العنوان هنا
مقالات 10 أغسطس ، 2021

"حدث 25 يوليو" في تونس: في الديمقراطية المنكودة والمشلولة والشعبوية المتوثّبة وتحدّيات المستقبل

سهيل الحبيّب

حاصل على الدكتوراه في اللغة والآداب العربية، اختصاص حضارة (فكر عربي حديث ومعاصر)، من كلية الآداب بمنوبة (2003). باحث بخطة أستاذ محاضر بمركز الدراسات الإسلامية ـ جامعة الزيتونة تونس. له العديد من المؤلفات، أبرزها: وصل التراث بالمعاصر: قراءة نقدية في طرح الماركسيين العرب (1998)؛ وخطاب النقد الثقافي في الفكر العربي المعاصر: معالم في مشروع آخر(2008)؛ وفي تشكيل الخطاب الإصلاحي العربي: تطبيقات على الفكر الإصلاحي التونسي (2009)؛ فضلًا عن المشاركة في كتب جماعية وأعمال ندوات، ومجموعة من الدراسات والمقالات في مجلات عربية مختلفة.


مقدمة

ماذا حدث في تونس يوم 25 تموز/ يوليو 2021؟ "ثورة مضادة" أم "تصحيح للمسار الثوري"؟ "انقلاب" أم "تفعيل للدستور"؟ تحقيق لـ "طموح فردي" أم تحقيق لـ "إرادة شعبية"؟ "عودة إلى الاستبداد" أم "صيانة للحقوق والحريات"؟ لا نعتقد أن اعتماد هذه التوصيفات المتقاطبة المتضاربة وأمثالها قادر على أن يكون المدخل المناسب لمحاولة فهم هذا الحدث المزلزل والنوعي في المسار التونسي الناشئ منذ ثورة 14 جانفي [كانون الثاني/ يناير] 2011 فهمًا موضوعيًا، من حيث طبيعته وأسبابه ونتائجه وتطوّراته المحتملة في قادم الشهور والسنوات وربما العقود. وإذ نتحدّث هنا عن محاولة الفهم الموضوعي، فلا يعني ذلك ادعاء "حياد" مزعوم. فصاحب هذه الورقة يعلن منذ الآن أنه يكتب من موقع الانتصار لمشروع الديمقراطية والدولة المواطنية في تونس، لكنه يرى أن السبيل لهذا الانتصار، أو مدخله الضروري، يكون بالأساس عبر تفهّم "حدث 25 يوليو" في مختلف أبعاده وتعقيداته.

تعتبر هذه الورقة أن الإشكال الجوهري اليوم في تونس هو الإشكال السياسي الذي يرتبط بصميم مشكلات الحكم الديمقراطي وتتداخل معه أبعاد اجتماعية واقتصادية أساسًا، هي من تداعيات هذا الإشكال السياسي. يعني هذا أنّ الإشكال السياسي المتعلّق بالعلاقة بين الحراك الجماهيري الذي أدى إلى حدث 14 جانفي 2011 والحراك الذي أدّى إلى "حدث 25 يوليو" (مربع سؤال: "ثورة مضادة" أم "تصحيح للمسار الثوري"؟)، وإن كان قائمًا، فهو ليس الجوهري. وينطبق الأمر ذاته على الإشكال الدستوري والقانوني بالمعنى التقني (مربع سؤال: "انقلاب" أم "تفعيل للدستور"؟) والإشكال الحقوقي عن السياق السياسي (مربع سؤال: "عودة إلى الاستبداد" أم "صيانة للحقوق والحريات"؟).

أحدّد الإشكال الجوهري في المشهد التونسي الراهن من الآن بكونه يتعلّق رأسًا بمشروع سياسي شعبوي حقيقي بدأ في وضعه الرئيس قيس سعيّد ليلة 25 تموز/ يوليو على أنقاض تجربة ديمقراطية فتيّة لم تعمّر أكثر من عقد من الزمن. وأقدّر أن ثمة حظوظًا معتبرة كي ينجح سعيّد في التقدّم نحو تكريس مشروعه، أو شطر منه على الأقل، في مستقبل الشهور وربما السنوات. وذلك باعتبار أن هذا المشروع يبدو متوفّرًا على إمكانات معتبرة لحلٍّ يخرج من أزمة حقيقية تعيشها البلاد ويقي من مخاطر جدية تتهدّدها.

على هذا الأساس، أرى أنّ النظر في "حدث 25 يوليو" في تونس لا يمكن أن يذهب بعيدًا في فهمه وتحليل جميع أبعاده وفي تقدير موقف "سليم" منه (أي تقدير موقف من جهة الدفاع عن التحوّل الديمقراطي ومستقبل الديمقراطية في تونس وفي الوطن العربي كله بالنسبة إليّ على الأقل)، خارج منظور التحليل السياسي المندرج في الإطار العام الذي يحدّد علاقة الشعبوية بأزمة الديمقراطية كما حلّلها بعمق نظري المفكر العربي عزمي بشارة في كتابه في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟ وهذا ما سأحاول الاستدلال عليه والإسهام فيه من خلال هذه الورقة.