العنوان هنا
تقييم حالة 07 أبريل ، 2021

المنافسة الجيوستراتيجية الأميركية - الصينية على نظام عالمي جديد

أسامة أبو ارشيد

يعمل أسامة أبو ارشيد باحثًا غير مقيم مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسيّة والفلسفة من جامعة لفبرة / بريطانيا، ويقيم حاليا في واشنطن في الولايات المتحدة. نشر العشرات من المقالات والدارسات باللغتين العربية والإنكليزية، كما شارك في تأليف كتابين باللغة العربية عن حركة حماس والمعاهدة الأردنية الإسرائيلية. شارك في العديد من المؤتمرات الأكاديمية، وله كتاب باللغة الإنجليزية في مرحلة الإعداد للطباعة عنوانه: "جدلية الديني والسياسي في فكر وممارسة حركة حماس" وسيصدر عن Cambridge Scholars Publishing.

مقدمة 

كشفت الاجتماعات الأميركية – الصينية، في مدينة آنكريج في ولاية ألاسكا، حجم التوتر وعمقه في العلاقات بين العملاقين الاقتصاديين والعسكريين الدوليين؛ ما بدد آمال البعض في تهدئة بينهما في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، وذلك بعد سنوات من التوتر والمعارك التجارية التي طبعت علاقاتهما خلال فترة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. فقد اشتملت الاجتماعات على ثلاث جلسات، في 18 و19 آذار/ مارس 2021، جمعت عن الجانب الأميركي، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، مع المسؤول الدبلوماسي الأعلى في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيشي، ووزير الخارجية وانغ يي.

شهدت الجلسة الافتتاحية تبادلًا حادًا للاتهامات بين مسؤولي البلدين، أمام كاميرات التلفزة، شملت حقوق الإنسان والقرصنة الإلكترونية وانتهاك سيادة الدول والممارسات التجارية غير الشفافة، وغيرها من القضايا[1]. وفي حين اتهم بلينكن الصين بتهديد "قواعد النظام الدولي الذي يضمن الاستقرار العالمي"، حذر وانغ يي الولايات المتحدة الأميركية من مغبة استخفافها بتصميم بلاده على حماية سيادتها ومصالحها وأمنها[2]. ويرى العديد من الخبراء أن واشنطن وبكين عالقتان، عمليًا، في "حرب باردة" عالمية جديدة، ولكن أساسها التنافس التجاري والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، لا الأيديولوجي[3]. ووفق هؤلاء الخبراء، فإن الطبيعة المشحونة للاجتماعات كانت تعبيرًا عن طبيعة التغييرات التي يشهدها ميزان القوى الدولي، بما قد يؤذن بإرساء أسس نظام عالمي جديد، لا تبقى فيه اليد العليا للولايات المتحدة.

جاء التوتر الأخير، في خضم تصريحات وتحركات سابقة ولاحقة بين البلدين، لتعزيز كل طرف موقعه في مواجهة الآخر. فضمن مساعي الولايات المتحدة لاحتواء مراكمة الصين للقدرات العسكرية في بحر الصين الجنوبي، تحاول واشنطن حشد حلفائها في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي، كأستراليا واليابان والهند وكوريا الجنوبية. وقد ألمحت واشنطن إلى طلب دعم من حلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي (الناتو). أما الصين، فردت عبر تعزيز التنسيق بينها وبين الخصم الجيوستراتيجي الأميركي الآخر، روسيا، التي اتهم بايدن رئيسها، فلاديمير بوتين، بأنه "قاتل"، فضلًا عن توقيعها (أي الصين) اتفاقية تعاون تجاري واستراتيجي، مدتها 25 عامًا، مع إيران.

حسابات متناقضة

يرى عدد من الخبراء أن الفجوة الآخذة في الاتساع بين الطرفين في جوهرها صراع على صياغة النظام الدولي[4]، الذي تريد الولايات المتحدة الحفاظ على صيغته الحالية؛ ذلك أن هذه الصيغة تمنحها الأفضلية، في حين تريد الصين تغيير قواعده وتوجيه رسالة إلى واشنطن بأنها لم تعد تخشاها، أو تتعامل معها من موقع ضعف. وفي رأي هؤلاء الخبراء، فإن الصين تعتقد أن ميزان القوى قد تحول إلى صالحها في السنوات العشر الماضية[5]، وقد عززت جائحة كورونا ونجاحها في التعامل معها، على عكس الغرب عمومًا، والولايات المتحدة تحديدًا، من هذه القناعة لدى بكين. ومن ثمَّ، يستنتج هؤلاء الخبراء أن فرص تحسن العلاقات الأميركية - الصينية في المدى القريب ضئيلة جدًا؛ وهو ما أظهرته اجتماعات آنكريج بوضوح، حتى في ما يتعلق بالعلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

1. الحسابات الأميركية

رغم أن الصين أشارت إلى أنها تحبذ إعادة ضبط العلاقات المتوترة بين العملاقين بعد سنوات ترامب، خصوصًا فيما يتعلق بتعاون محتمل بينهما في قضايا كالمناخ والجائحة، فإن إدارة بايدن رأت في ذلك فخًا لتثبيط الولايات المتحدة عن التنافس معها مقابل طموحات تعاون لن تتحقق فعلًا

تنطلق الولايات المتحدة من أن الصين تمثل التحدي الجيوسياسي الأبرز بالنسبة إليها، وتتهم بكين بأنها تريد نظامًا دوليًا قائمًا على مفهومها للقوة، مفاده: "الحق هو القوة، والفائزون يحصلون على كل شيء". وترى الولايات المتحدة أن عالمًا قائمًا على هذه الأسس سيكون "أكثر عنفًا وغير مستقر"[6]. ويبدو أن المؤسسة الأميركية بكل مكوناتها، السياسية والحزبية والأمنية والاستخباراتية والعسكرية والفكرية، شبه موحدة في مقاربتها أن الصين التي تتضاعف قوتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بسرعة كبيرة تشكل تهديدًا جيوستراتيجيًا لمكانة الولايات المتحدة بصفتها القوة العظمى. ويرى بايدن أن الصين تسعى إلى أن تصبح أغنى وأقوى دولة في العالم وفرض استبدادها القمعي عليه، وهو ما لن تسمح به واشنطن[7]. ويؤكد بلينكن أن العلاقات الأميركية - الصينية لا تختزل فقط في مجالات التعاون المحتملة بين البلدين، كالتغير المناخي، والملفين النوويين لكوريا الشمالية وإيران، وكذلك قضية أفغانستان والأمن الصحي العالمي، بل إن لها أبعادًا تنافسية وعدائية أيضًا[8].

ورغم أن الصين أشارت إلى أنها تحبذ إعادة ضبط العلاقات المتوترة بين العملاقين بعد سنوات ترامب، خصوصًا فيما يتعلق بتعاون محتمل بينهما في قضايا كالمناخ والجائحة، فإن إدارة بايدن رأت في ذلك فخًا لتثبيط الولايات المتحدة عن التنافس معها مقابل طموحات تعاون لن تتحقق فعلًا[9]. ويذهب بعض المسؤولين في إدارة بايدن إلى أنه لا يمكن الحديث عن إعادة ضبط للعلاقات بين البلدين، إذا كانت الصين ستمضي في سعيها إلى تحقيق تفوق تكنولوجي، والاستمرار في ممارسة سياسات اقتصادية إكراهية على أستراليا، وإبقاء ضغوطها على تايوان، وتوسيع نفوذها في بحر الصين الجنوبي، وتهديد جيرانها الآخرين. وعوض ذلك، فإن إدارة بايدن ترى أن الأولوية أميركيًا تتمثل في خلق قضية مشتركة مع حلفائها ضد الصين، وتحديدًا في النطاقين التكنولوجي والاقتصادي[10].

2. الحسابات الصينية

ترى بكين أن "الشرق ينهض والغرب يتراجع". وقد عبر جيشي عن هذا التصور خلال رده على اتهامات بلينكن وسوليفان في اجتماعات آنكريج بقوله: "لا تملك الولايات المتحدة المؤهلات لتقول إنها تريد التحدث إلى الصين من موقع قوة"، متهمًا واشنطن بالتعالي[11]. وتعتقد بكين أن واشنطن تسعى إلى إجهاض نفوذها المتنامي، وتقييد صعودها، عبر محاصرتها بتحالفات مع دول، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأستراليا والهند التي اشتبكت قواتها مع القوات الصينية العام الماضي على طول حدودهما المشتركة في جبال الهيمالايا. وبالنتيجة، "ترى الصين نفسها في بيئة عالمية معادية على نحوٍ متزايد"[12].

ولا تخفي الصين شعورها بالإهانة من أن الولايات المتحدة تعاملت معها على مدى عقود على أنها ضعيفة اقتصاديًا وعسكريًا، وهذا ما أجبرها في بعض الأحيان، في الماضي، على الاستجابة للضغوط الأميركية، كالإفراج عن مدافعين عن حقوق الإنسان أو قبول شروط واشنطن للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. ولكن ثقة الصين بنفسها كبيرة اليوم، وهي تعتقد أنها قادرة على تحدي واشنطن[13]. ولهذا، فإنها ترفض قواعد النظام الدولي القائم حاليًا؛ على أساس أنه محابٍ للولايات المتحدة، و"يحظى بدعم عدد قليل من الدول". والحل، كما يقول المسؤولون الصينيون، يتمثّل في "بناء نوع جديد من العلاقات الدولية، بما يضمن الإنصاف والعدالة والاحترام المتبادل"[14].

تحولات جيوستراتيجية

إدراكًا من العملاقين أن كليهما عاجز عن محاصرة الآخر واحتوائه لوحده، وبسبب تفاقم القضايا الخلافية بين الطرفين، وارتفاع منسوب عدم الثقة والتنافس بينهما، فإن كليهما يسعى إلى تحشيد أوراق قوته وتوسيع تحالفاته وتعزيزها في مواجهة الطرف الآخر، فضلًا عن تعزيز قدرات الردع المتبادل. 

1. الولايات المتحدة

على المستوى العسكري، وبحسب وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، فإن الصين تمثل "تهديدًا متناميًا"، ومن ثمّ فإن هدف الولايات المتحدة يتمثل في "ضمان أن لدينا القدرات والخطط والمفاهيم العملياتية لنكون قادرين على تقديم ردع موثوق للصين أو أي طرف آخر يفكر في مواجهة الولايات المتحدة". وفي حين ركزت الولايات المتحدة على الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، "عملت الصين على بناء قدرة عسكرية حديثة"؛ وهو ما أدى إلى تأكّل ميزة الولايات المتحدة التنافسية عسكريًا، وإن كانت "ما زالت متفوقة (على الصين) وسنضاعف هذا التوفق من الآن فصاعدًا"[15].

قبل ذلك، حذر قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الأدميرال فيليب ديفيدسون، في جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، من أن الصين تزيد إنفاقها الدفاعي، وقد تغزو تايوان خلال ست سنوات. أما المرشح لخلافته، الأدميرال جون أكويلينو، فقد طالب بزيادة قدرات الردع الأميركية في المحيط الهادئ، مشيرًا إلى أن ما قامت به واشنطن حتى الآن لردع الصين، بما في ذلك إرسال بوارج حربية وحاملات طائرات، عبر مضيق تايوان في بحر الصين الجنوبي، لم يكن فعالًا. كما أخبر أكويلينو اللجنة بأن الوجود العسكري الصيني في تايوان سيمنح بكين نفوذًا على أكثر من ثلثي التجارة العالمية التي تمر عبر الممرات البحرية بالقرب من هذه الجزيرة. وطالب مجلس الشيوخ بتمويل مبادرة الردع الأميركية في المحيط الهادئ تمويلًا كاملًا، وتشمل قائمة بالأسلحة الجديدة والإجراءات الدفاعية التي تصل قيمتها إلى 4.6 مليارات دولار.[16]

أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد سبق اجتماعات آنكريج قمة أميركية – أسترالية – هندية - يابانية، فضلًا عن زيارات قام بها مسؤولون أميركيون إلى بعض الدول الحليفة لواشنطن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا، قبل الاجتماعات وبعدها. ورغم أن الصين لم تكن الهدف المعلن دائمًا، فإنها كانت الحاضر الأبرز فيها.

أما القمة الرباعية، والتي عُقدت عبر تقنية "الفيديو كونفرونس" في 12 آذار/ مارس 2021، فقد جاءت في سياق سعي إدارة بايدن إلى تفعيل إطار "الحوار الأمني الرباعي" أو "الرباعية"، والذي أنشئ في عام 2004 بين الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، لضمان بقاء المحيطَين الهادئ والهندي منطقة "مفتوحة وحرة"؛ بمعنى عدم خضوعها لهيمنة الصين. وفي عام 2017، أحيت إدارة ترامب هذا الإطار[17]. ورغم أن القمة لم تأت على ذكر الصين، وإنما ركزت على التصدي للتغييرات المناخية وجائحة كورونا، فإن السياسات الصينية التوسعية في المنطقة كانت حاضرة في الخلفية.

وبعيد هذه القمة، سافر كل من بلينكن وأوستن إلى اليابان وكوريا الجنوبية لطمأنتهما إلى موثوقية الحليف الأميركي بعد أربع سنوات من القلق خلال رئاسة ترامب[18]. وفي 20 آذار/ مارس 2021، أي بعد يوم واحد من اختتام اجتماعات آنكريج، حل أوستن في الهند التي لديها توترات حدودية مع الصين[19]. وفي 23 آذار/ مارس 2021، اتهم بلينكن، في كلمة له في مقر الناتو في بروكسل، الصين بأنها تعسكر بحر الصين الجنوبي، وتستهدف دولًا في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي، وتشكل تهديدًا عسكريًا لحرية الملاحة. كما اتهمها بالقرصنة الإلكترونية وتوظيف تكتيكات تكنولوجية واقتصادية ومعلوماتية لتهديد أمن دول الحلف، وانتهاك حقوق الإنسان. وأكد أن واشنطن تعتبر الصين تهديدًا اقتصاديًا وأمنيًا لحلفاء الناتو في أوروبا، لا سيما في مجال التكنولوجيا، حاثًا حلفاء بلاده على الوقوف مع الولايات المتحدة للتصدي للتحدي الصيني[20].

2. الصين

سيكون لدى الصين 400 قطعة قتالية بحرية في عام 2025، في حين أن الولايات المتحدة قد يكون لديها 355 حينها. وجاء في تقارير أميركية أخرى أن "القوة القتالية البحرية الصينية قد تضاعف حجمها أكثر من ثلاث مرات في عقدين فقط". وتعكف الصين على بناء غواصات قادرة على إطلاق صواريخ نووية، وحاملات طائرات، وطائرات مقاتلة، وسفن هجومية برمائية، وكاسحات جليد. 

تعتبر بكين أن بحر الصين الجنوبي منطقة اقتصادية خالصة لها؛ وقد أدى ذلك إلى توترات بينها وبين الدول الأخرى المطلة عليه وهي: بروناي، وإندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وتايوان، وفيتنام. ولا تخفي الصين امتعاضها من تحدي البحرية العسكرية الأميركية لمزاعم بكين فيه، فضلًا عن دعم واشنطن لبعض دول حوضه، كفيتنام والفلبين وتايوان، في نزاعها معها على تحديد نطاق المياه الإقليمية. ومن ثمَّ، على المستوى العسكري، فإن الصين تطور قدراتها في كل المجالات؛ فهي تنفق سنويًا 250 مليار دولار على جيشها[21]. ورغم أن هذا يمثل ثلث ما تنفقه الولايات المتحدة سنويًا، فإن تكلفة الصناعات الصينية أقل بكثير، إذا ما قورنت بتكلفة الصناعات الأميركية.

لكن أهم مجالات الاستثمار العسكري الصيني يتمثل في القوة البحرية؛ إذ جاء في تقرير لمكتب المخابرات البحرية الأميركية أن البحرية العسكرية الصينية، نهاية عام 2020، كان لديها 360 قطعة بحرية مقارنةً بحوالى 300 لدى البحرية الأميركية؛ ما يعني أن الصين لديها أكبر قوة بحرية عالمية اليوم. ووفق التقرير ذاته، فإن الصين سيكون لديها 400 قطعة قتالية بحرية في عام 2025، في حين أن الولايات المتحدة قد يكون لديها 355 حينها. وجاء في تقارير أميركية أخرى أن "القوة القتالية البحرية الصينية قد تضاعف حجمها أكثر من ثلاث مرات في عقدين فقط". وتعكف الصين على بناء غواصات قادرة على إطلاق صواريخ نووية، وحاملات طائرات، وطائرات مقاتلة، وسفن هجومية برمائية، وكاسحات جليد. ومع أن الولايات المتحدة تبقى متفوقة بفارق كبير على القوة البحرية للصين، من حيث نوعية ومستوى قطعها البحرية وأسلحتها، فإن ما يخدم مصالح الصين هنا هو أنها تبني قوتها الحربية البحرية لتسيطر على منطقة تقع في فضائها الجيوسياسي، وتحديدًا بحر الصين الجنوبي، على عكس الولايات المتحدة البعيدة[22]. غير أنّ ثمة عاملًا آخر قد يوفر معادلًا لهذه الميزة الصينية، ويتمثّل في أن دولًا أخرى حليفة للولايات المتحددة في المنطقة، كاليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان، تطور هي الأخرى قدراتها العسكرية.

أما على صعيد تعزيز التحالفات الجيوستراتيجية، فإن بكين وجدت في موسكو، التي تعرف علاقاتها هي الأخرى توترًا كبيرًا مع واشنطن وبعض حلفائها الأوروبيين، شريكًا محتملًا، للتصدي لمحاولات الهيمنة الأميركية. وقد قام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 23 آذار/ مارس 2021، بزيارة إلى الصين، حيث اتفق البلدان على الوقوف بحزم ضد العقوبات الغربية وتعزيز العلاقات بينهما لتقليل اعتمادهما على الدولار الأميركي في التجارة الدولية. كما اتهم الطرفان الولايات المتحدة بأداء دور مزعزع للاستقرار عالميًا، وبالاعتماد على تحالفات عسكرية تنتمي إلى حقبة الحرب الباردة، ومحاول إقامة تحالفات جديدة لتقويض النظام العالمي[23].

وتراهن الصين على "مبادرة الحزام والطريق" التي أطلقتها عام 2013، والتي تسعى بكين من خلالها إلى تعزيز ريادتها الاقتصادية والتجارية عالميًا، عبر مشروع طموح يتجاوز تريليون دولار، ويشمل دولًا في آسيا وأفريقيا وأوروبا[24]. وتستفيد الصين في ذلك من قوتها الاقتصادية الهائلة بعد الولايات المتحدة، ومن كونها أكبر قوة تصنيعية عالمية، فضلًا عن توظيفها لـ "دبلوماسية اللقاحات" في مواجهة جائحة كورونا، في حين ما زالت الولايات المتحدة عاجزة عن التصدي لها في داخل حدودها. وكانت الصين قد وقّعت في 27 آذار/ مارس 2021 اتفاقية تعاون تجاري واستراتيجي مع إيران، مدتها 25 عامًا، ضمن مبادرة "الحزام والطريق".[25]

خاتمة

رغم أن أغلب توقعات الخبراء تميل إلى أن العلاقات الأميركية - الصينية ستكون صعبة في السنوات المقبلة، في ظل تنافسهما على طبيعة الأسس التي ينبغي أن تحكم النظام الدولي الجديد، فإنه من المستبعد أن يتجه البلدان إلى مواجهة مكلفة. فمن ناحية، ثمة ترابط وثيق بين اقتصادَي البلدين الأكبر عالميًا، وأي اهتزاز في أحدهما سيكون له تداعيات على الآخر. ومن ناحية أخرى، فإن لكل بلد انشغالاته الداخلية. ذلك أن الرئيس بايدن يعطي أولوية للسيطرة على جائحة كورونا التي تعصف ببلاده، ومحاولة إنعاش الاقتصاد الأميركي. أما الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فإنه هو الآخر مهتم بتعزيز اقتصاد بلاده؛ إذ من المتوقع أن يترشح لولاية ثالثة لزعامة الحزب الشيوعي العام المقبل، وهو لا يريد أزمة شاملة مع الولايات المتحدة الآن[26].

ولا يبدو أن الدول الحليفة للولايات المتحدة مهتمة بصراع عسكري مع الصين؛ فالدول المجاورة لها تريد ردعًا أميركيًا، لا حربًا، في حين أن الحلفاء الأوروبيين لا يريدون توترًا في العلاقات قد يعود بالضرر على اقتصاداتهم[27]. في المقابل، إن الصين وروسيا، رغم تقاطع مصالحهما في هذه المرحلة ضد الولايات المتحدة، فإن أسباب الخلاف وانعدام الثقة بينهما كبيرة[28]، سواء أكان ذلك في سيبيريا أم في القطب الشمالي، فضلًا عن تخوف روسيا من أن تكون مجرد شريك هامشي مقارنة بالعملاق الاقتصادي الصيني الذي يراكم قوة عسكرية كذلك.

ورغم أن القوة العسكرية الصينية تبقى، إلى الآن، أقل من نظيرتها الأميركية، فإن حقيقة أن أي حرب محتملة سيتم خوضها في الفضاء الجيوسياسي للصين تجعل الطرفين حذرين جدًا إزاءها، خصوصًا أن أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى حرب نووية مدمرة لا رابح فيها. وفي الحصيلة، فإن العالم قد يكون يشهد بوادر انبثاق نظام عالمي جديد؛ إذ قد تتجاوز الصين الولايات المتحدة اقتصاديًا في السنوات المقبلة، مع بقاء الثانية القوة العسكرية الأكبر لسنوات أخرى أطول.


[1] “Secretary Antony J. Blinken, National Security Advisor Jake Sullivan, Director Yang And State Councilor Wang At the Top of Their Meeting,” U.S. Department of State, 18/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/3cMaKP7

[2] Ibid.

[3] Tony Kevin, “Russia and China Are Sending Biden a Message: don’t Judge Us or Try to Change Us. Those Days Are over,” The Conversation, 25/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/3mk91Uo

[4] Alex Ward, “Don’t Expect the US and China to be Friendly anytime soon,” VOX,  23/3/2021, at: https://bit.ly/2PAdy9h

[5] Thomas Wright, “The US and China Finally Get Real with each other,” Brookings, 22/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://brook.gs/2PZGxTD

[6] “Secretary Antony J. Blinken, National Security Advisor Jake Sullivan.”

[7] “Remarks by President Biden in Press Conference,” The White House, 25/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/2R7rs3b

[8] Antony J. Blinken, “A Foreign Policy for the American People,” U.S. Department of State, 3/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/3fEqh5u

[9] Wright.

[10] Ibid.

[11] “Secretary Antony J. Blinken, National Security Advisor Jake Sullivan.”

[12] William Mauldin, “Bitter Alaska Meeting Complicates Already Shaky U.S.-China Ties,” The Wall Street Journal, 19/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://on.wsj.com/3rRWt7Z

[13] "الصدام الصيني الأميركي: حشد الحلفاء للضغط وحماية المصالح"، العربي الجديد، 21/3/2021، شوهد في 5/4/2021، في: https://bit.ly/3miGgaN

[14] “Secretary Antony J. Blinken, National Security Advisor Jake Sullivan.”

[15] Jim Garamone, “Austin, Blinken Trip All about Partnerships with Asian Allies,” U.S. Department of Defense, 13/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/3dCgwSv

[16] Brad Lendon, “Chinese Threat to Taiwan 'Closer to Us than most Think' Top US Admiral Says,” CNN, 24/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://cnn.it/3rR9jmW

[17] Editorial Board, “Biden’s Multilateral Strategy Can Counter China — up to a Point,” The Washington Post, 17/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://wapo.st/2R6s9K6

[18] "الصدام الصيني الأميركي: حشد الحلفاء للضغط وحماية المصالح".

[19] “Secretary of Defense Lloyd J. Austin III Joint Remarks With Indian Defense Minister Raksha Mantri Shri Rajnath Singh in New Delhi,” U.S. Department of Defense, 20/32021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/3dsyA1m

[20] “Secretary Antony J. Blinken and NATO Secretary General Jens Stoltenberg at a Moderated Conversation with Rosa Balfour,” U.S. Department of State, 23/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/2OmWtiD

[21] Fareed Zakaria, “The Pentagon is Using China As an Excuse for Huge New Budgets,” The Washington Post, 18/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://wapo.st/3urX9Th

[22] Brad Lendon, “China Has Built the World's Largest Navy. Now what's Beijing Going to do with it?” CNN, 5/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://cnn.it/3sW2m5i

[23] Kevin.

[24] "مبادرة الحزام والطريق: التعاون بين الصين والشرق الأوسط في زمن من الاضطراب السياسي"، مركز بروكينجز/ الدوحة، 16-17/12/2019، شوهد في 5/4/2021، في: https://brook.gs/39EDwPK

[25] "يشمل تطوير مطارات وموانئ وتعاونًا عسكريًا.. توقيع اتفاق استراتيجي بين إيران والصين مدته 25 عامًا"، الجزيرةنت، 27/3/2021، شوهد في 5/4/2021، في: https://bit.ly/3dvhHDo

[26] Mauldin.

[27] Fred Kaplan, “A Cold Welcome in Alaska,” Slate, 19/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/39IPAQ2

[28]Amber Wang, “China-Russia Alliance Can never Work, Despite US Rivalry, Observers Say,” South China Morning Post, 27/3/2021, accessed on 5/4/2021, at: https://bit.ly/2PS9VeG