العنوان هنا
دراسات 17 يناير ، 2011

إيران والمقاومة الفلسطينية

الكلمات المفتاحية

فاطمة الصمادي

د.فاطمة الصمادي باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات مختصة بالشأن الإيراني، تحمل درجة الدكتوراه من إيران عن رسالتها حول المضامين النسوية في سينما المرأة الإيرانية. لديها عدد من الكتب والأبحاث المتعلقة بالشأن الإيراني من أبرزها: التيارات السياسية في إيران،(2012) والتقارب الإيراني الأميركي: مستقبل الدور الإيراني( 2014)

معادلة الأيديولوجيا والمصالح 

ملخص البحث:

مع بدء الحملات الإنتخابية لمرشحي الرئاسة الإيرانية عام 2009 كان المشهد الإيراني ينفتح بصورة علنية على نقاش لم تعتده إيران من قبل. وبموازاة المناظرات التي جمعت بين المرشحين الأربعة، كانت مناظرات أخرى تجري في الشوارع وأقطابها، مواطنون أغلبهم من الفئة الشابة يتبادلون الاتهامات ويدافعون عن مرشحيهم بعناد.

 كانت السياسة الخارجية و«دعم المقاومة» محوراً في مناظرات الشوارع تلك، فأمام مبنى الإذاعة التلفزيون الذي شهد المناظرة غير المسبوقة بين نجاد ومير حسين موسوي، كان شباب من أنصار الطرفين يعقدون مناظرة أكثر حدة.

«موسوي سيوقف نهب مال الإيرانيين وإعطائه للآخرين في الخارج، فالمصباح الذي يحتاجه البيت حرام على الجامع» . كان أصحاب فلسفة المصباح الذي يحرم على الجامع _ و هو موقف يدافع عنه كثيرون في إيران اليوم- يعبرون عن وجهة نظر ترى أن مشكلاتهم أولى بالدعم الذي تقدمه الحكومة الإيرانية لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان.

 هذه الجدالات سبقها بأيام شعار كرره مير حسين موسوي و أثار الكثير من النقاش في إيران عندما أكد خلال جولة إنتخابية له أنه «لا يجوز الحديث عن عزة لبنان وفلسطين وتجاهل عزة إيران» في إشارة إلى أن الوفاء بحاجات الشعب الإيراني أولوية تتقدم على غيرها. في مقابل ذلك تقف فئة لايستهان بها جلها من أنصار نجاد مدافعة عن رأي آخر ينبع من موقف الإمام الخميني ترى «لا يمكن النظر إلى نضال الفلسطينيين و اللبنانيين على أنه موضوع خارجي».

حسمت الإنتخابات في إيران و لم يحسم الجدل، و جرى اتهام لحماس و حزب الله بإرسال قوات مدربة قامت بقمع المحتجين في شوارع طهران .تكررت المواجهة في يوم القدس عام 2009، لكنها إتخذت هذه المرة صورة أكثر وضوحا وأشد صدامية و جاء الشعار "لا غزة و لا لبنان روحي فداء إيران" ليردد لأول مرة في إيران بعد أن بقي شعار "الموت لإسرائيل"يتردد لثلاثين عاما. لاقى الشعار انتقادا حادا، ثم ما لبث أن وصفه موسوي نفسه بأنه لم يكن مناسبا، و تبع ذلك مراجعة إصلاحية للشعار ليأتي الشعار المعدل "نعم لغزة، نعم للبنان روحي فداء إيران".

ورغم أن جدل العلاقة بين إيران و حركات المقاومة ليس جديدا، لكنه بلا شك إتخذ أبعادا جديدة في مرحلة "إيران نجاد" فإيران اليوم لا تنكر سعيها الطموح للحصول على إقرار عالمي وإقليمي بشرعية دورها في المنطقة باعتبارها لاعباً رئيساً لايمكن تجاوزه او تجاهله. يأتي ذلك متزامنا مع سعي إيراني لإجهاض المشروع الأمريكي في المنطقة بما في ذلك العملية السلمية ويتخذ ذلك أشكالا عدة أكثرها وضوحا تقديم الدعم لحركات المقاومة في لبنان ممثلة في حزب الله و فلسطين ممثلة في وحماس و الجهاد الإسلامي.

استنادا إلى ماسبق تطرح هذه الورقة مجموعة من الإسئلة على عدد من المحاور في مقدمتها المحور الداخلي الإيراني ، و محور حركات المقاومة.

وبالنسبة للمحور الإيراني: تحاول هذه الورقة رسم خارطة لأطياف الموقف الشعبي في إيران من "قضية فلسطين ودعم المقاومة"، و تقارن ذلك بالخطاب الرسمي، و السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. و تعالج الورقة تفاصيل التجاذب الذي شهدته إيران على هذا الصعيد وأبعاد و تأثيرات طرح التيار المحافظ و التيار الإصلاحي و ما يسمى ب"الحركة الخضراء " من خلال تحليل لمحتوى خطاب من منظري هذه التيارات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، و الأطر المرجعية للثورة و ما تنادي به من "حماية المستضعفين" ومواجهة "الإستكبار " بشكل عام .

في المحور الثاني تبحث هذه الورقة شكل العلاقة مع إيران من وجهة نظر حركات المقاومة نفسها (حزب الله وحماس و الجهاد الإسلامي )، و إن كان الإرتباط و العلاقة المذهبية بين إيران و حزب الله يعطي ارضية واسعة لتفسير خصوصية العلاقة و قوتها، إلا أن حزب الله و حركات المقاومة السنية في فلسطين يشتركون جميعا فيما يوجه اليهم من إتهامات تصفهم ب"وكلاء إيران و منفذي سياستها في المنطقة".

 ويطرح من يوجه أصابع الإتهام اسئلة تتعلق بدور إيران في العراق و موقفها من المقاومة فيها، ويرى أصحاب هذا الإتجاه أن حركات المقاومة تجامل إيران على حساب العراق. وتختبر الباحثة من خلال مقابلات و اسئلة وجهتها إلى ذوي علاقة بالقضية صدق مقولة "الخطر الإيراني الشيعي" التي يجري الترويج لها بواسطة أنظمة عربية تحاول من خلاله ردّ الاعتبار للتحالف التقليدي بين الدول السنية المحافظة والإدارات الأميركية.

و تقوم القوى الإسلامية السنية الرافضة لعملية التسوية السلمية، وعلى وجه التحديد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وهي حليف قديم لإيران، وحركة حماس،التي تنتمي في فكرها و جذورها إلى جماعة الإخوان المسلمين بإعادة صياغة للخطاب الثوري الإيراني فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل بلغة تستعيد أبعادا ايديولوجية ولدت مع الخطاب السياسي للثورة الإيرانية منذ البدايات و ترافقت معه إلى اليوم. لكن هذا التحالف لاينظر إليه معزولاً عن الأجندة السياسية الإيرانية وتعريفها لمصالحها القومية بصورة رئيسة.

 و يطرح خيار المصالح هذا بالرغم من أنّ القضية الفلسطينية شكلت على الدوام جزءاً رئيساً من الخطاب السياسي للثورة الإسلامية، بصورة متوازية مع معاداة إسرائيل والسياسة الأميركية تجاه فلسطين، وهو ما انعكس بدعم الحركات التي تعارض هذه السياسة.

في فلسطين المحتلة؛ تعتبر حركة الجهاد الإسلامي الحليف التقليدي الأقرب إلى طهران، وذلك يعود إلى بداية ونشأة هذه الحركة. لاتنكر الحركة تأثرها الشديد بفكر الخميني، ويظهر ذلك جليا في فكر مؤسسها والأمين السابق لها الشهيد فتحي الشقاقي، مؤلف كتاب "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، فالكتاب الذي جاء بعد مدة قصيرة من انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية لايخفي إعجاب الشقاقي بالثورة الإسلامية بل يرى إمكانية تطبيقها في فلسطين، وعقّب الشقاقي على انتصار الثورة الإيرانية بقوله:

"كنا نعتقد قبل... الخميني أنه لا يمكن هزيمة العدو المستكبر وإزالة الكيان الصهيوني، لكن الخميني بقيادته لهذا الانتصار للإسلام العظيم في القرن العشرين أعطانا الأمل بأن الإسلام الذي أسقط الشاه يمكن أن يسقط بقية الشاهات ويحرر فلسطين".

و الحقيقة أن فكر حركة الجهاد الإسلامي أجرى عملية مزاوجة بين فكر حسن البنا الإصلاحي و فكر الخميني الثوري ولذلك لايمكن إغفال مرجعيتها التي يعود جذورها إلى حركة الإخوان المسلمين إلى جانب مرجعية الثورة الإسلامية، و ربما يعود ذلك إلى القراءة المختلفة التي قدمها الشقاقي للفكر الشيعي.

 أما العلاقة بين حركة حماس وإيران فهي أكثر حداثة و تعود في تاريخها إلى التسعينيات من القرن الماضي، لكن السنوات الخمس الأخيرة شهدت توثيقا لعرى العلاقة بين الجانبين وانعكس ذلك على دعم مالي و لوجستي كبير قدمته إيران للحركة التي تعاني من التضييق و المحاصرة عربيا .

 وتصنف العلاقة مع حماس بأنها أكثر تعقيداً من حزب الله، إذ تعتبر حماس أحد أبرز فروع الإسلام السياسي السني في المنطقة، وامتدادا لجماعة الإخوان المسلمين السنية الكبرى، لكن ذلك التعقيد لم يجعل حماس تسلم من الإتهام، ولاحقتها عناوين مثل:

• (الحماسیون ) دعاة نشر ( التشیّع ) فی فلسطین ... فاللهم انتقم منهم شر انتقام.
• حماس والعلاقة مع الشیعة ومشعل یحتفل بطقوس عاشوراء مع الشیعة فی لبنان.
• مشعل یعلن أن حماس الابن الروحي للإمام الخمینی.
• حماس و التشیع السیاسة قراءة فی الخطاب.
• الإخوان- حماس و إیران و السؤال الحائر.
• حتی لاتجد إیران موطیء قدم لها بغزة.
• ظاهرة الرافضة فی فلسطین- تقریر میداني انفلونزا التشیع الفارسي فی فلسطین.
• الشیعة و فلسطین: مازال الاختراق مستمراً.
• المخطط الایراني لتشییع فلسطین بدأ بإعلان مشعل.
• ماذا تعنی کلمه شیعه فی غزه؟

تعتقد هذه الورقة أنه لايوجد توجه واحد فيما يتعلق بموضوع المقاومة و القضية الفلسطينية داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وترصد الورقة عدد من هذه التوجهات يمكن إجمالها في التالي:

- توجه يعكس سياسة إيران تجاه فلسطين و موقفها المعادي لإسرائيل، ويعد هذا التوجه استمرارا للسياسة التي رافقت البدايات الأولى للثورة وبلغت ذروتها مع انتصارها و قيام الجمهورية الإسلامية بقطع العلاقات مع اسرائيل ، ويرى أصحاب هذا التوجه في حماس الحركة الأقرب فيما يتعلق بالموقف من الإحتلال مقارنة بحركة فتح، كما يرون أن وجود مشتركات دينية و ايديولوجية مع حماس يقتضي تقديم الكثير من الدعم لها.

- توجه لاينكر عداؤه لكل ما يمت إلى العرب بصلة، ويرى أصحابه أن جميع مصائب إيران منذ قرون و حتى اليوم تعود في علتها إلى انتصار العرب على الساسانيين. و من هذه الزاوية يناصبون حركات المقاومة العداء وعلى النقيض من ذلك لايحمل أصحاب هذا التوجه موقفا معاديا لإسرائيل، بل و يرون أن إيران "ليس لديها مشكلة مع اسرائيل وإنما هم العرب من لديهم هذه المشكلة ". لايتوقف أصحاب هذا التوجه عن الحديث عن الدعم المالي الموجه للبنان و فلسطين و يرون أنه "مال الشعب الإيراني تسرقه الحكومة وتعطيه للفللسطنيين".

- توجه يشارك التوجه السابق في مسألة أولوية توجيه الدعم المالي لإيران داخليا من مبدأ أن "فقراء إيران أحق بالدعم "و شعارهم "المصباح الذي يحتاجه البيت يحرم على المسجد". يحمل أصحاب هذا التوجه نظرة سياسية واقعية نحو إسرائيل ورغم أنهم يرونها دولة معتدية،إلا أنهم يؤمنون بخيار التسوية ولذلك لايعتبرون حماس هي الخيار الأفضل إلا إذا قبلت بعملية التسوية، ويفضلون توجيه الدعم السياسي لفتح.

- وهناك توجه رابع يتبناه الحداثيون وبعض العلمانيين الذين يناصبون الجمهورية الإسلامية العداء لوصفهم إياها بالمعادية للديمقراطية و الحداثة، وقياسا عليه ينظر أصحاب هذا التوجه إلى حركات المقاومة الإسلامية بأنها تحمل فكرا دينيا متحجرا، و ينقسم هذا التيار إلى قسمين الأول يوجه الإدانة لحماس و اسرائيل على حد سواء لأنهما "ينتهكان حقوق الإنسان" والثاني يحجم عن اي نقد لإسرائيل لأنه يرى فيها حليفا طبيعا لقوى الليبرالية ودولة ديمقراطية متقدمة.