بعد مرور سنة كاملة على عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ثمّ امتدادها إلى جبهات أخرى، مرّ الاقتصاد الإسرائيلي بصعوبات أو حتى أزمات نتيجة للصدمة الأمنية والعسكرية ومحاولة الحكومة الإسرائيلية الاستجابة لجهود الحرب وآثارها التي امتدت إلى القطاعات الاقتصادية كافة. ونسعى في هذه الورقة إلى تحليل أهم هذه الانعكاسات على الاقتصاد الإسرائيلي.
أولًا: من صدمة عسكرية واستراتيجية إلى صدمة اقتصادية
بدأت المؤشرات الحيوية للاقتصاد الإسرائيلي تتدهور، خلال الأسابيع الأولى من عملية "طوفان الأقصى" وانطلاق شرارة العدوان الإسرائيلي المستعر على قطاع غزة، بوتيرةٍ أثارت قلق المسؤولين والمعنيين بالشأن الاقتصادي الإسرائيلي والجمهور الإسرائيلي عمومًا. فقد اضطر بنك إسرائيل، البنك المركزي، خلال الأيام الأولى من اندلاع العملية، إلى تخصيص 30 مليارًا من احتياطياته من العملات الأجنبية لمواجهة تنامي الطلب عليها مع احتدام المخاوف من تأثيرات العملية وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى مستقبل الدولة. ومع ذلك، لم يمنع هذا التدخل من تراجع سعر صرف العملة الإسرائيلية (الشيكل) أمام الدولار إلى أدنى مستوى له خلال ثماني سنوات[1]. وعلى نحو مماثل، فقدت سوق الأسهم الإسرائيلية نحو 9 في المئة من قيمتها السوقية خلال الأسبوع الأول من العملية، وهي أكبر خسارة تُمنى بها في عشر سنوات. وخلال الأسبوعين اللاحقين، تواصلت الخسائر الناجمة عن تزايد عمليات البيع التي قام بها المستثمرون الأجانب، بنسبة تجاوزت 22 في المئة[2]، وتعرضت البنوك لأكبر تراجع في قيمتها السوقية بنحو 20 في المئة، وهي أعلى خسارة تُمنى بها منذ جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
شهد الشيكل الإسرائيلي وسوقه المالية تراجعات وضغوطات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بردّات فعلٍ طبيعية تجاه التحديات التي فرضتها عملية طوفان الأقصى، إلى جانب التوجس من قدرة إسرائيل على استرداد عافيتها وحالة فقدان اليقين حول مآلات الحرب ومستقبل الدولة. أضف إلى ذلك أنّ الاقتصاد الإسرائيلي واجه تحديات جوهرية أثّرت كثيرًا في أدائه، فتراجع الناتج المحلي في الربع الرابع من عام 2023 بنحو 5.8 في المئة مقارنة بالربع الثالث من العام نفسه، وبنحو 4 في المئة مقارنة بالربع نفسه من عام 2022[3]، وهو الانكماش الأكبر منذ جائحة كورونا[4]. ويُعدّ مثل هذا الانكماش نتيجة طبيعية لتعمّق حالة عدم اليقين وتعاظم المخاوف لدى الأُسر وقطاع الأعمال. وقد أفضت هذه الحالة إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي بنحو 26.9 في المئة والاستثمارات بنحو 67.8 في المئة، وتراجعت الصادرات بنحو 18.3 في المئة، وشهدت الواردات أيضًا تراجعًا أكثر حدّة، قُدِّر بـ 42 في المئة. وتزامنت هذه المثبطات أيضًا مع قيود وعوائق كبيرة في جانب العرض، لعل أكثرها دلالة إيقاف تصاريح العمل لأكثر من 160 ألف عامل فلسطيني كانت غالبيتهم تعمل في قطاع الإنشاءات والزراعة والسياحة[5]، واستدعاء نحو 360 ألف من جنود الاحتياط الذين تعمل غالبيتهم في أنشطة حيوية، مثل التكنولوجيا العالية التقنية والخدمات المالية والذكاء الاصطناعي والأدوية والزراعة[6]، مثّلت المحرّك الأساسي لنموّ الاقتصاد الإسرائيلي على مدار السنوات الأخيرة.
[1] "تداعيات ’طوفان الأقصى‘ على الاقتصاد الإسرائيلي: تكاليف باهظة وآفاق مستقبلية"، وحدة الدراسات السياسية،
تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 30/10/2023.
[2] “Tel Aviv Stock Exchange Ltd,”
CNBC, accessed on 1/10/2024, at:
https://acr.ps/1L9zOiW
[3] تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي انكمش بنحو 19.3 في المئة على الأساس السنوي المعدل موسميًّا:
“Israel: Economy Records Sharpest Contraction since Q2 2020 in Q4,”
Focus Economics, 19/2/2024, accessed on 5/10/2024, at:
https://acr.ps/1L9zOpb
[4] Doloresz Katanich, “Israel-Hamas War Takes its Toll on Israel's Economy,”
Euro News, 19/2/2024, accessed on 1/10/2024, at:
https://acr.ps/1L9zOSc
[5] Bassam Tawil, “Israel Gave Work Permits, While Palestinians Planned Oct. 7 Massacre,” Gatestone Institute, International Policy Council, 18/6/2024.
[6] Giorgio Cafiero, “Has the War on Gaza Hurt Israel’s Economy?”
Al Jazeera, 27/1/2024, accessed on 1/10/2024, at: https://acr.ps/1L9zOwQ