في حالة العلاقة الإسرائيليّة الصينيّة.

يتعيّن على العرب إذًا تلمّس الجوانب التي تؤثّر في المجتمع الدوليّ وتتبّعها والاستفادة منها كما يفعل الأعداء والخصوم والأصدقاء على حدّ سواء. المصلحة القومية أضحت الآن توظيف كلّ ما يمكن توظيفه لبناء المواقف مع الآخرين، وليس الاستمرار في عزف سيمفونيات الصداقة والتاريخ المشترك. ولكن شرط ذلك هو وجود كيانٍ مؤسسيٍّ سياسيّ عربيٍّ يمكنه أن يضع تصوّرًا -بالحدّ الأدنى- للمصالح العربيّة المشتركة.

احتمالات

هناك توقّعات متنوّعة عن التطورات المحتملة للعلاقات بين روسيا وإسرائيل:

أوّلا، من المهمّ التذكير بأنّ منطقة الشرق الأوسط أصبحت مجدّدا ميدانَ تنافس بين الغرب وروسيا، وأنّ هذه الأخيرة تسعى إلى تحسين علاقاتها بإسرائيل جزئيًّا لإحداث وزنٍ مضادّ لمساعي تركيا للتأثير في القوقاز. وهذا وازع مهمّ للتقارب بين الجانبين.

ثانيًا، ستسعى إسرائيل إلى تنمية علاقاتها وتقوية محور التحالف مع موسكو وقبرص واليونان، بسبب حاجاتها إلى الطّاقة، لا سيّما وأنّ بعض حقول الغاز المكتشفة شرقي المتوسّط تبدو في وضعية نزاعيّة.

ثالثًا، بما أنّ إسرائيل غدت مصدرا مهمّا للتكنولوجيا العسكريّة، فمن المحتمل أن تسعى موسكو إلى تعزيز التعاون معها في هذا المجال، لا سيّما وأنّهما تشتركان في المخاوف ذاتها من "التنظيمات الراديكالية"، وأنّهما معًا تناهضان الحركة الديمقراطية في العالم العربيّ.

رابعًا، تشترك روسيا وإسرائيل في المخاوف من الحركة الديمقراطية في العالم العربيّ. فكلاهما يعتقد أنّ نجاح الديمقراطية في العالم العربيّ سيقود لا محالة إلى هيمنة الإسلاميّين على الساحة السياسيّة، أو على الأقلّ إطلاق الحرّية لرأيٍ عامٍّ عربيّ معادٍ لإسرائيل. وهذا الهاجس المشترك يدفعهما لتوثيق التعاون والتنسيق في أكثر من مجال.

خامسًا، هناك خلاف بين روسيا وإسرائيل بشأن إيران (عكس ما يصرّح به الجانبان). فروسيا متحالفة مع إيران لأسباب عديدة. ولكننا إذا تصوّرنا مثلا أن تقوم إسرائيل بضرب إيران، فهل تقف روسيا ضدّ إسرائيل؟ ذلك مستبعد.

سادسًا، روسيا وإسرائيل تشعران بالحاجة إلى تطوير العلاقة بينهما لمعرفتهما أنّ السّياسة الأميركيّة في منطقة الشّرق الأوسط غير مستقرّة، وأنّ تنويع العلاقات بأيّ حال مفيد لكلّ طرف، على المدى المتوسّط والبعيد.

[1] شلومو تسنزه ويوري يلون، "بساط أحمر وغموض"، يسرائيل هيوم، 26/6 /2012.

http://www.israelhayom.co.il/site/newsletter_article.php?id=18576&newsletter=26.06.2012

ضمّ الوفد الروسيّ الذي رافق الرئيس بوتين مجموعة كبيرة من الوزراء ونوّاب الوزراء، وكبار المسؤولين والمستشارين، والكثير من رجال الأعمال. وضمّ أيضًا مجموعة من كبار رجال الأعمال الأغنياء الرّوس اليهود (التايكونات) الذين يعيشون خارج روسيا. للمزيد، انظر: عدي دبرت- طوكر وآخرون، "زيارة بوتين: من هم الأغنياء اليهود التابعون للرئيس الروسيّ"، ذي ماركر، 1/7/2012. http://www.themarker.com/misc/article-print-page/1.1745242

[2] حاييم غرايدينغر، "بوتين في إسرائيل: سنعمل كل شيء كي لا تتكرر أعمال النازيّين"، معاريف، 25/6/2012.

http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/380/524.html

[3] دوف مئير، السياسة الخارجيّة: تاريخ وأهداف وإرساليّات (مدينيوت هاحوتس: تولدات، مسيموت، شليحيوت)، (تل أبيب: يديعوت أحرونوت، 2011)، ص 448.

[4] براك رفيد، "في إسرائيل يجهدون الرأس بالتفكير في كيفية تجنيد بوتين"، هآرتس، 23/6/20012. http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1737740

[5] المصدر نفسه

[6] المصدر نفسه

[7] المصدر نفسه

[8] دوف مئير، السياسة الخارجية...، ص 448.

[9] براك رفيد، "في إسرائيل يجهدون الرأس..."، مصدر سبق ذكره.

[10] إيلي شفيدلر ويهونتان ليس، "بوتين لنتنياهو: سنعمل بالتعاون في موضوع الذرّة الإيراني والوضع في سورية"، هآرتس، 25/6/2012. http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1739552

[11] المصدر نفسه

[12] إريك بندر، "نتنياهو: الحلّ السلمي بسيط، أنا وأبو مازن علينا أن نلتقي"، معاريف، 25/6/2012. http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/380/579.html?hp=1&cat=404

[13] المصدر نفسه

[14] شلومو تزنه ويوري لفين، مصدر سبق ذكره.

[15] إيلي شفيدلر ويهونتان ليس، "بوتين لنتنياهو..."، مصدر سبق ذكره.

[16] إريك بندر، "نتنياهو: الحلّ السلمي... "، مصدر سبق ذكره.

[17] شلومو تزنه ويوري لفين، مصدر سبق ذكره. كذلك، انظر: شفيدلر ويهونتان ليس، "بوتين لنتنياهو..."، مصدر سبق ذكره.

[18] المصدران نفسهما.

[19] دوف بن مئير، العلاقات الخارجية...، مصدر سبق ذكره، ص 448 - 450.

[20] المصدر نفسه

[21] أوره كورن، "بوتين في إسرائيل: من المتوقّع أن تقيم غازبروم شركة فرعيّة لها في إسرائيل"، ذي ماركر، 26/6/2012. http://www.themarker.com/misc/article-print-page/1.1740666

[22] المصدر نفسه

[23] المصدر نفسه