العنوان هنا
دراسات 15 ديسمبر ، 2019

القرار الأميركي - الصهيوني بإلغاء وكالة "الأونروا" وتصفية القضية الفلسطينية

أحمد مفلح

باحث فلسطيني، حاز شهادة الدكتوراه في علم اجتماع الثقافة والمعرفة من الجامعة اللبنانية. نشر دراسات محكمة عدة، وصدر له كتاب "في سوسيولوجيا المثقفين العرب".

مقدمة

منذ تأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى التي عُرفت اختصارًا بـ "الأونروا" UNRWA، في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949، ينشغل، أول مرة، الرأي العام الفلسطيني ومتابعو شؤون الوكالة والمهتمون بقضية التجديد لولاية تفويضها لثلاثة أعوام (بدءًا من 30 حزيران/ يونيو 2020، حيث تنتهي ولايتها الحالية وجُدّد لها بالفعل حتى 30 حزيران/ يونيو 2023)، نظرًا إلى الجهد الكبير الذي بذلته الإدارة الأميركية لمنع التجديد، كما سنرى في سياق هذه الدراسة. وقد كان يعتبر مثل هذا القرار في السابق "روتينيًا"، يمرّ آليًا كل ثلاثة أعوام في هذه الاجتماعات، من دون أن يتنبّه له حتى موظفو الأونروا أنفسهم، بوصفه تحصيلًا حاصلًا، إلى أن أطلّت الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، الذي أراد أن يتوّج مرحلته بتصفية القضية الفلسطينية وإعلاء شأن إسرائيل على حساب العرب عمومًا والفلسطينيين وحياتهم وتاريخ قضيتهم ومستقبلها. فإضافة إلى دعمه المادي والسياسي المطلق للكيان الصهيوني، واعترافه بالقدس عاصمة أبدية موحَّدة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، قرر تصفية آخر شاهد على هذه القضية، وهي وكالة الأونروا من خلال تجفيف تمويلها وإلغائها، أو تحويلها إلى مجرد منظمة إغاثة إنسانية عربية محدودة وغير دولية، أو في أحسن الأحوال دمجها أو استبدالها بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR بصفة عامة، وإسقاط الخصوصية الفلسطينية من خلال إعادة تعريف اللاجئ بما يتناسب مع سحب صفة لاجئ من أبناء اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم.

من المعروف أن الأونروا أُنشئت متزامنة مع قرار الجمعية العامة رقم 194 الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها في عام 1948. وباعتبارها وكالة موقتة ريثما يُنفّذ هذا القرار، فإنها مكلّفة، برعاية دولية، بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في البلدان والمناطق العربية التي لجؤوا إليها (الأردن، ولبنان، وسورية، والضفة الغربية، وقطاع غزة). طبعًا، هذا لا يعني أن القضية الفلسطينية وحقوق أبنائها مرتبطة بوجود الأونروا، بل باعتبارها "شاهدًا" دوليًا و"رمزيًا" على هذه القضية، إضافة إلى ما تقدمه من خدمات إلى أبناء المخيمات؛ إذ تقع نسبة كبرى منهم تحت خط الفقر في بعض دول اللجوء، حيث يُحرمون من أبسط الحقوق الإنسانية في العمل والطبابة والسكن، كما هو حاصل معهم في لبنان مثلًا.

بدأت هذه الهجمة الأميركية - الصهيونية على الأونروا مع شيوع الحديث عن "صفقة القرن" لحل القضية الفلسطينية في عام 2018. وكانت أولى خطواتها من خلال وقف الولايات المتحدة الأميركية مساعداتها (تقدّر بـ 300 مليون دولار) إلى الوكالة، بحجة فساد بعض موظّفيها. وزادت هذه الهجمة بعدما ضغطت الولايات المتحدة على بعض الدول الأوروبية للتوقف عن دفع مساعداتها أيضًا؛ ما أثار ردة فعل فلسطينية وعربية ودولية، مستنكرة ورافضة، وخائفة، فهناك من يعتبر وجود الأونروا ضمانة لعدم التوطين.

يثير هذا الواقع المستجد في مسار الأونروا مجموعة من الأسئلة الإشكالية:

  1. ما دور الأونروا وأهميتها السياسية والخدماتية بالنسبة إلى الفلسطينيين وقضيتهم؟
  2. إلى أي حد تعتبر الأونروا محميةً بالقرارات الدولية؟ ومن ثمّ هل يحق للولايات المتحدة، بمفردها، إلغاؤها أو تحويلها عن أهدافها، وإسقاط صفة اللاجئ عن ملايين الفلسطينيين؟
  3. ما موقف الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والدول العربية المشاركة في صفقة القرن والرافضة لها، على السواء، وموقف الدول الغربية من أزمة الأونروا اليوم؟
  4. لماذا سكتت إسرائيل والولايات المتحدة عن الأونروا طوال نحو سبعين عامًا، وأثارتها اليوم؟

سنحاول إيجاد أجوبة عن هذه الأسئلة وغيرها في هذه الدراسة، من خلال منهج تاريخي تحليلي يتتبع نشأة الأونروا ودورها وخدماتها، وتحليل الموقف الأميركي - الصهيوني منها، واستشراف مستقبلها.