العنوان هنا
مقالات 22 نوفمبر ، 2011

قراءة في الموقف الإيراني المستجد من النظام السوري

الكلمات المفتاحية

علي حسين باكير

باحث في العلاقات الدولية ومهتم بالشؤون الاستراتيجية في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية (USAK). يعمل على إعداد الدكتوراه في العلاقات الدولية حول موضوع "القوّة". حاصل على تمهيدي دكتوراه بدرجة ممتاز وهو الأول على الدفعة، ماجستير في العلوم السياسية بدرجة "ممتاز" مع توصية بنشر الرسالة وتداولها، ودبلوم في العلاقات الدولية والدبلوماسية من جامعة بيروت العربية، وإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية (الأول على الدفعة في مختلف الفروع). عمل باحثا ومحررًا في مجموعة الاقتصاد والأعمال (AIWA)، وهو باحث متعاون مع مركز الجزيرة للدراسات، وباحث مشارك في المجموعة الجيواستراتيجية للدراسات وله منشورات في عدد آخر من المراكز البحثيّة العربية المرموقة كمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ومركز الخليج للأبحاث، ومركز دراسات الشرق الأوسط، ومركز سبأ للدراسات الاستراتيجية، ومركز المسبار للدراسات والبحوث، والمركز العربي للدراسات الإنسانية. شارك في تأليف عددٍ من الكتب، كما صدرت له عدّة مؤلفات منذ العام 2007 حول تركيا، إيران، الخليج العربي، والصين. له أكثر من 400 مقال وتقرير وبحث ودراسة منشورة في عدد من المراكز البحثية المرموقة في العالم العربي، و في نحو 40 صحيفة (أبرزها الحياة والنهار) و (مجلة الملك خالد العسكرية، آراء حول الخليج، مدارات استراتيجية، آفاق المستقبل، دراسات شرق أوسطية ) ودورية محكمة (أبرزها فصلية الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع اللبنانية، وتقرير البيان الاستراتيجي السنوي، السياسة الدولية). تمّ ترجمة عدد من تقاريره إلى اللغات اليابانية والتركية والفارسية والإنجليزية والفرنسية والأردو ونشرها في بلدانها. كما استضافته عدة فضائيات كقناة anb الفضائية وقناة الجزيرة وقناة العالم وقناة المجد الفضائية وأوريانت والبي بي سي العربية والـ سي ا ن بي سي العربية، وشارك في عدد من الندوات وورش العمل والمؤتمرات. يمكن متابعة بعض منشوراته على : www.alibakeer.maktoobblog.com

مع تطور الأزمة السورية، كثر الحديث مؤخرا عن حصول تغيّر في خطاب النظام الايراني وبعض أركانه تجاه دمشق لجهة الاعتراف بوجود ثورة حقيقية، وحث الأسد على أهمية تفهّم المطالب الشعبية وضرورة فتح حوار بين النظام والمعارضة، وذلك كمؤشر جدّي على وجود تحول حقيقي في السياسة الإيرانية.

كما ترافق ذلك مع حديث عن حصول خلافات داخل السلطة الحاكمة في إيران حيال الموقف من الأسد، واتجه عدد غير قليل من المتخصصين والمحللين إلى أن هذه الإشارات ليست سوى إعلان عن عدم استعداد طهران للوقوف إلى جانب حليفها الاستراتيجي في العالم العربي حتى النهاية، خاصة وأنها تأتي في وقت أحوج ما يكون فيه النظام السوري إلى كل دعم ممكن من حلفائه.


الخطاب الإيراني المستجد من نظام الأسد

- موقف الحكومة الإيرانية:

منذ شهر آب/أغسطس، أصبح بالإمكان رؤية تغيّر في لهجة الخطاب الإيراني إزاء الحالة السورية، وبتاريخ 24/8/2011 على سبيل المثال، قام تلفزيون المنار التابع لحزب الله بإجراء مقابلة مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قال خلالها: "على الشعب السوري والحكومة السورية ان يجلسا مع بعض للوصول إلى تفاهم.. عندما يكون هناك مشكلة بين الشعب وقياداته، عليهم أن يجلسوا للوصول الى حل بعيدا عن العنف. إنّه لا يحق لأحدهما قتل الآخر".

ثم عبّر وزير الخارجية علي أكبر صالحي عن نفس الموقف ولكن بشكل أكثر وضوحا، عندما وصف المطالب التي ترفعها المظاهرات في سوريا بـ"المشروعة"؛ مطالبا نظام الأسد بالاعتراف بها والاستجابة لها على وجه السرعة.

وأخذت بعض وسائل الإعلام الإيرانية فيما بعد- خاصة المحسوبة على رئيس الجمهورية - تعدّل خطابها من الدعم الكامل للنظام، إلى نقل خبر يظهر موقف الطرفين معا (النظام والمتظاهرين).


- موقف المعارضة الإيرانية:

استغلت المعارضة الإيرانية هذه الإشارات بدورها، لتعبّر بشكل علني عن موقفها المعارض للسياسة الرسمية للبلاد، والقائمة على الدعم المفتوح لنظام الأسد؛ خاصّة وأنّ آية الله محمد علي دستغيب - وهو مرجع إصلاحي بارز وعضو مجلس خبراء القيادة - كان قد شكك سابقا في استراتيجية البلاد، داعيا إلى تخصيص الموارد للشعب الإيراني بدلا من أن تذهب لدعم النظام السوري.

وقد غضّت السلطات الإيرانية الطرف عن آراء مماثلة في الصحافة والإعلام،  فنشر "مركز دراسات الدبلوماسية الإيرانية" الذي يديره السفير السابق صادق خرازي - على سبيل المثال - مقابلة مع السفير السابق للبنان والأردن محمد علي سبحاني، تحت عنوان "الدعم الإيراني الأُحادي للأسد سيؤدي إلى الإضرار بطهران" تحدث فيه عن ضرورة تعديل الموقف الرسمي، لأنه قد لا يخدم المصلحة الإيرانية حاليا.

كما نشرت صحيفة "شرق" الإيرانية خبرا عن إرسال حوالي 200 طبيب إيراني، هم من أشهر أطبّاء البلاد- بمن فيهم وزير الصحة السابق - رسالة إلى الأسد "الطبيب" يطالبونه فيها بإنهاء "العنف".


في تفسير المواقف الإيرانية المستجدة

وقد فسّر عدد من الباحثين هذا التوجه العام على المستوى الرسمي وما لحقه من مستويات أخرى من ثلاث زوايا:[1]

الأولى: بأنه يشكل بداية تخلي إيران عن حليفها السوري، وأنّ طهران تتموضع في اتجاه جديد استعدادا للقفز من مركب الأسد الغارق، وأنها لن تدعم النظام حتى النهاية.

الثانية: أنّ هذا الخطاب يعكس انقساما في البنى الرسمية الإيرانية حول الموقف من نظام الأسد بين متشددين ومعتدلين.

الثالثة: أنّ هذا التحول في الخطاب، إنما هو امتداد للمعركة التي تجري منذ فترة بين الرئيس الإيراني وأنصاره من جهة، وبين المرشد الأعلى على الخامنئي وأنصاره من جهة أخرى، وأنّ نجاد قرر نقل المعركة بينه وبين المرشد الأعلى إلى الساحة السورية عبر هذا الخطاب.

لكن الحقيقة أنّ الوصول إلى مثل هذه الاستنتاجات بهذه السرعة، إنما يعبّر عن استخفاف في تناول السياسات الإيرانية وتحليلها، والتسرّع في الوصول إلى استنتاجات غير دقيقة على الإطلاق. فهذه التصريحات لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال، تحوّلا استراتيجيا في السياسة الإيرانية تجاه نظام الأسد، أو انعطافة مفصلية في طريقة تعاطي طهران مع حلفائها.

إنّ ما جرى، لا يعدو غير خطوة تكتيكية أشبه ما تكون بمزيج بين غطاء واق وبالون اختبار، خاصة إذا ما استبعدنا موقف المعارضة الإيرانية الذي يعتبر طبيعيا في سياق مناكفة النظام الإيراني سواء أكانت المعارضة تؤمن حقيقة بما تقول أم أنها تقوله لمجرد المعارضة وركزنا على الموقف الرسمي. وعلى هذا الأساس، فان تحليل الموقف الإيراني إنما ينطلق من اعتبارات لعل أهمها:

1- عدم قدرة إيران على المضي قدما في سياسة التضليل الإعلامية التي تخوضها المؤسسات الإخبارية التابعة والحليفة لها، خاصة مع تزايد التغطية الإعلامية للواقع السوري، وارتفاع عدد الضحايا جراء ممارسات النظام السوري إلى مستوى الآلاف، (عدد الوفيات المعروفة لدى المفوضية العليا التابعة لحقوق الإنسان، يزيد عن 3500 حالة) ومحاولة امتصاص نقمة المتظاهرين الذي بدؤوا يظهرون موقفا عدائيا من طهران، أظهرته الشعارات وحرق العلم الإيراني، لما يعتقدونه من مشاركة طهران في دعم النظام السوري عبر القمع والاغتيالات.

2- تغيّر المزاج الشعبي العربي تجاه إيران بشكل سلبي وإلى حد كبير؛ حيث كشف الموقف الإيراني من البحرين وما أعقبه من دعم مفتوح لنظام الأسد، عن حقيقة السياسة الإيرانية القائمة على معطيات طائفية؛ ولقد رسّخت الإجراءات السريعة التي دفعت الحكومة الإيرانية من خلالها كل من حلفائها في العراق ولبنان لمساعدة النظام السوري من هذه الحقيقة. وأمام هذا الواقع كان لا بد للحكومة الإيرانية من اتخاذ بعض الإجراءات للحفاظ على ماء وجهها، ووقف تدهور  صورتها، لاسيما وأنّ سياساتها الخارجية تعتمد في الأساس على وجود حالة شعبوية مُؤَيِّدَةٍ.

3- المواقف الإقليمية والدولية المتصاعدة حتمّت تخفيفا في اللهجة الإيرانية، وقللت من عدائية الموقف الرسمي تجاه الثورة السورية.  فقد شهدت تلك الفترة خطوات تصعيدية إقليمية ودولية من نظام الأسد، كان أبرزها الموقف الخليجي الذي قادته المملكة العربية السعودية، والرسالة القوية التي بعث بها الملك عبدالله، بالإضافة إلى سحب السفراء الخليجيين من دمشق. ولا تفوت الإشارة إلى الموقف التركي الذي أعلن عن خيبة أمله وفقدانه الثقة نهائيا بالأسد، واتجاهه إلى خطوات هي أكثر تشددا.

وحتى حلفاء النظام السوري مثل موسكو وبكين، كانوا وجهوا رسائل قوية ومتشددة آنذاك، إذ حذّر الرئيس الروسي مديفيديف في حينه نظيره السوري من "مواجهة مصير مؤسف" إذا لم يتم معالجة الأمر. وفي هكذا وضع كان لا بد من مراجعة الموقف على الأقل كي لا تظهر طهران علانية بأنها العاصمة الرئيسية في العالم التي تدعم نظام الأسد علنا.

4- المعادلة التي يخوضها النظام السوري منذ البداية، والقائمة على استغلال عنصر الوقت، أفسحت المجال واسعا للمناورة الإيرانية، بقصد خلق انشقاقات داخلية بين مواقف القوى السورية، وخارجية بين مواقف القوى الدولية، حول الدعوة إلى ضرورة الحوار بين النظام والمعارضة. كما أنه يمكن لطهران استخدم هذا الخطاب في الضغط لإنجاز فكرة كانت تقوم على إشراك بعض عناصر المعارضة في السلطة، وذاك من شأنه منع انهيار النظام كليّا.

5- فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية تحت ذريعة أنّ طهران ضد التدخل الغربي في سوريا. إذ أنّ الانعطافة الإيرانية "الخطابية" جاءت في وقت كانت فيه أطياف المعارضة السورية تعقد اجتماعات متتالية، وتبذل جهودا حثيثة لتوحيد الصفوف داخليا وخارجيا، في محاولة منها لتشكيل نواة تمهد لمرحلة انتقالية سلمية للتحول الديمقراطي في البلاد بعد الانتهاء من نظام الأسد. ومع وصول المفاوضات بين أطراف المعارضة إلى مراحل متقدمة متزامنة مع تدهور شرعية النظام السوري في الداخل والخارج، كان لا بد للبراغماتية الإيرانية من العمل على محاولة إيجاد قنوات تواصل مع المعارضة السورية ولو من باب الاحتياط لما هو قادم، ولذلك فإن هذه التصريحات كانت تساعد على البحث عن مثل هذه القنوات. إنَّه لَيُقَدَّرُ لمثل هذه التكتيكات  الإبقاء على قناة اتصال بين الشيء ونقيضه في آن! للحفاظ على المكاسب العليا للبلاد، وهذه تعتبر مسلمّات في السياسة الإيرانية.

6- وجود طموح إيراني في لعب دور الوسيط بين النظام والمعارضة السورية، حال وصول النظام إلى مرحلة حرجة. وكان الرئيس أحمدي نجاد قد عبّر عن ذلك صراحة، في مقابلة أجرتها لاحقا معه - لاحقا - محطة "سي ان ان" الأمريكية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ونقلت مقتطفات منها بالفارسية على موقع هيئة البث الحكومية الإيرانية. لقد قال نجاد خلال تلك المقابلة، إنّ بلاده ستبذل كل جهد للتقريب بين المعارضة والحكومة السورية للتوصل إلى تفاهم لحل الأزمة التي تمر بها دمشق.

فبعض الأوساط في إيران تعتقد أن لعب مثل هذا الدور سيساعد بطريقة غير مباشرة على إبقاء نظام الأسد وان تطلب ذلك إشراك بعض المعارضين فيه.[2] وتكون طهران قد كسبت بذلك الطرفين من جهة، وتفادت نتائج وتداعيات أي عملية انهيار محتمل للنظام السوري من جهة أخرى.


المرشد الأعلى معيار الموقف الإيراني الحقيقي

وحتى لو تجاهلنا كل ما تم ذكره أعلاه في تفسير الموقف الإيراني، فإنَّه يمكن لنا فهم هذه التصريحات الإيرانية وحملها على أنها تحول جدّي في سياسة البلاد، لولا عامل أساسي يتناقض مع هذا الطرح، ويتمثل في موقف المرشد الأعلى.

فالمرشد الأعلى علي الخامنئي - وهو الحاكم الفعلي والحقيقي للبلاد والمشرف الأساسي على المواضيع بالغة الأهمية ذات الصلة بالسياسة الخارجية -  لم يتراجع حتى الآن، عن موقفه ولم يخفف ولم يعدل من خطابه تجاه الحالة السورية، سواء في تشخيص الوضع باعتبار المتظاهرين "أدوات تحركهم أمريكا وإسرائيل"، أو باعتبار الثورة السورية "مؤامرة على النظام لأنه ضمن محور الممانعة".

وحتى أولئك الذين راهنوا على حصول تحوّل في موقف المرشد خلال الأشهر القليلة الماضية، انطلاقا من استضافة قناة المنار التابعة لحزب الله أحمدي نجاد أثناء إعلانه عن المواقف المستجدة، واعتبار ذلك تمهيدا لتغيير أمين عام حزب الله من موقفه، تبيّن فيما بعد أنّ تحليل أولئك غير دقيق؛ بدليل الموقف الأخير لنصرالله بتاريخ 11/11/2011 والذي عبر خلاله عن أنّ الرهان على سقوط نظام الأسد سيفشل، وأنّ ما يجري هو مجرد مؤامرة أميركية على سوريا (نفس موقف المرشد الأعلى).

إنّ كل الذي يمكننا استنتاجه من قراءة للموقف الإيراني المستجد، لا يعدو كونه مناورة محسوبة ومدروسة، في إطار توزيع الأدوار داخل النظام الإيراني بين المؤسسات الرسمية (الرئاسة والبرلمان والمجالس) وبين الحاكم الحقيقي والفعلي لإيران، أي المرشد الأعلى ومعيته من الحرس الثوري. و يبدو الموقف الإيراني - من جانب - وكأنه محاولة لاستكشاف آفاق المرحلة المقبلة. وأي حديث عن أنّ الموقف المعني هذا، إنما هو نتيجة فعلية لخلافات تدور داخل المؤسسات الإيرانية من جهة أو بين الرئيس والمرشد الأعلى للثورة من جهة أخرى، بما قد يشكل تخلّيا عن الأسد ونظامه، إنما هو حديث غير دقيق وتشخيص غير موفق! لعدة أسباب:

الأول: أنّ القول الفصل في هذه المواضيع أو تلك يرجع إلى المرشد الأعلى لا غيره، وإن كان هذا لا ينفي وجود خلاف بين أركان الحكم في إيران.

الثاني: أنّ وزير الخارجية صالحي، مراقبٌ من المرشد الأعلى مباشرة وليس من الرئيس، مع الأخذ بعين الاعتبار لدور المرشد الأعلى في صنع السياسية الخارجية الإيرانية؛ إذ إنّه لا يمكن لصالحي أن يغيّر الخطاب على النحو هذا من دون تعليمات مسبقة، ما يؤكد فرضية توزيع الأدوار.

الثالث: أنّ طهران لا تزال تدعم عمليا نظام الأسد على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية في مواجهة المتظاهرين؛ إذن فكيف يتخلى عن النظام، من يقوم بدعمه إلى آخر لحظة؟

صحيح أنّ من أساسيّات السياسة الإيرانية أن تقدّم طهران مصلحتها القومية على أي مصلحة أخرى، مهما بلغت من أهمية؛ فقضية إيران-كونترا ليست استثناءً يستشهد به في هذا المجال، كما أنّ فضيحة "عوفر" في التعاون مع إسرائيل، والتي تم كشفها منتصف عام 2011 لن تكون الأخيرة. لكنّ الصحيح أيضا، أن طهران لا تتخلى عن حلفائها إلا بصفقة يتم بموجبها إعطاؤها ما تريده من ضمان لمصلحتها لدى هؤلاء الحلفاء، ولعل عرض "الصفقة الكبرى"[3] السري مع الولايات المتحدة في العام 2003، لخير دليل على فهم هذا النمط من السلوك الإيراني.

على الرغم من أنّ صحيفة لوفيغارو الفرنسية كانت قد أشارت مؤخرا، إلى الأمريكيين والإيرانيين عقدوا اجتماعين في نهاية آب/أغسطس وبداية أيلول/سبتمبر عبر "دبلوماسية الأبواب الخلفية" لبحث الأزمة السورية، إلا أنّه لا يوجد شيء يشير حتى الآن إلى أنّ صفقة ما، جرت أو تجري بهذا الخصوص بين طهران وبين غيرها من الدول حول الملف السوري.

وعلى كل، وانطلاقا من الخبرة الإيرانية، وبتحليل المعطيات أعلاه، والتي تتضمن تغييرا في اللهجة الخطابية ودعما للأسد من الناحية العملية، فإنّ المقصود من المناورة الإيرانية هو مساعدة النظام السوري حتى النهاية وليس قبلها، مع الأخذ بعين الاعتبار الخيارات التي تساعد على إبقاء النظام والبدائل التي قد تفرض نفسها حال سقوطه كذلك،  خاصة بعض الدوائر داخل النظام الإيراني وحزب الله، التي ترى أنّه وبغض النظر عن النظام القادم في سوريا، فإنّ دمشق ستكون بحاجة إلى طهران وحزب الله، لاسيما وأنّ لدى سورية أرضًا محتلّة من قبل إسرائيل، وهو ما سيمكّن طهران من العودة إلى الساحة السورية بقوة، حسب رؤيتهم.


 

[1] ينظر على سبيل المثال لا الحصر:
- يقول الباحث والمحلل السياسي الإسرائيلي(الإيراني) "مير جوادنفر" في مقال له نشر في صحيفة الجارديان البريطانية، إنّ خامنئي لن يدعم الأسد إلى النهاية، وإنّه حالما يدرك أنّ نظام الأسد سيسقط، فسيتخلى عنه، بمعنى أنّه لن يبقى معه حتى النهاية. وينقل مير عن السفير الإيراني السابق للبنان "مسعود إدريسي" أنّ زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله، قد غيّر موقفه من نظام الأسد، وأنّ هذا يعتبر مؤشرا على أنّ الخامنئي سيسلك نفس الطريق.
- يستنتج الباحث جايمس دورسي (RSIS) من هذه المؤشرات، أنّ خامنئي يجهّز نظامه لمرحلة ما بعد الأسد. ويذهب جنوثان توبين - المحرر الصحفي في مجلة "كومنتري" أبعد من ذلك، ليقول إنّ حزب الله وإيران باتا مقتنعين بنهاية نظام الأسد.
- يرى المحلل السياسي الإيراني محمد عطائي في مقال نشر له في "الفورين بوليسي" بتاريخ 9/11/2011 تحت عنوان "إيران تدعم الأسد، لكن ليس بأي ثمن"، أنّ هناك انقساما في الداخل الإيراني، فيما يرى المحلل الإيراني فرهاد علوي في مقال نشر له في موقع "رووز" بتاريخ 12/9/2011، تحت عنوان "اللعب مع الخامنئي في الساحة السورية" أنّ هذا التحول في الخطاب الإيراني ناجم عن الصراع بين الرئيس والمرشد، وأنّ الرئيس قرر نقل المعركة إلى الخارج عبر الحالة السورية.

[2] ذكرت صحيفة التلغراف البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 14/11/2011، أنّ مسؤولين إيرانيين التقوا الشهر الماضي بعدد من المعارضين السوريين ممن أسمتهم "معتدلين" وعلى رأسهم هيثم المنّاع وعدد من قادة هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي في سوريا، ونقلت أنّ طهران استغلت هيثم المانع من أجل التحضير لمؤتمر للمعارضة لكن جهودها لم تنجح.

[3]  وثيقة سريّة إيرانية تمّ إرسالها إلى الولايات المتّحدة عبر السفارة السويسرية في طهران، بشخص السفير "تيم غولدمان"، وبموافقة المرشد الأعلى العام 2003م، حيث تتضمن عرضًا إيرانيًا سريًّا باتجاه إنجاز "صفقة كبرى"، تقوم طهران بمقتضاها بالاعتراف بإسرائيل، وإنهاء دعم الحركات المسلحة، وإعادة العلاقات مع واشنطن، مقابل إنهاء السلوك العدائي لأمريكا، وتعهّد الأخيرة بعدم مهاجمة إيران، ورفع العقوبات الاقتصادية كلها، وإعادة الأموال التي تم تجميدها إبان فترة الشاه، وعدد آخر من المطالب، أهمها: الاعتراف بشرعية مصالح إيران في المنطقة كقوة إقليمية شرعية.  وقد تم رفض الصفقة من قبل صقور الإدارة الأمريكية آنذاك، الذين كانوا في موقع قوة عند احتلال العراق. للمزيد من التفاصيل حول الوثيقة، يمكن مراجعة تقريرنا بعنوان "خاص: القصّة الكاملة للعرض الإيراني السرّي العام 2003-الحلقة الثانية"، صحيفة السياسية الكويتية، 7/3/2007، متوفر على الرابط التالي:

http://alibakeer.maktoobblog.com/237089