العنوان هنا
مراجعات 13 يونيو ، 2023

مراجعة كتاب: الإيديولوجية الموحدية، جدل الدين والسلطة في الغرب الإسلامي للبنى الورطيطي

يحيى بولحية

باحث مغربي حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة محمد الأول بوجدة. مهتمّ بالدراسات التاريخية والتربوية. من أهمّ كتبه "البعثات التعليمية في اليابان والمغرب: من أربعينيات القرن التاسع عشر حتى أربعينيات القرن العشرين، تباين المقدمات واختلاف النتائج".

عنوان الكتاب: الإيديولوجية الموحدية، جدل الدين والسلطة في الغرب الإسلامي.

المؤلف: لبنة الورطيطي.

الناشر: الرباط: دار أفريقيا الشرق.

سنة النشر: 2021.

عدد الصفحات: 288 صفحة.


تمهيد

يثير التاريخ الخاص بدولة الموحدين بالمغرب (515هـ/ 1121م-667هـ/ 1269م) العديد من الإشكالات والتساؤلات؛ باعتبارها كيانًا مجاليًا شاسعًا وممتدًا، شمل المغرب الأقصى والمغرب الأوسط والمغرب الأدنى والأندلس وجنوب الصحراء؛ علاوة على طبيعة شخصية محمد بن تومرت (ت. 524هـ/ 1130م)، مؤسس الدولة ومثقفها الأيديولوجي الأول، إضافة إلى معالم التنظيم السياسي، والاتجاه الفكري الذي سارت عليه الدولة الموحدية، ونوعية النّخب الفكرية والفلسفية التي أنتجها هذا العهد ببلاد المغرب والأندلس، من قبيل عبد الملك بن طفيل القيسي الأندلسي (ت. 581هـ/ 1185م)، وأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد (ت. 595هـ/ 1198م)، والشريف الإدريسي (559هـ/ 1166م)، وغيرهم.

كان لعقلية ابن تومرت تأثير في الحياة الثقافية العامة بالمغرب، بحيث حرك في أهله العلوم العقلية، في ثلاثة مظاهر: نماء الفلسفة بالمغرب، وانتشار المنطق، وانتشار الجدل والمناظرة[1]. وقد كان لعلوم الفلسفة نَفاقٌ كبيرٌ في هذا العهد، حيث ذكر صاحب كتاب المعجب في تلخيص أخبار المغرب (1906) أن الفلسفة حققت، أيام يوسف، نهضةً كبيرة، ولم يزل يجمع الكتب من أقطار الأندلس والمغرب ويبحث عن العلماء، وخاصة علم أهل النظر إلى أن اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك قبله ممن ملك المغرب[2].

ويحكم ابن خلدون على تفوق الموحدين في ميدان التعليم والثقافة، حين تحدث عن "انقطاع التعليم من المغرب إلا قليلًا كان في دولة الموحدين"[3]. تدفعنا هذه الملاحظات إلى تبيين بعض معالم النسق الفكري والسياسي والتنظيمي والعلمي الذي طَبعَ دولة الموحدين بالمغرب، وإلى الخروج ببعض الاستنتاجات الخاصة بموضوعات الكتاب محلّ المراجعة. والكتاب الذي نتناوله بالتحليل والنقد في أصله جزء من أطروحة جامعية، ناقشتها الباحثة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس بالمغرب عام 2013.

تقول المؤلفة في صدر كتابها: "ما تزال البحوث التاريخية الوسيطية قليلة في العالم العربي، تلك التي ترتبط بدراسة مصادر وأسس السلطة السياسية ومظاهرها ورموزها وطرق تداولها وموقف المجتمع منها" (ص 9)، كما تعلن عن طبيعة موضوعها الذي يتناول مسألة الشرعية في الحكم والصراعات حولها ومن أجلها، وامتدادات ذلك طوال التاريخ الموحدي (ص 10).

تثير الباحثة عددًا من التساؤلات المحورية، تتعلق بالأسس الفكرية التي اعتمدتها الدولة الموحدية، والمجهودات التي بذلتها لإقناع الرعية بشرعيتها في الحكم، ومدى نجاحها في ذلك، وهل كانت السلطة الموحدية في حاجة إلى الرعية لإثبات شرعيتها وترسيخ حجمها وما ردود الفعل المجتمعية تجاه الموحدين سياسةً وفكرًا؟ (ص 11)، وحللت المؤلفة أيضًا عناصرَ الموضوع وفقًا لما يلي: مقدمة عامة، وأربعة فصول كبرى وخاتمة، تضمنت استنتاجات وملاحق للدراسة؛ ففي الفصل الأول من الكتاب أوردت موضوع الفكر الديني ضمن أيديولوجيا الموحدين تناولت من خلاله ثلاثة مباحث، تركزت حول إشكالية عقيدة "التوحيد" في الفكر السياسي الموحدي، ثم قضية الإمامة والعصمة والتنظير للحكم المطلق والمهدوية وخلفياتها السياسية. أما في الفصل الثاني بعنوان "جوانب من الأبعاد الاجتماعية للممارسة السياسية"، فتناولت الباحثة خصوصيات سلطات الحاكم الموحدي في مرحلتي الدعوة والدولة، ثم نسق تداول السلطة ودور الإدارة المحلية في فتق شرعية السلطة الموحدية.

وخصصت المؤلفة الفصل الثالث لبحث علاقة الأزمة الاقتصادية بالشرعية السياسية في عهد الموحدين من خلال مباحث ثلاثة، تناولت فيها دورَ السلطة الموحدية في تنمية القطاعات الاقتصادية وكثرة الإنفاق والفساد الإداري، ودور الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية في تعميق الأزمة خلال العصر الموحدي. أما الفصل الرابع فقد كان عن "المعارضة السياسية من مداخل معارضة المتصوفة والمالكية والرشدية كعنوان لمعارضة الفلاسفة ومساهمة العامة في الفعل السياسي". وحاولت المؤلفة في خاتمة موضوعها الخروج ببعض الاستنتاجات التي تخص فصول الدراسة والتحليل.

حين نتحدث عن العلاقة بموضوعات الكتاب أودُّ إثارةَ بعض الإشكاليات، وكيفية تناولها برؤية نقدية، ومقارنة نصوصها بمتون تاريخية أخرى تناولت الموضوع نفسه، بالتحليل والاستقراء للخروج باستنتاجات تثري القراءة والتحليل.



* هذه المراجعة منشورة في العدد 44 من مجلة "تبيّن" (ربيع 2023)، وهي مجلة فصلية محكّمة يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا وتُعنى بالدراسات الفلسفية والنظريات النقدية.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.