غلاف كتاب "أخي، أرضي: قصة من فلسطين"
مراجعات 04 فبراير ، 2025

سيدي المقاري

​باحث، حاصل على الماجستير في الأدب المقارن من معهد الدوحة للدراسات العليا.

عنوان الكتاب: أخي، أرضي: قصة من فلسطين.

عنوان الكتاب في لغته: My Brother, My Land: A Story from Palestine.

المؤلف: سامي هرمز (بالاشتراك مع سيرين صوالحة).

الناشر: ستانفورد، كاليفورنيا: مطبعة ريدوود.

سنة النشر: 2024.

عدد الصفحات: 328.

مقدمة

يبدو كتاب سامي هرمز بالتعاون مع سيرين صوالحة أخي، أرضي: قصّة من فلسطين، لقارئٍ ممسوس بسذاجةٍ أدبية، عملًا روائيًا؛ كونه يتوسّل ميكانيزمات أدبية من سرد غير مقتصد، وحبكة، وفائض لغة، واستعمال للزمن الماضي، ذلك الزّمن الذي يخبرنا أننا بصدد رواية. وإذا كان الأدب ضرورة متخيّلة، فليس هذا العمل عملًا أدبيًا. إنّ أخي، أرضي قصة عن ضرورة واقعية عن ذوات "هومو–ساكرية" في حالة استثناءٍ دائمة؛ ذلك المستباح الذي فتر مؤخرًا يورغن هابرماس، دونما خجل، عن منحه الحق في الدفاع عن نفسه. ولكن لعلّ الأدبي في الحقيقة ليس سوى انحسار للمخيّلة، ليس سوى توصيف للواقع المعيش بدقة شديدة عبر لغة كثيفة؛ "فموهبة النظر"، كما يحاجّ إميل زولا Émile Zola (1840-1902)، "أقلّ شيوعًا من موهبة الاختراع".

لنقُل، دونما تصنيفات طائشة، إنّ أخي، أرضي قصة عارية من أيّ انتماء أدبي أو أنثروبولوجي على نحوٍ محدد. وتأتي التّهمة الأنثروبولوجية من حقيقة كون هرمز أنثروبولوجيًا متخصصًا في الحركات الاجتماعية والدولة والعنف في العالم العربي. ولكن العمل ليس لاأنثروبولوجيًا أيضًا، وليس غريبًا على هذا الحقل المعرفي تمامًا، كما ليس غريبًا على كتابات هرمز نفسه. فعمله الأول - أصدر كتابين حتّى اللحظة - الحرب قادمة: العنف بين الماضي والمستقبل في لبنان يقوم كذلك على محايثة لتجارب حياتية قلقة جاءت نتاجًا لعنف فظيع عرفه لبنان في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي. سوى أنّ الخصوصية الأنثروبولوجية في العمل الأول كانت أكثر بروزًا منها في هذا العمل. فـ أخي، أرضي متخفف من كثير من أعباء الكتابة الأنثروبولوجية الأكاديمية. ولعل هذه الخفّة مُراد لها ليس فهم الواقع، وإنّما تغييره (ص 5). بمعنى أنّ الكتاب، في جزء كبير منه، خطاب سياسي. ولكنّ إشكاليته، من جانبه السوسيولوجي، معرفة الكيفية التي يشكّل بها الاحتلال الإسرائيلي الحياة الفلسطينية في أبعادها المتنوعة، وكيفية ممارسة الحياة اليومية تحت اشتراطات الواقع الكولونيالي وآلياته في التحكّم والتوجيه. 

يدور العمل حول حياة عائلة صوالحة في قرية كُفر راعي في قضاء جنين، ويتتبع فظاعة صيرورة تمزّق الذات الصوالحية نتيجة وحشية تمدد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ويركّز في ثلثيه على حياة إياد صوالحة، عضو كتائب الفهد الأسود التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" سابقًا، ثمّ قائد خلية لسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين) في جنين، في مقاومته المسلّحة للاحتلال، وحياة أولئك الذين ارتبطوا بحياته المقاوِمة على نحو حميمي حتى لحظة اغتياله في أوج الانتفاضة الثانية في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2002.

يشرّح هرمز على امتداد هذه السنوات تمرحلات العملية الكولونيالية الإسرائيلية وتمفصلاتها في نسيج الحياة اليومية لعائلة صوالحة بين المعابر ونقاط التفتيش والسجون وحقول الزيتون والزعتر، وعلى الجسد وفي الارتباطات الأسرية والحميمية، ليكون بذلك قد جعل من قصة صوالحة تمظهرًا لقصة فلسطين بأكملها؛ وإياد نموذجًا للكينونة الفلسطينية، ومن الزّمن الصوالحي الزّمن الفلسطيني المتشظّي. بتعبير آخر، يكتب هرمز ما هو عام من خلال ما هو خاص، ويؤرخ وقائع فلسطين السياسية تحت حكم الاحتلال والمعاناة الفلسطينية وتمظهراتها عبر قصة عائلة فلسطينية.

يتعاون هرمز مع سيرين صوالحة التي تروي له قصة عائلتها، على مدى سبع عشرة سنة ضمّت لقاءاتٍ عديدة بينهما. ويدعم هذه الحكايات بعمل ميداني كثيف تخللته زيارات كثيرة لفلسطين، ولقاءات مع أفراد عائلة صوالحة وأصدقائها وجيرانها وبعض أفراد القرية، وكذلك ببحثٍ في أرشيفات مركز الدراسات الفلسطينية في بيروت وبمراجعة أدبيات أخرى (ص xiii).

ونتاج ذلك، يأتي العمل مرويًا من وجهتَي نظر: بضمير المتكلم العائد إلى صوالحة وهي تحكي قصة عائلتها، ومن وجهة نظر هرمز الذي يتدخل لتأطير الحكاية تاريخيًا ووضعها في سياقها الأعم مدعومًا بالبحث الذي أجراه. وهذا الفصل يتجلّى بصريًا في عرض كلامَي صوالحة وهرمز في خطَّين بحجمَين مختلفَين.



* هذه المراجعة منشورة في العدد 50 (خريف 2024) من دورية "عمران" وهي دورية فصلية محكمة متخصّصة في العلوم الاجتماعيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.