العنوان هنا
دراسات 10 فبراير ، 2011

العرب وجنوب السودان: بين السلبية والغياب

الكلمات المفتاحية

عبد الوهاب الأفندي

رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية. شغل سابقًا منصب عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية (2017-2020)، ورئيس برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية (2015-2017) في المعهد. أسس في عام 1998 برنامج الإسلام والديمقراطية في مركز دراسات الديمقراطية في جامعة وستمنستر بلندن، وعمل منسقًا له حتى عام 2015. عمل قبل ذلك طيارًا، وتولى مواقع دبلوماسية وصحافية في بريطانيا.

التحق أستاذًا/ باحثًا زائرًا في معهد كريستيان ميكلسن في بيرغن في النرويج (1995، 2003)، وجامعة نورثويسترن بشيكاغو (2002)، وجامعتي أكسفورد (1990) وكامبريدج (2010-2012)، والمعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية بماليزيا (2008). حاضر في العديد من الجامعات في خمس قارات، بما في ذلك معظم الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة وبريطانيا.

من آخر مؤلفاته: المثقف العربي والأمراض العربية: تأملات في المحنة المعاصرة (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2022)؛ ما بعد الثورات العربية: إعادة الاتزان إلى نظرية الانتقال الديمقراطي (بالإنجليزية، محرر بالاشتراك مع خليل العناني، عن دار نشر جامعة إدنبرة، 2021. والترجمة العربية قيد الإصدار عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)؛

Genocidal Nightmares: Narratives of Insecurity and the Logic of Mass Atrocities (Bloomsbury, 2015); After the Arab Revolutions: Decentring Democratic Transition Theory , co-edited with Khalil Al Anani (Edinburgh University Press, 2021). 


 تم تصوير الصراع الذي دار في جنوب السودان في معظم الأدبيات وملخصات الأخبار على أنه "صراع بين الشمال العربي المسلم والجنوب الافريقي المسيحي". ولا نحتاج إلى القول إن هذا التصوير كان دائماً من قبيل التبسيط المخل. ولكن، إذا أردنا أن نلخص الدور العربي في أزمة جنوب السودان فيمكننا القول إن العرب كانوا في الغالب الأعم في حالة غياب تام عن الساحة. أما في الحالات النادرة التي كان للعرب فيها حضور، فإن هذا الحضور كان سلبياً في مجمله.

مقدمة

البداية كانت في مصر، ومن هناك بدأت المشاكل ولم تنته حتى اليوم. كانت مصر هي الشريك الإسمي في استعمار السودان، وباسمها سُيِّر جيش مصري بقيادة كتشنر، "سردار الجيش المصري" كما كان يلقب آنذاك، لاستعادة السودان إلى سلطان مصر بعد أن انتزعته الثورة المهدية من قبضتها في عام 1885. ولكن هبة مصر التحررية في ثورة 1919 أعادت صوغ العلاقة في وادي النيل، إذ ألهمت تلك الانتفاضة النخبة السودانية الطامحة للتحرر، فرفعت شعار وحدة وادي النيل بالتوازي مع شعار التحرر من الاستعمار. ولكن هذا الأمر بدوره خلق انقساماً بين النخبة الحديثة من جهة، والنخبة التقليدية من رجال القبائل وزعماء الطوائف الدينية من جهة أخرى. فقد كانت النخبة التقليدية ما تزال تتذكر، بمرارة، تجربتها مع قسوة الحكم المصري منذ أن غزا محمد علي السودان في عام 1821 وحتى انتصار الثورة المهدية في عام 1885، إضافة إلى أنها كانت تتوجس من تطلعات النخبة الحديثة التي نازعتها القيادة. 

الطريف هو أن السلطات الاستعمارية البريطانية انحازت إلى النخبة التقليدية، عندما استشعرت وإياها الخطر المشترك الذي مثلته النخبة الحديثة وتقاربها مع مصر، فأوعزت إلى أنصارها رفع شعار "السودان للسودانيين" كنقيض لشعار وحدة وادي النيل. ولعل هذه أول مرة في التاريخ تتبنى فيها سلطة استعمارية شعار الدعوة إلى الاستقلال، وأول مرة تعتبر فيها الحركة الوطنية هذا الشعار الاستقلالي مرادفاً للخيانة الوطنية. وقد تعمق الانشقاق في أوساط النخبة السودانية مع فشل ثورة 1924 التي تفجرت في صورة انتفاضة شعبية لم تلبث أن تشارك فيها قطاعات من الجيش، وترسخت بعدها عدم ثقة السلطة الاستعمارية البريطانية في النخبة التي كانت إلى حد ما صنيعة المؤسسات التي أنشأها الاستعمار.(1)

على الرغم من هذا كله، وعلى الرغم من خيبة الأمل في النخبة المصرية ومواقفها، فإن التيار الداعم لوحدة وادي النيل ظل في صعود حتى اكتسح أول انتخابات وطنية في عام 1953. ولكن حلم الوحدة مع مصر واجه عقبات كثيرة، بسبب تعقيدات الوضع السوداني من جهة، وتعقيدات الوضع في مصر من جهة أخرى. ففي السودان وقف الجنوبيون بقوة ضد وحدة وادي النيل، وأيدوا الاستقلال. وقد جاء هذا الموقف بسبب التخوف من أن تقوّي الوحدة مع مصر تيار التعريب، وبسبب النفوذ البريطاني في الجنوب أيضاً. إضافة إلى ذلك فإن معارضة الحركة الاستقلالية بقيادة حزب الأمة لمشروع الوحدة مع مصر اتخذت منحى مقلقاً حينما تفجرت أحداث عنف عند زيارة الرئيس المصري محمد نجيب السودان في آذار/مارس 1954. وقد تعمق شعور لدى قادة الحركة الاتحادية بأن الوحدة مع مصر قد لا تتحقق إلى على حساب السلم الأهلي في السودان.(2)

الوضع في مصر تعقد أيضاً بعد الثورة وصراعاتها، حيث كان لإبعاد محمد نجيب والصراع مع الإخوان أثر سلبي في تطلعات الوحدة مع مصر. وقد استثمر الاستقلاليون هذه التطورات للتخويف من الدخول في وحدة مع بلد وقع تحت حكم عسكري غير مستقر، الأمر الذي يهدد الحريات الديمقراطية التي كان يتمتع بها السودانيون آنذاك.(3) ولكن ردة الفعل الرسمية المصرية كانت حادة، حيث شنت الصحف المصرية حملات عنيفة على رئيس الوزراء السوداني اسماعيل الأزهري، وتمت معاملته معاملة غير كريمة حين زار مصر لحضور احتفالات الثورة عام 1953، حتى أن الرئيس عبد الناصر رفض مصافحته.(4)

وقد اتخذت السياسة المصرية والتي كان يتولى إدراتها في تلك الحقبة الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة، منحىً عدائياً تجاه حكومة الأزهري، وقد تمثل ذلك في تأليب بعض عناصر الحزب ضده من جهة، وفي تكثيف الدعاية في الجنوب لمصلحة الوحدة من جهة أخرى. وقد أدى شق الحزب إلى إسقاط حكومة الأزهري بعد ستة أشهر من إعلان الاستقلال بالإجماع عبر البرلمان (وليس عبر استفتاء كما نصت اتفاقية الحكم الذاتي). لكن الحكومة الجديدة التي تزعمها عبدالله خليل عن حزب الأمة في ائتلاف مع الجناح المنشق من الحزب الوطني الاتحادي (تسمى بحزب الشعب الديمقراطي وحظي بدعم طائفة الختمية) كانت موالية لبريطانيا وأبعد عن مصر من سابقتها. ومع تدهور الأوضاع في الجنوب، لام كثير من السياسيين السودانيين الدعاية المصرية في الجنوب على تدهور الأوضاع هناك، واعتبروا أن هذه الدعاية ساهمت في تفجر الأوضاع في الإقليم. وقد عزا بعض أنصار الأزهري ظهور برقية مزيفة باسم الرئيس الأزهري تدعو الإداريين في الجنوب إلى معاملة الجنوبيين بقسوة، إلى المخابرات المصرية، ولكن من دون تقديم أدلة على ذلك الاتهام.(5)

والمعروف أن التمرد تفجر واستمر في التفاعل لأسباب داخلية تتعلق بالمعالجات الخاطئة لأوضاع الجنوب، ولكن الثابت كذلك أن لا الدول العربية ولا الجامعة العربية قدمت في السنوات الأولى أي مبادرة لمعالجة التمرد سلماً، أو أي دعم ذي بال للحكومة في المجال العسكري. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ان الحكومة السودانية ظلت، في تلك الفترة، تعامل الوضع في الجنوب على أنه قضية داخلية، كما أن حكومات ما قبل 1969 كانت لها علاقات طيبة بالغرب، وتمتعت بالدعم الاقتصادي والعسكري من أوروبا والولايات المتحدة، في الوقت الذي كانت علاقاتها بالمعسكر الشرقي طيبة. وفوق ذلك فإن الدول العربية لم تكن في ذلك الوقت في وضع يسمح لها بتقديم دعم ذي شأن من أي نوع، بسبب إمكاناتها المحدودة ومشكلاتها الداخلية والخارجية. غير أن العامل العربي كان له شأن غير مباشر في إذكاء الصراع عبر مسارين. فمن جهة قدمت دول عربية عديدة الدعم للثورة الاريترية التي تفجرت في عام 1961، كما دعمتها قوى سياسية سودانية من منطلق عروبي. وهذا الأمر جعل إثيوبيا تبادر إلى تقديم الدعم لحركة التمرد في الجنوب. وكانت هناك دوافع أخرى للدول الإفريقية المجاورة، وخاصة أوغندا والكونغو كنشاسا (زائير فيما بعد) كي تقديم الدعم للتمرد الذي كان يُصِّور على أنه دعم للأشقاء الأفارقة ضد القمع العربي، ودعم للمسيحية ضد الاضطهاد الإسلامي. وقد تدخلت الكنائس بقوة كذلك في الصراع، وخاصة بعد قرارات حكومة الفريق ابراهيم عبود بطرد المنظمات التبشيرية والقسس الأجانب من الجنوب في عام 1962. من هذا المنطلق أصبح كثير من الأفارقة يتعامل مع قضية الجنوب باعتبارها "فلسطين افريقيا".

لكن الدعم الافريقي اقتصر، في تلك الحقبة، على إيواء النازحين وتقديم الدعم السياسي والمعنوي للحركات السياسية الناطقة باسم الجنوبيين، إذ لم تكن لدى تلك الدول (فيما عدا اثيوبيا) موارد تكفي لتقديم دعم ذي بال. ولكن الأمر تغير بعد دخول إسرائيل على الخط لدعم التمرد وزعزعة استقرار دولة تعتبرها العمق الاستراتيجي لخصمها الأول مصر. وكانت هذه هي الناحية الثانية التي كان للعامل العربي شأنً غير مباشر في تأجيج الصراع، إذ كان الدعم الإسرائيلي حاسماً في تغلب الجناح الذي يقوده الضابط جوزيف لاغو على بقية الفصائل، وتحول حركة "انيانيا" التي كان يقودها إلى الحركة المهيمنة هناك.(6) وكان أحد الكوادر الذين ابتعثهم لاغو للتدرب في إسرائيل شاب يدعى جون قرنق، الذي تدرب ثم عاد برتبة ضابط، فوصل قبل أشهر من توقيع اتفاقية السلام عام 1972، وبناء عليه لم يشارك بفاعلية في القتال.(7) 

العرب واتفاقية أديس أبابا

تم غياب العرب عن دعم الجهد الحربي للسودان قابله غياب مماثل عن الجهد في سبيل السلام التي رعاه في مطلع السبعينات كل من مجلس الكنائس العالمي والامبراطور هيلاسيلاسي الذي استضافت عاصمته أديس أبابا المفاوضات.(8) ولكن العرب ظهروا بقوة بعد توقيع الاتفاق كمؤثر سلبي. فقد جاء اتفاق عام 1972 بعد الانقلاب اليساري الفاشل ضد النميري في تموز/يوليو 1971، الأمر الذي ساهم في تحول النظام نحو الغرب والدول العربية المحافظة. وقد كان هذا بدوره عاملاً في تسهيل اتفاق السلام. ولكن الاتفاق، والتحول الذي صاحبه، خلق توترات في داخل النظام ومع حلفائه في مصر وسورية وليبيا، خاصة بعد أن انسحب السودان من مشاريع الوحدة التي كان الشركاء الآخرون، وعلى رأسهم ليبيا، يحثون عليها. فقد تحفظ الجنوبيون عن أي مشاريع للوحدة العربية. وأدى هذا إلى استقالة أو إقالة بعض وزراء الحكومة العروبيين، وتدهور العلاقات مع ليبيا. وقد كانت هذه هي الفترة التي طالب فيها العقيد القذافي لأول مرة بفصل الجنوب في أثناء زيارة له إلى مدينة واو إذا كان استمرار وحدة السودان يعوق الوحدة العربية.

وكنتيجة لهذه التوترات، تحولت قاعدة المعارضة السودانية لنظام النميري من اثيوبيا والسعودية حيث استضيفت في أثناء حقبة النظام اليسارية، إلى ليبيا حيث تمت عسكرة المعارضة وتدريب عناصرها وتسليحهم والتحضير للمحاولة الانقلابية التي وقعت في تموز/يوليو 1976 ولكنها فشلت. وأدى هذا لأمر بدوره إلى دخول الصراع بين ليبيا والسودان إلى مراحل جديدة من التصعيد، على الرغم من نجاح صفقة "المصالحة الوطنية" في سنة 1977، بين الحكومة السودانية والمعارضة (بوساطة رجال أعمال سعوديين وسودانيين) وعودة المعارضين من ليبيا. ولكن الصراع مع ليبيا تعقد وتصاعد، خاصة بعد اصطفاف نظام النميري مع مصر عقب اتفاقات كامب دايفيد عام 1978، وموالاته الكاملة للولايات المتحدة والمعسكر الغربي، في مقابل انحياز ليبيا للمعسكر الشرقي. وقد أدى ذلك كله إلى دخول هذه الأطراف في لعبة الحرب الباردة وتحالفاتها المعقدة. 

نتج عن هذه الاصطفافات والتحالفات قيام السودان باستضافة عناصرمن المعارضة الليبية المدعومة من أميركا بالمشاركة مع دولة تشاد التي استضافت بدورها العناصر المسلحة لتلك المعارضة. ثم تطور ذلك إلى انغماس الطرفين في الحرب الأهلية في تشاد، حيث دعمت ليبيا حكومة غوكوني عويدي بينما انحاز السودان ومعه مصر إلى حركة المعارضة بقيادة حسين حبري المدعوم من أميركا وفرنسا خلال الأعوام 1981-1985. وقد بذر هذا الاصطفاف بذور تفجر أزمة دارفور التي ما تزال البلاد تعاني تداعياتها.

من جهة أخرى ظهر في تلك الحقبة اصطفاف آخر بين حكومات ليبيا واثيوبيا واليمن الجنوبي عرف بمحور طرابلس-أديس أبابا-عدن. وقد كان السودان هو العدو المشترك لدولتين على الأقل من دول هذا المحور، خاصة أن أديس أبابا ظلت تتهم السودان بدعم المعارضة المسلحة في اريتريا والتيغراي ومناطق أخرى. وكان السودان في تحالف كذلك مع الصومال الذي كان يدعم المعارضة في جنوب اثيوبيا.

العرب وعودة التمرد عام 1983

كان لهذه المواجهة دور حاسم في المسار الذي اتخذه التمرد الذي اندلع في أيار/مايو 1983، والذي سرعان ما تطور من تمرد عسكري محدود إلى ثورة شاملة تدعو ليس إلى استقلال الجنوب فحسب، بل إلى إعادة صوغ السودان ككل أيضاً. ويعود هذا أولاً إلى احتضان إثيوبيا حركة التمرد التي عرفت فيما بعد بالحركة الشعبية لتحرير السودان، وذلك على حساب الحركات الانفصالية المنافسة، وعلى رأسها حركة "أنيانيا 2"،. وإلى ان إثيوبيا تواجه بدورها حركات انفصالية في التيغراي واريتريا والاوغادين، ولم يكن في مصلحتها أن تدعم حركة انفصالية في دولة مجاورة. ولهذا أصرت اثيوبيا على تبني الحركة شعارات وحدوية، وعلى أن تقوم بتصفية الحركات الانفصالية المنافسة، وهو ما تم بالفعل. وكنتيجة لذلك تبنت الحركة الشعبية برنامجاً يساري التوجه بقيادة العقيد جون قرنق الذي وقع اختيار إثيوبيا عليه كزعيم للحركة الجديدة.(9) 

ولكن العامل الحاسم في صعود الحركة الشعبية وانتصارها على خصومها كان التمويل الليبي السخي الذي مكنها من تسليح نفسها وتمويل عملياتها العسكرية والسياسية. ولعلها مفارقة كبرى أن تكون إسرائيل قد لعبت الدور الحاسم في دعم الحركة الانفصالية في الستينيات وتمكين حركة "أنيانيا" الانفصالية من الصعود والهيمنة على الساحة العسكرية، ثم تأتي ليبيا، أكثر الدول العربية راديكالية، لتلعب دوراً مماثلاً في الثمانينيات. 

لم يمكن الدعم الليبي السخي والعاجل الحركة الشعبية من الانتصار على خصومها فحسب، بل منحها القدرة على تحقيق سلسلة من الانتصارات على الجيش السوداني الذي كان يعاني ضعف التمويل والتسليح ونقص الإمدادات، ويجد صعوبة كبيرة في الحفاظ على مواقعه المعزولة والمتباعدة. وقد تعمقت الأزمة لأن عدداً متزايداً من ضباط الجيش وجنوده الجنوبيين كانوا ينحازون بنسب متزايدة إلى حركة التمرد. وفي أحيان كثيرة لم تكن حركة التمرد تحتاج إلى مهاجمة المواقع الحكومية للاستيلاء عليها، بل كان الضباط الجنوبيون في الحاميات الحكومية يتمردون ويقومون باعتقال أو قتل زملائهم الشماليين أو قتلهم، ثم إعلان الانضمام إلى حركة التمرد.

وكان السودان يواجه في تلك الحقبة أزمات اقتصادية متلاحقة بدأت منذ منتصف السبعينيات تحت تأثير الطفرة النفطية، وبسبب تخبط السياسات الاقتصادية التي بدأت بسياسات اشتراكية راديكالية في مطلع السبعينيات ثم عادت إلى الاتجاه الرأسمالي خلال أقل من عامين. وكنتيجة لذلك زاد اعتماد البلاد على المعونات الأجنبية، حيث أصبح السودان هو الدول التي تحصل على أكبر قدر من الدعم الأمريكي من بين دول افريقيا جنوب الصحراء، كما كان يعتمد كذلك على دعم بعض الدول العربية الخليجية. ومع اشتعال الحرب في الجنوب وإعلان النميري سن تشريعات إسلامية، تقلص الدعم بصورة كبيرة من تلك المصادر كوسيلة ضغط على النظام. وكان هذا عاملاً مباشراً في الاحتجاجات التي تفجرت في آذار/مارس 1985 وأدت إلى سقوط نظام النميري في الشهر التالي. 

لكن الحركة الشعبية لم تعترف بالنظام الجديد ولا بحكومة الصادق المهدي التي وصلت إلى الحكم بعد انتخابات عام 1986، بل واصلت حربها بلا هوادة على الجيش السوداني في وقت لم تكن فيه الحكومة تواجه أزمة مالية فحسب، بل حظراً على توريد السلاح من معظم الدول الغربية ايضاً. وفي هذه الأحوال، كانت الحكومة تعتمد، لتجنب الانهيار الكامل، على دعم مباشر من الأسلحة والذخائر والمشتقات النفطية من دول عربية من بينها بعض دول الخليج والعراق والأردن وليبيا(10) (وهي مفارقة لها دلالاتها، حيث أن ليبيا أعلنت بعد سقوط النميري مباشرة إيقاف الدعم للحركة الشعبية وتقديم الدعم للحكومة السودانية). 

هذا الاعتماد المتزايد على المحيط العربي خلق تعقيدات داخلية وخارجية متلازمة، لأن القادة العرب كانت لديهم مشكلتان مع السودان، الأولى هي أن السودان يريد أن يكون النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة في وقت كانت فيه الدول العربية تقاوم الضغوط المحلية والخارجية للتحول نحو الديمقراطية. وكان الرأي السائد هو أن نجاح التجربة الديمقراطية في السودان قد يصبح "معدياً" ويضر باستقرار الأنظمة الأوتوقراطية القائمة. وإذا لم يكن هذا كافياً فقد شهد السودان صعود الحركة الإسلامية فيه، وهو وضع ازداد تعقيداً مع إعلان النميري تبني الدولة التشريعات الإسلامية وتحولها إلى مجال تنازع بين القوى السياسية المختلفة. فمن جهة كانت حركة التمرد تصر على إلغاء التشريعات الإسلامية واتفاقات الدفاع المشترك مع مصر وليبيا كأحد أهم شروط وقف إطلاق النار، وتؤيدها في هذا غالبية القوى السياسية. ولكن الإسلاميين نجحوا في تعبئة الشارع ضد إلغاء القوانين، ما أدى إلى جمود الأوضاع. وكانت الأنظمة العربية ترى في صعود الحركة الإسلامية والتعبئة حول الشريعة الإسلامية مهدداً آخر من مهددات الاستقرار في المنطقة. 

تفاعلت هذه المواقف وترجمت في ضغوط متعددة الاتجاهات على حكومة الصادق المهدي، كان من مظاهرها تقليص المعونات الغربية، حتى أن السودان صار يدفع للولايات المتحدة أقساط الديون وفوائدها أكثر مما كان يتلقى منها من معونات.(11) وبالقدر نفسه تقلصت الإمدادات العسكرية والنفطية بحيث ما عاد مخزون الجيش من الذخيرة عند سقوط حكومة الصادق المهدي في حزيران/يونيو 1989 يكفي لمعركة واحدة. وقد اتخذت الضغوط طابعاً مباشراً عندما قام وزير الدفاع آنذاك الفريق عبدالماجد حامد خليل بجولة في مطلع عام 1989 أربع دول عربية طلباً لدعم عاجل، وعاد خالي الوفاض بعد أن أحجم الداعمون عن تقديم معونات لحكومة احتلت الجبهة الإسلامية القومية فيها موقعاً متنفذاً. عند ذلك قدم خليل استقالته، واستفز الوضع الجيش الذي قدم في شباط/ فبراير 1989 مذكرة حادة اللهجة للحكومة طالبها فيها بأن تحسم خيارها: إما اتخاذ خطوات جادة لتحقيق السلام، أو تزويد الجيش بما يلزم لمواصلة الحرب. (12) 

بعد تردد طويل، انحاز المهدي إلى الخيار الأول، وتعهد تنفيذ الاتفاق الذي كان شريكه السابق في الاتفاق محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي عقده مع العقيد جون قرنق في أديس أبابا في تشرين الثاني/نوفمبر 1988، وشمل اتخاذ خطوات لوقف إطلاق نار لقاء إلغاء معاهدات الدفاع المشترك مع مصر وليبيا، وتجميد تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وعقد مؤتمر دستوري لمناقشة مستقبل البلاد السياسي. ولكن الجبهة القومية الإسلامية، رفضت هذا التوجه وامتنعت عن الانضمام إلى الحكومة التي جرى تأليفها على هذا الأساس، ثم قامت في حزيران/يونيو 1989 بالانقلاب على الحكومة وإلغاء ذلك الاتفاق.

عهد الإنقاذ وذيول حرب الخليج

رحبت الأوساط العربية، وخاصة مصر والسعودية، بالانقلاب الجديد، خاصة أن مخابرات تلك الدول كانت تخطط لانقلاب كهذا ينقذها من شرور الديمقراطية وخطر الإسلاميين معاً. ولكن هذه الأوساط نفسها صدمت صدمة عميقة حين علمت أنها استجارت من الرمضاء بالنار، وأن الإسلاميين هم الذين استولوا على السلطة منفردين لأول مرة في دولة عربية، بعد أن كانوا مجرد شركاء ثانويين في الحكم، فبدأت هذه الدول تتحفظ عن النظام الجديد. وتزامن قيام النظام العسكري الجديد الذي سمي نفسه "ثورة الإنقاذ الوطني" مع تحولات دولية مزلزلة، أبرزها انهيار المعسكر الشرقي والزلزال الذي ضرب النظام العربي مع غزو العراق للكويت، ودخول القوات الأجنبية بكثافة إلى قلب المنطقة العربية، ثم اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية وبدء عهد الهرولة العربية باتجاه إسرائيل. 

كان النظام السوداني الجديد يسبح عكس التيار مع هذه التطورات كلها، بعيداً عن الديمقراطية الليبرالية التي أصبحت العقيدة السائدة مع "نهاية التاريخ" بحسب فرانسيس فوكوياما، كما عارض التدخل الأميركي في حرب الكويت، وسعى لإسقاط الأنظمة المدعومة غربياً أو المسكوت عليها في تشاد واثيوبيا، كما عارض التدخل الأميركي في الصومال. وفي الوقت نفسه اتُهم النظام بإيواء معارضين إسلاميين لحكومات مصر والجزائر والسعودية (أبرزهم أسامة بن لادن) والسعي لزعزعة استقرار المنطقة.

وإذا كانت سياسة النظام تغيرت باتجاه الراديكالية فإن أوضاعه الاقتصادية واحتياجه للدعم من الخارج لم يتغير، بل زاد بعد أن قطعت المعونات الغربية وتضاءلت المعونات العربية ثم انقطعت بعد موقف السودان في حرب الخليج. وكان النظام العراقي هو الوحيد الذي استمر في تقديم الدعم العسكري للسودان بعد انقلاب عام 1989، بينما قدمت بعض الدول الخليجية دعماً اقتصادياً متواضعاً. وقد انقطع دعم العراق بعد الحصار الذي بدأ في آب/أغسطس 1990، بينما أوقفت الدول الخليجية الأخرى كل دعم. حتى إن الحكومة السودانية اتهمت السعودية والكويت فيما بعد بتقديم أسلحة ودعم مالي لحركة التمرد الجنوبية، وهو اتهام لم تقدم عليه دلائل، ولكنه يشير إلى مدى التدهور الذي بلغته العلاقات. وبينما تلقت الحكومة دعماً محدوداً من ليبيا ودعماً أقل من إيران، إلا أن مصدر الدعم الأساس لها كان الصين التي أصبحت مصدر التسليح الأول ومصدرمعظم الاستثمارات الأجنبية. 

زادت الأمور تعقيداً حين اتهم النظام السوداني بإيواء المجموعة التي حاولت اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا في حزيران/يونيو1995، فتدهورت العلاقات بشدة مع مصر، وتحولت المخابرات المصرية إلى دعم المعارضة المسلحة للنظام بعد أن كانت تكتفي بدعم المعارضة السياسية. ولكن الموقف المصري هذا تحول إلى ما يشبه الحياد في منتصف عام 1997، بعد أن أوشك تصعيد المعارضة المسلحة بدعم مباشر من دول الجوار الافريقي (أوغندا واثيوبيا واريتريا) والدعم غير المباشر من واشنطن، أن يؤدي إلى إسقاط النظام. فقد أدركت مصر أن إسقاط النظام تحت هذه الظروف قد يعني الفقدان الكامل لنفوذ مصر في السودان لمصلحة الدول المجاورة. وقد تحول هذا الحياد إلى دعم إيجابي بعد الإنشقاق الذي أطاح الشيخ حسن الترابي الذي كان يرأس البرلمان والحزب الحاكم آنذاك. وقد كان هذا التحول إيذاناً بزوال التوتر الذي ساد علاقات السودان بالدول العربية الأهم. 

العرب والسلام

تزامنت عودة المياه إلى مجاريها في العلاقات العربية السودانية بدءاً من مطلع العام 2000 مع تحسن نسبي في العلاقات السودانية الأميركية، حيث شهد مطلع العام 2000 بداية تعاون استخباري سوداني- أميركي جاد. وقد اطرد ذلك التحسن مع وصول الرئيس جورج بوش الابن إلى الحكم في نهاية ذلك العام. والمفارقة هي أن هذا التعاون تطور ولم يتراجع بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، حيث شهد ذلك الشهر إسقاط العقوبات التي كان مجلس الأمن قد فرضها على البلاد في عام 1996 على خلفية عدم تسليم المطلوبين في محاولة اغتيال الرئيس مبارك، كما شهد الشهر نفسه تعيين السناتور جون دانفورث مبعوثاً للرئيس بوش إلى السودان، حيث ساهم بفاعلية في جهد السلام ونجح في أول اختراق كبير حين توسط لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة جبال النوبة. 

شهدت تلك الفترة كذلك تحول السودان إلى دولة مصدرة للنفط مع نهاية 1999، ما عادت البلاد في حاجة ملحة للدعم العربي لمجهودها الحربي. ولكنها كانت تحتاج إلى دعماً عربياً لجهود السلام، وهو دعم لم يتحقق. وكانت جهود السلام قد انطلقت منذ اندلاع الحرب، وكان أول من حاول التوسط رجل الأعمال البريطاني تايني رولاند في أواخر عهد النميري. خلال فترة الحكم الانتقالي وحكومة الصادق المهدي كانت الحركة الشعبية ترفض بإصرار التفاوض مع الحكومات، ولكنها دخلت في مفاوضات مباشرة مع القوى السياسية. إلا أن الحركة قبلت لأول مرة التفاوض مع حكومة الإنقاذ في آب/أغسطس 1989 في أديس أبابا بغير وساطة، ثم في نيروبي في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، بوساطة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. وفي عام 1991 عرض الرئيس النيجيري ابراهيم بابانغيدا (رئيس منظمة الوحدة الافريقية في ذلك الوقت) وساطته وقبلها الطرفان، فعُقدت جولتا مفاوضات في أبوجا في أيار/مايو 1992 وفي أيار/مايو 1993من دون نتيجة حاسمة. ومع نهاية عام 1993 تولت الوساطة المنظمة الحكومية للجفاف والتنمية (تعرف اختصاراً بـِ "الإيغاد" و تتكون من السودان واثيوبيا وكينيا وأوغندا واريتريا والصومال وجيبوتي)، وظل الأمر كذلك حتى تم إبرام اتفاق السلام في كينيا عام 2005.

كان للدول الغربية الأبرز شأن مهم في هذه العملية،حيث كان لدبلوماسيي تلك الدول، خاصة الولايات المتحدة والنرويج وبريطانيا وإيطاليا، حضوراً قوياً في مفاوضات السلام وكانت تتولى تمويلها. وفي عام 1994 تم إنشاء مجموعة باسم "أصدقاء الإيغاد" بقيادة هولندا وعضوية الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والنرويج وإيطاليا.وفي عام 1996 غيرت المجموعة اسمها إلى "منبر شركاء الإيغاد" وتوسعت لتضم عشرين دولة بينها روسيا، بينما كانت مصر البلد العربي الوحيد فيها.(13) 

إن الحضور الباهت للعرب كان الطابع في التعامل مع قضية دارفور، لقاء التعامل الإيجابي المتقدم للاتحاد الافريقي الذي سارع منذ عام 2004 إلى تبني مبادرات وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام ثم إرسال قوات حفظ السلام. الاستثناء كان قطر التي تحركت في عام 2008 لتتبنى مفاوضات السلام، ولكن حتى في هذا الأمر ومع أن قطر حرصت على أن تكون مبادرتها باسم جامعة الدول العربية حتى لا تتكرر إشكالات مبادرة لبنان، ما يزال التنافس العربي أحد أهم المعوقات التي تواجه هذه المبادرة، حيث قامت مصر وليبيا باحتضان الحركات الرافضة لمسار الدوحة، وسعت لعرض نفسها كبديل لسبب وحيد هو رفضها أن ينُسب الفضل إلى الدوحة في تحقيق السلام في دارفور. 

سعى العرب عقب اتفاقية تيفاشا للمساهمة في جهود إعمار الجنوب، وشاركت بعض الدول العربية في اجتماعات المانحين. وكانت الكويت سباقة في جهود التنمية في الجنوب، ابتداء من اتفاقية أديس أبابا سنة 1972، فسارعت بعد الاتفاقية الأخيرة في تدشين بعض المشاريع التنموية في الجنوب. وهذه تحديداً كان يمكن أن يكون دورالعرب حاسماً فيها، لأن تحدي الحفاظ على وحدة السودان كان يعتمد على قيام مشاريع تنموية ذات عائد ملموس خلال الفترة الانتقالية، خاصة المشاريع التي تربط شمال السودان وجنوبه بالطرق والمطارات والسكك الحديدية والنقل النهري. ولكن العمل في هذا المجال تعثر ما عطل دور "مردود السلام" وثماره الملموسة. وقد كان السبب هو إحجام الدول المانحة عن الوفاء بوعودها في مؤتمر أوسلو عام 2005، وذلك لتحفظاتها عن أزمة دارفور واستمرار الحظر الذي فرضته بعض الدول على السودان. وفي هذا المقام كان على الدول العربية التدخل بقوة لسد الفجوة التي نتجت عن هذا الإحجام، لأن للدول العربية مصلحة راجحة في الحفاظ على وحدة السودان واستقراره. وإذا كانت هناك أعذار للتلكؤ في المساهمة في جهود إحلال السلام، فإن أضعف الإيمان كان الحفاظ على السلام الذي تحقق بجهود الآخرين. 

خاتمة: حضور كالغياب أو أسوأ 

يظهر، مما سبق، بوضوح أن الدور العربي في التعامل مع أزمة الجنوب كان في الغالب الأعم يتلخص في غياب شبه تام عن الساحة. أما في اللحظات النادرة التي كان هناك حضور عربي، مثل مصر في فترة ما قبل الاستقلال وليبيا في السبعينيات والثمانينيات وتحالف الكويت ومصر في التسعينات، فإن الدور كان سلبياً، وساهم في تأجيج الصراع وتعميق الأزمة. وفي هذا المجال تغلب التوجه قصير النظر لتصفية الحسابات مع أنظمة الحكم في الخرطوم على التفكير الاستراتيجي الذي يراعي المصلحة العربية الأكبر، وليس في هذا جديد. 

عندما تأتي التحركات العربية الإيجابية، مثل القمة التي عقدت في الخرطوم بين مصر وليبيا والسودان (في حضور الرئيس الموريتاني) في النصف الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2010، فإنها تأتي متأخرة، حيث لم يكن قد بقي للاستفتاء في الجنوب إلا أسبوعين، بينما اتضح للجميع أن الجنوبيين قد حسموا أمرهم نحو خيار الانفصال. والأمر نفسه يمكن أن يقال عن الجهود التنموية التي بذلتها الكويت ودول عربية أخرى، فقد جاءت متأخرة وعلى مستوى أقل بكثيرمن المطلوب. 

وإذا كانت هناك دروس مستفادة من التعامل العربي مع أزمة الجنوب، فإنها تؤكد ضرورة تعميق الوعي المبكر بالأبعاد المعقدة للأزمات التي تواجه الدول العربية، والتعامل العقلاني بعيد النظر مع هذه الأزمات بدلاً من التعاطي معها من منظور قطري ضيق أو منظور مصلحة نظام الحكم الأضيق. وفي هذا المجال، تحتاج الدول العربية منفردة ومجتمعة (عبر جامعة الدول العربية) إلى إنشاء مراكز دراسات ذات صدقية توفر لصناع القرار المعلومات والبدائل للتعامل مع الأزمة. إضافة إلى ذلك تحتاج الدول العربية إلى تقوية أطر العمل المشترك ومؤسسات جامعة الدول العربية للتعامل مع هذه الأزمات بفاعلية. وفي هذا المجال يمكن لجامعة الدول العربية أن تستفيد من تجارب بعض المنظمات الإقليمة الأخرى مثل الاتحاد الافريقي ومنظمة "الإيغاد" التي طورت مؤسسات للأمن والسلم، وتبنت مبادرات متعددة الأبعاد للتعامل مع أزمات السودان والصومال (وكلاهما عضو في جامعة الدول العربية أيضاً) إضافة إلى دول أخرى في غرب إفريقيا وشرقها وجنوبها.

ما عاد هناك مجال في هذه المرحلة لتجنب تقسيم السودان، لأن الوقت لأي تحرك ذي معنى قد فات لتحقيق هذه الغاية. ولكن التحدي الماثل الآن هو منع تفتت ما بقي من السودان، ومنع تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، وتعرض دولة الجنوب الجديدة للفشل والانهيار. وهذا يتطلب تغييراً جوهرياً في أسلوب العمل العربي المتبع حتى الآن، وبداية تحرك جدي جميع المستويات للتعامل مع ذيول هذه الازمة، وذلك بإنشاء لجنة متابعة تبادر إليها جامعة الدول العربية وتكون بقيادة إحدى الدول العربية القادرة على تخصيص الوقت والجهد والموارد اللازمة لمتابعة أوضاع شطري السودان، والتعامل مع التطورات المتوقعة والطارئة بصورة تفاعلية. 

------------------- 

  • (1) لمزيد من التفصيلات  أنظر: محمد عمر بشير، "تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900-1969" (ترجمة هنري رياض، وليم رياض، الجنيد عمر علي)،  الخرطوم: الدار السودانية للكتب، 1980.
  • (2) محمد عمر بشير، "تاريخ الحركة الوطنية"،  مصدر سبق ذكره، ص 235-237.
  • (3) نوال عبدالعزيز مهدي راضي، "رياح الشمال: دراسة في العلاقات المصرية-السودانية في التاريخ الحديث والمعاصر"، القاهرة: المطبعة التجارية الحديثة، ص 70-73.
  • (4) محمد علي صالح، "وثائق امريكية عن الازهري (20): تمرد الجنوب"، منابر الجالية السودانية الأمريكية"، 23 آب/أغسطس 2008.
    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=444039&PID=6525(وكذلك وثائق أميركية) عن الازهري (19): وامريكا.
  • (5) محمد سعيد محمد الحسن، "الصاغ صلاح سالم والسودان"، الخرطوم: راشد للتسوق، 1987.
  • (6) Tim Niblock, Class and Power in Sudan. Albany, NY: State of New York University Press,1987,
    pp. 23 - 75.                           
  • (7) مقابلة مع الفريق جوزيف لاغو، لندن، يونيو 1987.
  • (8)Abel Alier, Southern Sudan: Too Many Agreements Dishonoured. Reading: Ithaca, 1990.
  • (9) M.W Daly and Ahmad Alawad Sikainga, eds, Civil War in the Sudan. London: British Academic
    Press, 1993, pp. 117-141.
  • (10) Peter Woodward, ed., Sudan after Nimeiri, Abingdon: Routlege, 1991.P. 212.
  • (11) G. Norman Stone, Sudan in Crisis: the Failure of DemocracyI. Gainsville, Fl.: University of Florid
    Press, 1991, pp. 195-197.                                  
  • (12)  حسن الحاج علي أحمد، "الانقلابات العسكرية في السودان: الأسباب والدوافع"، مركز التنوير المعرفي، Tanwir.sd/Arabic/modules/smartsections/item.php?itimid=88وأنظر ذلك في :
  • (13) Abdelwahab El-Affendi, "The Impasses in the IGAD Peace Process for Sudan: The Limits of Regional[1] Peacemaking?" African Affairs 100 (401), 2001, pp. 581-599.