/ACRPSAlbumAssetList/2022-Daily-Images/dhofar-book-cover.jpg
مراجعات 29 سبتمبر ، 2022

مراجعة كتاب "ظفار: ثورة الرياح الموسمية: الجمهوريون والسلاطين والإمبراطوريات في عُمان"

الكلمات المفتاحية

أمل غزال

أستاذة التاريخ وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.

العنوان: ظفار: ثورة الرياح الموسمية: الجمهوريون والسلاطين والإمبراطوريات في عُمان (1965-1976).

المؤلف: عبد الرزاق التكريتي.

المترجم: أحمد حسن المعيني.

الناشر: بيروت: جداول للنشر والترجمة والتوزيع.

تاريخ النشر: 2019.

صفحات: 431 صفحة.

العقود الراديكالية: ثورة ظُفار في تاريخ العرب الحديث

كان عبد الرزاق التكريتي طالب ماجستير في جامعة يورك في تورنتو [كندا]، وكنتُ زميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة تورنتو حينما التقينا المرة الأولى. أطلعني على اهتمامه بثورة ظُفار، وكنت قد أكملت لتوّي رسالتي عن تشكيل الهوية العربية للنخبة العمانية في زنجبار تحت الانتداب البريطاني. تحدّثنا بإيجاز عن الصعوبات التي لا تزال تواجه البحث العلمي عن ثورة ظفار في عمان، في ظل نوع من "تحريم" البحث عنها رسميًا. أكمل الباحث مشواره العلمي في جامعة أكسفورد، حيث أعدّ أطروحته عن ثورة ظُفار ونشرها كتابًا في عام 2013 أعاد إحياء إرث ثورة ظُفار (1965-1976)، وسلّط الضوء على الظُفاريين ونضالهم. شكّلت تلك الثورة كفاحًا مسلّحًا نموذجيًا في سياق مناهضة الاستعمار، وحملت رمزية اليسارية الثورية وارتباطها بالكفاح السياسي للقومية العربية، وحظيت أخبارها باهتمام واسع يومئذ في البلدان العربية، ولا سيما في المشرق العربي.

يؤرّخ كتاب ظفار: ثورة الرياح الموسمية: الجمهوريون والسلاطين والإمبراطوريات في عُمان (1965-1976) هذا الفصل المهمّ من التاريخ العربي الحديث. هو الدراسة المعمّقة والمنهجية الأولى عن الثورة، ويعتبر من حيث دقّته التحليلية وثراء المحتوى عملًا عن هذا الموضوع لا مثيل له. يحدّد الكتاب موقع الثورة في التاريخ العربي الأوسع في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، ويعالجها بصفتها جزءًا من التاريخ العالمي لمناهضة الاستعمار والنزعة اليسارية الثورية التي تتّسم بروح [مؤتمر] باندونغ[1] والروابط بين بلدان الجنوب. ويعكس عنوان الكتاب الأبعاد المنهجية والفكرية لهذا العمل الذي ترِدُ فيه "الرياح الموسمية" بوصفها مجازًا يعبّر عن شبكة العلاقات عبر المحيط الهندي (وما وراءه) والتطوّرات الإقليمية التي أدت إلى اندلاع ثورة ظُفار. لا يكتفي الكتاب بسرد فصل من التاريخ العربي فحسب، ولكنه يسلّط الضوء على الأهمية السياسية والفكرية لعُمان في هذا التاريخ، وهي منطقة لا تزال مهمّشة في سرديات التاريخ العربي الحديث. فتحليل ثورة ظفار في هذا الكتاب، برجالها ونسائها، وبنجاحاتها وإخفاقاتها، يعيد تأطير كتابة التاريخ العُماني الحديث بطريقة لا ترتكز على محور الفرد الواحد والمتمثل هنا بالسلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، على عادة الدراسات عن عمان في العصر الحديث.

صدر الكتاب في أعقاب الانتفاضات العربية، ولم يكن من الممكن أن يصدر في وقت أكثر ملاءمة من ذلك. وقد جاء للتذكير بأن الانتفاضات العربية الأخيرة هي جزء من سلسلة انتفاضات وثورات متتابعة شهدها العالم العربي. فروح التحليل وأسلوبه في الكتاب لا يقومان فقط بتكريم الإرث الثوري للظُفاريين بل يربطان ربطًا غير مباشر أيضًا اللحظةَ الثورية المعاصرة بلحظات مماثلة من الماضي؛ إذ تحدّت كل من الانتفاضات المعاصرة وثورة ظُفار بُنى سلطات مماثلة، سعت بدورها لنزع الشرعية عن القوى الثورية وعملت على قمعها. يتمثل هذا باستنتاج المؤلف "أن ما كشفه هذا الكتاب هو أن آمال الماضي التي لم تتحقق تظل باقية" (ص 401). وفي مسعى لتأكيد العمق الثوري لثورة ظُفار، يشير المؤلف إلى نقطة مهمة، من خلال وصف التطورات التاريخية بين عامَي 1965 و1976 بأنها "ثورة" وليست تمرّدًا أو انتفاضة. وهو هنا يحذّر من تعريف الثورة بناء على النتائج، وليس في ضوء التحوّلات والتغييرات ذات الطابع الثوري التي تلازم الأحداث. إضافة إلى ما سبق، فهو يعتمد على الاختلافات المفاهيمية في استخدام كلمة ثورة بين اللغتين العربية والإنكليزية؛ إذ لم تكتفِ الجهات المناضلة ومؤيدوها بتعريف ما قاموا به بأنه ثورة، بل فعلوا ذلك أيضًا لمواجهة عملية نزع الطابع الشرعي عن نهج ثوري كما فعلت حينها سلطنة عمان وحلفاؤها لتصوير الثورة على أنها تمرّد. ومن ثمّ، فإن الثورة ليست مجرد مصطلح وصفي، بل هي مصطلح يضفي الشرعية على معارضة الحكم السلطاني وأهدافه.


*هذه المراجعة منشورة في العدد 16 من مجلة "أسطور" (تموز/ يوليو 2022)، وهي مجلة محكّمة للدراسات التاريخية المتخصصة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل ستة أشهر.
** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.