العنوان هنا
أوراق استراتيجية 12 مايو ، 2024

من مستضعفين إلى سادة حرب حديثة: تحوّل الحركات القومية الأوكرانية (2022-2023)

تاراس تاراسيوك

​محلل في مؤسسة المبادرات الديمقراطية في كييف، يركّز على سياسات العنف السياسي والراديكالية والتطرف ومكافحة الإرهاب. عمل في السابق محللًا أمنيًا في Come Back Alive (عُد حيًّا)، وهي مؤسسة تقدم الدعم للأعضاء العاملين في القوات المسلحة الأوكرانية، وهو منسق مشروع في معهد التعاون الأوروبي الأطلسي.

بترو بوركوفسكي

​المدير التنفيذي لمؤسسة إلكو كوتشريف للمبادرات الديمقراطية في كييف. حاصل على الماجستير في العلوم السياسية من أكاديمية كييف موهيلا (2004)، وهو خريج مركز جورج س. مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية (2007). أكمل دورة إدارة الدفاع في أكاديمية الدفاع التابعة لجامعة كرانفيلد في المملكة المتحدة (2015). عمل في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية تحت إشراف رئيس أوكرانيا (2006-2020). تشمل مجالات خبرته التاريخ وعلم الاجتماع والدراسات الدولية والأمنية.

أليكسي غاران

​أستاذ السياسة المقارنة في الجامعة الوطنية (أكاديمية كييف موهيلا)، أوكرانيا، والمدير المؤسس لكلية تحليل السياسات في الجامعة ذاتها منذ عام 2002، ومدير البحوث في مؤسسة المبادرات الديمقراطية في كييف منذ عام 2015. عمل عميدًا لكلية العلوم الاجتماعية في أكاديمية كييف موهيلا (1991-1993)، وكان عضوًا في مجلس حركة "ميدان"، وعضوًا في المجلس العام التابع لوزارة الشؤون الخارجية الأوكرانية مدة 15 عامًا. 

مقدمة

ليس تحوّل حركات اجتماعية إلى قوى مقاتلة ظاهرةً تاريخيةً فريدةً. نجد مثالًا على ذلك في تعبئة الشيوعيين خلال الحرب الأهلية الإسبانية، مقاتلين متطوّعين وجمع الأموال الضخمة والدعم الدولي. وعلى النحو ذاته، يبدو تحوّل الجماعات السياسية الراديكالية إلى قوات نظامية جليًّا في تشكيل الحرس الجمهوري بعد الثورة الفرنسية. وحتى في أوكرانيا، حدث تحوّل مماثل مع تطور الوحدات العسكرية الأوكرانية من مجموعات اجتماعية في عام 2014، بما يتماشى مع هذه الظاهرة.

لكن يتّسم تحوّل الحركة القومية الأوكرانية في عامي 2022-2023 إلى وحدات عسكرية، باندماجها المميّز في دولة مستقرة وشرعية، لها بنية تحتية عسكرية راسخة. وعلاوة على ذلك، لم تشهد أوكرانيا الظروف الثورية النموذجية التي كثيرًا ما تسهِّل مثل هذه التحوّلات. وبدلًا من ذلك، أصبحت هذه الوحدات من مكوّنات القوات المسلحة النظامية، متكاملة معها ومستقرة فيها. واللافت أنها أصبحت رمزًا لاحترافية الجيش الأوكراني، حيث شاركت في حملات حاسمة، بما في ذلك الدفاع البالغ الأهمية عن ماريوبول في أوائل الحرب. ومع أنّ الادّعاء بأنّ هذه الوحدات هي الأفضل قاطبةً، يبقى ادّعاءً غير دقيق، فلا شك في أن هذه الوحدات تمثّل علامة مهمة في ثقة كلّ من المجتمع والدوائر العسكرية.

كثيرًا ما التفت الباحثون إلى حركات قومية أو يمينية متطرفة باعتبارها حركات راديكالية. لكنّ الظهور النوعي لوحدات عسكرية، يُشار إليها أيضًا باسم "القوميين"، لا يزال أمرًا قيد الاستكشاف. والواقع أن هذه ظاهرة جديدة في جوهرها، ذلك أنّها، على الرغم من استمراريتها التاريخية منذ بداية استقلال أوكرانيا (24 آب/ أغسطس 1991)، لم يسبق أن تجلّت قط بالمقياس الذي شهدناه منذ بداية الغزو الشامل.

من منظور الدراسات العسكرية، كان "النظام الهجين" الأوسع نطاقًا الذي وَسَمَ تحوّل الجيش الأوكراني بين عامي 2014 و2022، قد ألقى بظلّه على الوحدات القومية. وكما لاحظت ديبورا ساندرز، كان الجيش الأوكراني في حالة فريدة حين واجهت البلاد غزوًا روسيًا شاملًا؛ ما يتيح استخدام "وجهَي العملة كليهما" لمقاربتين مختلفتين جوهريًا في التشكيل العسكري. غير أنّه يبقى من الصعب الآن تقويم دينامية التحوّلات في الشؤون العسكرية الأوكرانية بعد الغزو الشامل. ومن المنطقي تمامًا أن يكون دمج القوميين في القوات النظامية عائدًا إلى الإصلاحات التي أُجريت على مدى ثماني سنوات، ومجرد حدث واحد من حوادث التاريخ العسكري.

كان الجيش الأوكراني، بالفعل، في حالة "هجينة" غير عادية، لكنّ الصراع الحالي مثالٌ نادرٌ أيضًا على الكيفية التي واجهت بها ديمقراطية متطورة ومستقرة عمومًا، والأهم من ذلك، مجتمع مدني متطور، حربًا شاملة. وهذا يدفعنا إلى مزيد من الاهتمام بردات أفعال شتّى المجموعات الاجتماعية داخل البلاد، ولا سيما الحركات الاجتماعية. وهذا هو الموقع الذي نهتمّ من خلاله بظاهرة تحوّل القوميين الأوكرانيين.

تكمن السمة الرئيسة لهذه الحركة الاجتماعية في تمكين الحركات القومية، خلال التعبئة العامة، من استعادة أنماط قديمة وإضافة أنماط مختلفة من الوحدات، وإدماجها رسميًا في القوات المسلحة الأوكرانية، بخلاف ما جرى في عام 2014. وإنّه لمن المضلل أن نفسّر عسكرة الحركة القومية ومأسستها في وحدات عسكرية بالمعنى الحرفي، لكن تبقى الحقيقة أنّ دور قادة هذه الحركات مهم في تشكيل سلسلة من الوحدات، فقد بادروا إلى إنشاء وحدات داخل القوات المسلحة، في سعي وراء طرائق لإضفاء الشرعية على تشكيلاتهم التطوعية، مع الحفاظ في الوقت ذاته على هويتهم، وعلى استمرارية سردية معيّنة لأنشطتهم بوصفهم فاعلين سياسيين. وفي ظل تنوّع المجتمع المدني الأوكراني، حافظ القوميون على ظهورهم المرئي، على الرغم من أنهم أصبحوا جزءًا من التشكيلات النظامية للجيش الأوكراني الذي يحدّ بشدة من إمكانات الظهور. فقد برزت، بشكل عام، حركة معارضة وهامشية من خلال تشكيل وحدات عسكرية كبيرة تكرر جزئيًا أو كليًا هوية الحركة السياسية وعلامتها وأسلوبها. وواقع الحال، أنَّ الحركة القومية ممثَّلة في الحرب مع روسيا على نحو أكثر وضوحًا من أي ممثل آخر للمجتمع المدني الأوكراني.

يمثل هذا العمل استمرارًا للبحث في السبب الذي لم يُبقِ خيارًا للقوميين سوى أن يصبحوا جنودًا محترفين. كما أنّه المحاولة الأولى لاختبار نظريات يمكن أن تُفسّر عملية التحوّل التي اعترت الحركة منذ بداية طور جديد في الحرب الأوكرانية - الروسية. لكن تقدّم هذه الدراسة مراجعة أكثر تفصيلًا لتمكّن القوميين من تحقيق مثل هذه النتائج الملحوظة في ساحة المعركة. ونحن نستخدم نظرية تعبئة الموارد باعتبارها العدسة الأساسية لرؤية الحركة، في الوقت الذي نفسّر احترافيتهم على أنّها مثال على آلية الحَرْتَقَة التي تعمل بنشاط على تحويل ما هو موجود من ممارسات الحركات السياسية إلى قوة عسكرية. ويشمل ذلك ممارسات وأشكال تدريب وأيديولوجيا وإشراكًا للشباب، حوّلت الوحدات المشكّلة حديثًا، والمنتمية إلى الحركات اليمينية الأوكرانية السابقة أو ترمز إليها، إلى رموز لخدمة عسكرية احترافية، وإلى "أسياد حرب".