العنوان هنا
تقييم حالة 18 أبريل ، 2016

حكومة التكنوقراط وأزمة النظام التوافقي في العراق

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مقدمة

قدّم رئيسُ الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إلى مجلس النواب، أواخرَ آذار / مارس 2016، مشروعًا لتعديل وزراي، يتضمن تقليصَ الكابينة الحكومية إلى 18 وزارة، على أن يكون تغيير الوزراء شاملًا، عدا وزيري الدفاع والداخلية "من أجل عدم إرباك الوضع الأمني"، بحسب تعبير العبادي، وأن تُرشَّح شخصيات على "أسس مهنية والكفاءة" لشغل الحقائب الوزارية، وأن يتمّ خلال شهر تغيير رؤساء الهيئات المستقلّة، وهيكلة مناصب المديرين العامين، بالاستغناء عن أكثر من 100 مدير عام، فضلًا عن "الابتعاد عن التعيين بالوكالة"، وهي الصيغة التي درج عليها رئيسُ الوزراء السابق نوري المالكي في أن يُعيّن بالوكالة أشخاصًا مقربين منه في مناصب عليا في جهاز الدولة، وذلك حتى لا يضطر إلى عرضهم على مجلس النواب لنيل الثقة.

ومع أنّ العبادي لم يعلن الأسماءَ الجديدة المرشّحة، فإنّ مصادر داخل الحكومة سرَّبت هذه الأسماء، في فعل مقصود، على ما يبدو، الغرضُ منه الكشف عن أنّ العبادي اقترح أسماء شخصيات مستقلّة ومهنية وذات خبرة في اختصاصها. وهو ما يلبّي المطالبَ الجماهيرية، كما أعلنتها حركةُ الاحتجاج التي تشهدها البلادُ منذ الصيف الماضي، ويستجيب - كذلك - لحركة المطالب التي قادها السيد مقتدى الصدر، وانتهت إلى اعتصام جماهيري على أبواب المنطقة الخضراء، واعتصام الصدر نفسه داخل المنطقة الخضراء، مانحًا العبادي مهلة محدودة لتشكيل حكومة التكنوقراط. ولذلك، أعلن العبادي قائمتَه المقترحة في اليوم الذي انتهت فيه مهلةُ الصدر.

ومع ذلك، ليست ثمّة ضمانة بأنّ البلاد ستشهد تشكيل حكومة تكنوقراط. فمن حيث المبدأ، عارضت سائر الأطراف السياسية (باستثناء التيّار الصدري)، أو تحفظت، على دعوة العبادي إلى حكومة تكنوقراط. ليس فقط لأن هذه الفكرة تضرب تقاليد المحاصصة القائمة، وتحدّ من سيطرة الأحزاب النافذة على وزراء السلطة التنفيذية، بل لأنّها - بسبب هذا – تهدد شبكة المصالح التي بنتها الأحزاب عبر 13 سنة، أعقبت سقوط نظام صدام حسين.

إنّ فكرة حاجة النظام السياسي العراقي إلى إصلاح عميق تبلورت بعد سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، في حزيران / يونيو 2014، انطلاقًا من أنّ النظام السياسي الذي أنشئ بعد الغزو الأميركي للبلاد سنة 2003 انتهى إلى أزمة، عمّقتها سياساتُ المالكي الطائفية والاحتكارية والتنكيلُ المنهجي الذي تعرّض له المجتمعُ السني، ما أفقده الثقة بالدولة المركزية في بغداد من حيث هي إطار جامع، وأفضى إلى تعزيز القبول الاجتماعي بداعش، ومن ثمّ، التسليم العدمي له. وفي النتيجة، أفضت هذه السياساتُ إلى تسليم ثلث البلاد بيد تنظيم إرهابي.

 ولذلك، تكون فكرةُ الإصلاح أوسعَ من حكومة التكنوقراط.

ومن ثمّ، يبدو أنّ تعثّر ملف الإصلاح السياسي وتأجيله وترحيله إنّما يرتبط، أساسًا، بافتقاد الإرادة لدى الأطراف السياسية ذات الصِّلة التي عارضت الإصلاح في حده الأدنى، متمثلًا بحكومة التكنوقراط.