العنوان هنا
دراسات 24 سبتمبر ، 2019

الديموغرافوبيا في القدس: الواقع والتحولات والاستشراف

راسم خمايسي

مخطط مدن وجغرافي، وأستاذ التخطيط والجغرافيا الحضرية في جامعة حيفا، ورئيس مركز التخطيط والدراسات في كفر كنا. حاصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة العبرية في القدس. يعمل حاليًا أستاذًا زائرًا في جامعة كوينز – بيلفاست. رأس طواقم تخطيط لمدن وقرى فلسطينية كثيرة (مثل رام الله وقلقيلية)، وشارك في طواقم تخطيط متعددة محلية وعالمية.

ملخص

يمثل الصراع على الديموغرافيا والجغرافيا لبّ الصراع الفلسطيني - الصهيوني. وخلال القرن الأخير، حدثت تحولات في حال الديموغرافيا الفلسطينية والإسرائيلية؛ ما أحدث تغيرات جيوسياسية وتحولات في علاقات القوة وتوزيع الموارد والسيطرة عليها في ما بينهما. تتناول هذه الدراسة مفهوم الديموغرافوبيا ومركباته وإسقاطاته في واقع حالة القدس، للاستدلال من خلاله على حالة الصراع العربي/ الفلسطيني - الصهيوني/ الإسرائيلي في فلسطين. وتَعرِض الواقع الديموغرافي في القدس وتحلله على محور الانتماءات القومية والإثنية والثقافية والدينية والجيوسياسية. وتحاول مناقشة العلاقة بين المركبات الديموغرافية والجغرافية والديمقراطية وكيفية توظيفها في التخطيط الحيزي والسيطرة على الموارد. كما تحاول وضع استشراف للمستقبل ومناقشة تبعاته، اعتمادًا على منهجية الرصد والتحليل الناقد للمعطيات التي يجري تجميعها من مصادر إحصائية فلسطينية وإسرائيلية، إضافة إلى مراجعة الأدبيات والخطط والبرامج المعمول بها أو/ والمصوغة للقدس ومحيطها.

مقدمة

لا يطرح أي حل أو تسوية جيوسياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا إذا شمل المركب الديموغرافي (عدد السكان وانتشارهم) بوصفه عنصرًا صائغًا ومُشكلًا للحل. ويعتمد دافع طرح حل الدولتين (فلسطين وإسرائيل)، أساسًا، من وجهة نظر إسرائيل ومنطلقاتها، على إنجاز الرغبة في الحفاظ على غالبية يهودية صهيونية. وتعرض تيارات سوسيوسياسية في إسرائيل موقفًا يوحي أنها مستعدة للتنازل عن بعض المناطق والأراضي، بما في ذلك في القدس، لتأمين غالبية ديموغرافية يهودية في كل منطقة تسعى إسرائيل للسيطرة عليها. هكذا تمثل الديموغرافيا الفلسطينية "شيطانًا" وهاجسًا يَقُضّ مضجعَ الإسرائيليين الصهيونيين. لمواجهة هذا "الشيطان" والهاجس الديموغرافي، تمارس إسرائيل، دولةً ومجتمعًا، سياسات ديموغرافية وحيزية، تستخدم قوة الدولة ومواردها لأجل تطبيق سياسات كولونيالية إثنية/ قومية تُؤمّن هيمنة ديموغرافية في الحيز، مُسخّرة سياسات الأراضي وتوزيع الموارد والتخطيط الحيزي لتحقيق هذه الهيمنة. ونشهد هذا الصراع الديموغرافي الجغرافي على نحو مكشوف ومُعلنٍ وواضحٍ في واقع القدس، حيث تشكل حالة الصراع الديموغرافي في القدس ومحيطها، الذي سنطلق عليه المتروبولين المقدسي المبتور والمُقطع، نموذجًا للصراع الجيوديموغرافي على المستوى القُطري، المناطقي، المحلي/ البلدي، على الرغم من خصوصية حالة القدس كما سنتناولها في هذه الدراسة.

تهدف هذه الدراسة إلى تناول الصراع الجيوديموغرافي في مدينة القدس ومحيطها الذي يمثل المحيط الحضري المقدسي أو متروبولين القدس، كما نوضح لاحقًا، حيث يدور صراع ديموغرافي مُبطن ومُعلن ومُبادَر إليه من السلطات الإسرائيلية القُطرية والبلدية والمؤسسات الأهلية الصهيونية، في المقابل يُواجَه هذا الصراع بردة فعل فلسطينية. وعلى الرغم من هذا الصراع الطويل، فإن الحضور الفلسطيني الديموغرافي، المستمر والمتزايد، ما زال قائمًا وله حضور مؤثر في القدس ومحيطها، ويمثل هاجسًا للسلطات الإسرائيلية، ويدفعها إلى نهج سياسات ديموغرافية وكولونيالية أوجدت واقعًا ديموغرافيًا سوف نعرضه ونحلله وننقده وننقضه ونستشرف بعض سماته في هذه الدراسة. ونسج هذا الصراع الديموغرافي خوفًا متبادلًا في ظرفية غير متناظره، بعضه واقعي، وآخر متوقع أو مُتخيل، نطلق عليه مصطلح "الديموغرافوبيا"، أي الخوف من الديموغرافيا.

يتلخص ادعاؤنا المركزي في هذه الدراسة في أن إسرائيل تنسج وتُنتج خطابًا وسياساتٍ ديموغرافوبية انتقائية، تعرض فيها أنها أقلية مُهددة، و/أو في حالات أخرى تمثل غالبية، اعتمادًا على تعريفات جيوسياسية وإدارية تُمكنها من استخدام مصفوفة ضبط ذكية ناعمة وخشنة، لأجل بسط سيطرتها على القدس ومحيطها. في المقابل، ندعي أنه على الرغم من هذه السياسات والممارسات الكولونيالية واستخدام مصفوفة الضبط، فإن الحضور الديموغرافي والحيزي الفلسطيني ما زال حاضرًا ومشهودًا، وله تأثير في إنتاج الخطاب والسلوك الحيزي الديموغرافوبي الإسرائيلي.

بعد تناول مفهوم الديموغرافوبيا وتأطيره نظريًا، سنناقش مركباته وإسقاطاته في واقع حالة القدس نموذجًا، حيث يمكن الاستدلال من خلاله على حالة الصراع العربي/ الفلسطيني - الصهيوني الإسرائيلي في فلسطين. وبعد التأصيل النظري، تَعرِض الدراسة الواقعَ الديموغرافي في القدس وتحلل بعض سماته على محاور الانتماءات القومية والإثنية والثقافية والدينية والجيوسياسية. كما تحاول الإشارة إلى العلاقة بين المركبات الديموغرافية والجغرافية والديمقراطية، وتوظيفها في التخطيط الحيزي والسيطرة على الموارد. اعتمادًا على التأطير النظري ومناقشة الحال، وتحاول أيضًا وضع استشراف موجز للمستقبل ومناقشة تبعاته على الصراع الجيوديموغرافي في محيط القدس، مُعتمدة على منهجية الرصد والتحليل الناقد للمعطيات التي جُمعت من مصادر إحصائية فلسطينية وإسرائيلية، إضافةً إلى مراجعة الأدبيات والخطط والبرامج المعمول بها أو/ والمصوغة للقدس ومحيطها.

* هذه الدراسة منشورة في العدد 39 (تموز/ يوليو 2019) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 7-29)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.