العنوان هنا
مراجعات 27 فبراير ، 2023

مراجعة كتاب تفكّر التاريخ، تفكّر الدين لهشام جعيط

حياة عمامو

عميدة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية وأستاذة التاريخ الوسيط في الجامعة التونسية، تونس.

المؤلف: هشام جعيط

عنوان الكتاب: تفكّر التاريخ، تفكّر الدين.

العنوان الأصلي: Penser l'histoire, penser la religion.

الناشر: Tunis: Cérès éditions.

سنة النشر: 2021

عدد الصفحات: 174


تفكّر التاريخ، تفكّر الدين، هو آخر ما كتبه الفقيد المؤرّخ والمفكّر التونسيّ الدكتور هشام جعيط، الذي وافته المنية في 1 حزيران/ يونيو 2021؛ أي بعد ما يقارب ثلاثة أشهر من نشر كتابه هذا. لا يُمثّل هذا الكتاب بحثًا أكاديميًّا بالمعنى التقليديّ للكلمة، لأنّه لا يحتوي على هوامش اعتمدها المؤلِّف أساسًا لبناء أفكاره، أو لنقدها، أو لدحضها؛ مثلما تعوّد ذلك الباحثون في العلوم الإنسانية. ولم تَرِد في الكتاب أيضًا قائمة ببليوغرافية لاستعراض كمٍّ هائل من المصادر والمراجع من شأنها أن تبهر القارئ. ومع ذلك، فإنّ ما ورد في الكتاب من أفكار ومن أسماء مؤلّفين قدامى ومحدثين يدلّ، بكلّ وضوح، على اطّلاع واسع وقراءات عديدة ومتنوّعة استغرقت سنوات طويلة من حياة جعيط.

اشتمل هذا الكتاب على تصدير مقتضب، ولكنّه مكثّف؛ لأنّه استعرض فيه المحتوى الذي سيتناوله والأسباب التي دعته إلى ذلك، مواصلًا الخطّ الذي رسمه وعمّقه مفكّرون سبقوه (ص 9-11). الباب الأوّل في هذا الكتاب هو "مشكلتان في التاريخ". وتتعلّق أولى المشكلتين بالهجرات و"الفتوحات" (ص 15-37)، في حين تتعلّق الثانية بـ"الغرب" و"الشرق" اللذين ظلّا، رغم كلّ شيء، مفهومَين ضبابيَّين (39-48). أمّا الباب الثاني "تفكّر الدين"، وهو الأهمّ، فقد اهتمّ فيه المؤلف بالبحث في الدين والتديّن (ص 53-152). وانتهى الكتاب بمُلحق جرى فيه التعرّض لأهمية الديانات التوحيدية وحدودها (ص 155-172).

أكّد المؤلّف في تصدير هذا الكتاب أنّه يحاول استكشاف بعض أسس العالم التاريخيّ، وخاصّة قواه المحرّكة التي كوّنت هذا العالم، المتمثّلة في الهجرات والدين. وأفصح عن أنّه لن يتناول القوى المحرّكة الأخرى مثل الدولة والاقتصاد وتكوّن المجتمعات وكذلك الفنّ. ثمّ أعلن أنّ الكثير من الفلاسفة والمؤرّخين تعمّقوا في دراسة هاتين القوّتين المحرّكتين؛ ابتداءً من عبد الرحمن بن خلدون، وصولًا إلى فرنان بروديل Fernand Braudel (1902-1985) وكلود ليفي شتراوس Claude Lévi-Strauss (1908-2009)، أو حنّا أرندت Hannah Arendt (1906-1975)، مرورًا بهيغل وآخرين (ص 9). ويبدو أنّ اهتمام المؤلّف بالقوى المحرّكة للعالم التي سيتناولها بالدرس تأتّت من كونه مؤرّخًا مهتمًّا بالفلسفة - وخاصّة منها ما كان ذا علاقة بالتاريخ - ومن انتمائه أيضًا إلى الثقافتين الإسلامية والغربية بالدرجة نفسها التي تُمكِّن من التنقّل بينهما والأخذ من هذه ومن تلك. وهو يعتقد أنّ هاتين الثقافتين تعبّران عن عالم واحد مختلف عن عالم أقصى آسيا طوال تاريخ مترابط جدًّا. غير أنّ الاختلاف بين العالمين لم يمنع الكاتب من الاهتمام بالصين والهند بالنظر إلى إيمانه بفكرةٍ مفادها أنّ البشرية واحدة (ص 10).


*هذه المراجعة منشورة في العدد 17 من مجلة "أسطور" (تشرين الأول/ أكتوبر 2022)، وهي مجلة محكّمة للدراسات التاريخية المتخصصة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل ستة أشهر.
** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.