صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب عزمي بشارة الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة، وهو خلاصة جهد بحثي متشعب، ينطلق من البحث في نظريات التحديث ونقدها لأنه يشخص بدايةً دراسات الانتقال فيها، وصولًا إلى دراسات الانتقال إلى الديمقراطية التي انطلقت في سبعينيات القرن الماضي. وينتقل إلى معالجة تطبيقية لمآلات تجارب الانتقال في البلدان العربية التي اندلعت فيها ثورات تغييرية وانتفاضات شعبية، متوصلًا إلى قصور دراسات الانتقال في فهمها، ومستخلصًا منها استنتاجات نظرية هي إسهام عربي في نظرية الانتقال الديمقراطي.
يتألف الكتاب (624 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من 16 فصلًا، وزعها المؤلف في أربعة أقسام.
يضم القسم الأول، "جذور دراسات الانتقال في نظرية التحديث"، خمسة فصول. في الفصل الأول، "التحديث والشروط البنيوية للديمقراطية"، بحث بشارة في مقاربة التحديث، وفي الشروط البنيوية للديمقراطية كالتمدين والتنمية الاقتصادية ومعدل دخل الفرد ونسب التعليم. كما عرض للخلط بين شروط ديمومة الديمقراطية وشروط منشئها، ولضرورة التمييز بين تدرج نشوء الديمقراطية من أنظمة ليبرالية حصرية ونشوئها في عصرنا دفعة واحدة بعد سقوط أنظمة سلطوية. وتناول كذلك تأثير التحديث المتفاوت بين الثورة العلمية والصناعية وفرضه من الأعلى بواسطة الاستعمار أو الدولة، والنقد الأوّلي لمقاربة التحديث وتغييبها عنصر الإرادة السياسية، واستخدام مقاربات التحديث في تبرير الاستبداد خارج أوروبا والولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يجوز في رأيه إهمال نظرية التحديث تمامًا؛ لأنه حتى لو كانت الشروط البنيوية غير لازمة للانتقال، فإن بعضها ضروري لديمومة الديمقراطية.
في الفصل الثاني، "نظرية التحديث ومقاربة الشرعية من زاوية طبيعة الانتقال إلى الديمقراطية"، يعالج بشارة مفهوم الشرعية والربط بين شرعية النظام الديمقراطي وطريقة الانتقال إليه، ولقاء التحديث ودراسات الانتقال على تفضيل الانتقال التدريجي وقبول التسويات، والتدرج من حيث أنه لا يعني السلمية بالضرورة. كما يتناول ارتباط الشرعية الديمقراطية بمسألة الهوية الوطنية ورموزها، وبالقدرة على حل القضايا الرئيسة التي تهم المجتمع في إطار الدولة، والنجاعة في الإدارة وخدمات الدولة، ويبحث في الصراع بين الأيديولوجيات الشمولية الكبرى التي لا تشكل تعددية الديمقراطية لأنها تفضي إلى لعبة حصيلتها صفر. كما يبين أفضلية مفهوم الشرعية على مفهوم الهيمنة.
يؤكد المؤلف أهمية معالجة الشروخ الاجتماعية الكبرى، وأن ما يؤثر سلبيًا في الديمقراطية هو ليس التعددية الإثنية والطائفية في حد ذاتها، "بل تحوّلها جميعًا إلى سياسات هوية، أكان الطريق إلى ذلك يمر بتسييس الطائفة أم الإثنية، أو قصر التنظيم أو الحزب السياسي على تمثيل ما يدّعي أنه مصالحها، أم عبر تحويل قواعد الأحزاب الأيديولوجية والعقائدية إلى هويات ثقافية وأنماط حياة وتطييف الأحزاب السياسية والأيديولوجيات".
في الفصل الثالث، "عناصر الانتقال عند التحديثيين وفكرة التدرج إلى الديمقراطية"، يعالج بشارة أفضلية الانتقال التاريخي المتدرج من الليبرالية والتنافسية الحصرية إلى الديمقراطية عبر قرون من التطور، وتناقض تركيز مصادر القوة مع النظام الديمقراطي، وصعوبة الانتقال المباشر من نظام سلطوي إلى ديمقراطي. كما يدرس توصيف روبرت دال لشروط الأنظمة الديمقراطية القائمة ومكوناتها، وتوصيف أليكسيس دو توكفيل لمجتمع أميركي زراعي في القرن التاسع عشر الذي تميز بتوزيع مصادر القوة والنفوذ وتبنّى المعتقدات الديمقراطية. ويعرض نقديًا لاعتبار الديمقراطية أكثر احتمالًا في البلدان التي تعرض للاستعمار البريطاني، ولإدخال بعض المقاربات التحديثية عنصر الثقافة السائدة بوصفه حاسمًا في الانتقال.
يبيّن المؤلف في هذا الفصل أن بعض أفكار دراسات الانتقال الديمقراطي، مثل التدرج والانفتاح السياسي وإطلاق الحريات قبل تعميم حق الاقتراع العام وثقافة النخب السياسية، ورد في نظريات التحديث قبل دراسات الانتقال إلى الديمقراطية، لكن من دون التخلي عن الشروط الاجتماعية - الاقتصادية.
في الفصل الرابع، "البرجوازية ونشوء الديمقراطية"، يتناول بشارة دور البرجوازية التاريخي، مبرهنًا أنه لا يعني وجود علاقة ضرورية بين الديمقراطية والرأسمالية، وأن الرأسمالية ربما تؤدي إلى الاستبداد، لكن لا ديمقراطية حديثة من دون توزيع مراكز القوة الاقتصادية. ويعرض لدور البرجوازية الليبرالي، ولرهان ماركس على توسيع حق الاقتراع للأسباب نفسها المتمثلة بخوف بعض الليبراليين من هذا التوسيع، ولخطأ رهان الشيوعيين الأوائل على الديمقراطية للتوصل إلى دكتاتورية البروليتاريا. كما يبحث في التسوية الطبقية في ظل النظام الرأسمالي والتي رافقت الجمع بين الديمقراطية والليبرالية، وفي الديمقراطية وضرورة عدم تركيز مصادر القوة والتأثير. ويسلط الضوء على نموذج بارينغتون مور الذي تؤدي بموجبه الثورات الفلاحية إلى دكتاتوريات، وعلى دور ملاك الأرض ومجالس الطبقات القديمة ودور الإقطاع. وينتهي إلى البحث في فقدان مجالس الطبقات في السلطنة العثمانية ودور البيروقراطية الإصلاحي، وفي أن الخلفية التاريخية للديمقراطية هي رسملة علاقات الإنتاج الزراعي، وفي أن البرجوازية ليست فئة سياسية واحدة.
يفصّل بشارة في الفصل الخامس، "في نقد مقاربات التحديث"، شروط التحديث لنشوء الديمقراطية مع ملاحظة عناصرها المعوِّقة للديمقراطية، وتفاوت درجات التحديث وآثاره، وضرورة بناء النظام السياسي قبل الديمقراطية، وأثر التعبئة السياسية الهدام في بناء المؤسسات عن هنتغنتون وتلخيصه المهمة الرئيسة في العالم الثالث في بناء النظام والتنمية، وأن الدكتاتورية هي الطريق الوحيد إلى ذلك في ظروف التعبئة السياسية. كما يتناول نقد دراسات الانتقال لفكرة ضرورة دعم الدكتاتوريات التنموية للوصول إلى متطلبات الديمقراطية، والنمو الاقتصادي من حيث أنه لا يؤدي حتمًا إلى الدكتاتورية أو الديمقراطية، والتفاوت بين تفاعل التحديث مع البنى والهياكل القائمة من جهة، وتفاعله مع الثقافة والقيم من جهة أخرى. ويعرض أخيرًا لنقد نظرية التبعية لنظرية التحديث، وللعلاقة بين السلطوية والتبعية. وينتقد بعض الحلول مثل الاكتفاء الذاتي وفك الارتباط بالاقتصاد العالمي، كما ينتقد غياب الأجندة الديمقراطية لدى نظرية التبعية.
تضمن القسم الثاني من الكتاب، "دراسات الانتقال الديمقراطي"، خمسة فصول. يبحث بشارة في الفصل السادس، "الانتقال إلى دراسات الانتقال وتصنيفها"، في مسائل عدة، في مقدمها أن دراسات الانتقال تهدف إلى الوصول إلى الديمقراطية، وأن عدم الحياد في ما يتعلق بالغائية الأخلاقية لا يتعارض بالضرورة مع الموضوعية العلمية. كما يتناول مسألة تشديد دراسات الانتقال على إرادة الفاعلين السياسيين وخياراتهم في ظروف محددة في مقابل الحتمية البنيوية المتضمنة في دراسات التحديث، وفي قيام مقاربات التحديث لنشوء الديمقراطية ورسوخها على استقراء نشوء الديمقراطيات التاريخية، في حين نشأت دراسات الانتقال من التزام منظريها بالديمقراطية ضد الاستبداد في العالم الثالث، ومن استقراء تجارب متأخرة في الانتقال في بلدان جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية. ويبحث المؤلف في تصنيف مقاربات الانتقال إلى الديمقراطية باحثًا علاقتها بالمؤسسية النقدية ونظريات الاقتصاد السياسي.
في الفصل السابع، "دراسات الانتقال: الخيارات الاستراتيجية"، يسلط بشارة الضوء على محطات تطور دراسات الانتقال من النظام السلطوي إلى الديمقراطية، مؤكدًا تشديدها على أهمية الإجماع على الدولة، والصراعات التي تنتهي بتسويات واتفاق على إجراءات ديمقراطية في إطارها، فالديمقراطية بوصفها تسوية للصراعات في إطار دولة مجمع عليها. كما يتناول مراحل الانتقال الديمقراطي، والإصلاح من أعلى على شكل انفتاح أو لَبْرَلَة يتلوها انشقاق النخبة الحاكمة والصراع بن المتشددين والإصلاحيين، وحالة سيطرة النظام الحاكم على إيقاع الإصلاح وفرض شروط التسوية الديمقراطية على المعارضة، في مقابل حالة ضعف النظام وفرض المعارضة شروطها. ويعرض أيضًا لدور الانتفاضات الشعبية في تعميق الإصلاحات، وسلمية الانتقال إلى الديمقراطية بالاتفاق على الإجراءات الديمقراطية، ولمعنى هذه الإجراءات، ولأهمية وجود ديمقراطيين ضمن النخب السياسية أو عدم أهميته، معتبرًا أن الحد الأدنى المطلوب في الثقافة السياسية للنخب هو التزام الإجراءات الديمقراطية في المرحلة الأولى للانتقال، والتزام الحقوق والحريات في مرحلة بناء المؤسسات.
يركز بشارة في الفصل الثامن، "أثر نوع النظام السلطوي في عملية الانتقال"، على أهمية التمييز بين أنواع الأنظمة السلطوية، وصعوبة تغيير أنظمة الحزب الواحد والأنظمة الشمولية مقارنةً بالأنظمة العسكرية، إلا إذا تحولت الأخيرة إلى ديكتاتورية فردية. كما يركز على نفي الإصلاح السوفياتي من أعلى لهذه الاستحالة التي كررها بعض المنظرين. ويبحث في التمييز بين الأنظمة بحسب قدرتها على القمع العنيف واستعدادها لذلك.
أما الفصل التاسع، "نقد برادايم الانتقال والرد عليه"، فيعرض المؤلف لمسائل نقد برادايم الانتقال، ونفي وجود مثل هذا البرادايم. كما يدافع عن دراسات الانتقال لأنها لا ترى أن أيّ انتقال من السلطوية يؤدي حتمًا إلى الديمقراطية، وفي توافر مؤسسات للدولة بوصفه شرطًا مسبقًا قبل أيّ حديث عن الانتقال، وأخيرًا في نشوء السلطوية التنافسية بوصفها نموذجًا قائمًا بذاته، وليس بالضرورة حالة انتقالية إلى الديمقراطية.
في الفصل العاشر، "الإجماع على الدولة: الأمة والقوميات الإثنية"، يعرّف بشارة الدولة الحديثة ووظائفها، ويتحدث عن دور القومية، وعن التمييز بين القومية الإثنية والأمة على أساس المواطنة، وأهمية هذا التمييز لشرعية الدولة. كما يفصّل الفارق بين دولة الأمة وأمة الدولة. ويبحث في السؤال: هل التجانس الإثني القومي شرط الديمقراطية؟ واحتمالات الديمقراطية في دول متعددة القوميات الإثنية واحتمالات فشلها. ويتناول أيضًا دحض الربط بين المذابح الإثنية والديمقراطية، ودحض الخلط بين أثر الدولة الحديثة والمشاركة الجماهيرية وقومنة الإثنيات من جهة، وبين أثر الديمقراطية من جهة أخرى.
تضمن القسم الثالث من الكتاب، "العامل الخارجي وقضية الثقافة"، فصلين. يبحث بشارة في الفصل الحادي عشر، "العامل الخارجي في الانتقال الديمقراطي"، في تأثير العوامل السياسية الخارجية المعوقة والمساندة للانتقال الديمقراطي، وفي أن الدول الديمقراطية حرصت إبان الحرب الباردة على مساندة الحلفاء بغض النظر عن طبيعة النظام وليس على مساندة الانتقال الديمقراطي إبان الحرب الباردة، وفي أن نهاية الحرب الباردة، خلافًا لما هو رائج، لم تَعْنِ تحول الولايات المتحدة إلى مساندة الديمقراطية بل إلى تراجع الحرص على مصير الدكتاتوريات الحليفة. ويتناول أهمية الدعم المالي لنشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، وجاذبية النموذج الديمقراطي، وأهمية البيئة الإقليمية الحاضنة للانتقال، ودوام اعتبارات الحرب الباردة لدى الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية في المنطقة العربية، والبيئة الإقليمية المناهضة للديمقراطية والمتمثلة في نشاط بعض الدول الإقليمية ضد الديمقراطية في دول عربية. ويعرض أيضًا لزيادة دور العامل الخارجي الدولي والإقليمي في إعاقة الانتقال الديمقراطي كلما زادت الأهمية الجيوستراتيجية للدولة المعنية، ولنشوء ظاهرة تصدير الأوتوقراطية، وفي اعتبار انتشار الديمقراطية تمددًا غربيًا في نظر روسيا والصين.
يرى بشارة في الفصل الثاني عشر، "عن الثقافة السياسية والانتقال إلى الديمقراطية"، أنه لم تثبت علاقة سببية بين ثقافة شعبٍ ما ونظام الحكم الديمقراطي، وأن الأعراف المتموضعة في المؤسسات لا تعني أنّ الأعراف سبقت المؤسسات تاريخيًا، بل هي نتاج لها أيضًا، وأن الموضوع يفترض أن يحصر في الثقافة السياسية، لا الثقافة بصفة عامة، ولا توجد ثقافة سياسية متجانسة لشعبٍ بأكمله. ويتحدث في هذا الفصل عن أهمية ثقافة النخبة في مرحلة الانتقال الديمقراطي، وعن تعريف الحد الأدنى المطلوب توافره في ثقافة النخب السياسية الفاعلة في مرحلة الانتقال الأولى والثانية، وعن مرحلة ترسيخ الديمقراطية، وعدم إمكانية نشوء ثقافة جماهيرية ديمقراطية في ظل الاستبداد، وعدم جواز إهمال ثقافة الجماهير أو التقليل من أهميتها في مرحلة حق الاقتراع العام وانتشار وسائل الاتصال والتواصل.
في القسم الرابع، "استنتاجات نظرية من تجارب عربية"، أربعة فصول. يضم الفصل الثالث عشر، "الفصل والوصل بين الإصلاح والثورة والثورات الإصلاحية"، بحوثًا لبشارة في التمييز بين الإصلاح والثورة، وفي الثورة بوصفها قادحًا لانشقاق النخبة الحاكمة، وفي قصور دراسات الانتقال عند تطبيقها عربيًا وضرورة تقديم مساهمة نظرية من خلال التجربة العربية، وفي اللَّبْرَلَة الاقتصادية من دون لَبْرَلَة سياسية، وفي دور ما يسميه "الثورات الإصلاحية" والفرق بينها وبين الثورات التي تتسلم قيادتها الحكم، وفي سوء فهم الإصلاحات غربيًا باستخدام مفهوم المجتمع المدني في حال قصره على المنظمات غير الحكومية، وفي الإجابة عن السؤال: لماذا لم تفقد الأنظمة العربية سيطرتها على الإصلاحات، ولم تؤد الإصلاحات إلى شق الأنظمة خلافًا لفرضيات دراسات الانتقال؟ وفي الأخطاء الناجمة عن نسخ نموذج دراسات الانتقال، وفي أن إصلاحات القرن العشرين كانت تجميلية في إطار نظام سلطوي.
في الفصل الرابع عشر، "عن السلطوية وبناء الدولة في بلدان الثورات العربية"، يتناول بشارة دور العنف في عملية بناء الدولة، وتفاوت عناصر الشرعية والعنف في استقرار الدولة. كما يبحث في مسألة جباية الضرائب بوصفها مؤشرًا على قوة الدولة، وفي التفاوت بين الدول العربية والدول الغربية، وفي مركبات السلطوية العربية الحديثة في ما يتجاوز السلطانية، وفي دور الجيش والأمن والحزب الحاكم وأسرة الرئيس، وأخيرًا في العلاقة بين بنية النظام ودرجة قمعيته للثورات.
يميز بشارة في الفصل الخامس عشر، "الجيش وتماسك النظام السلطوي مع ملاحظة عن تشيلي ومصر"، بين الدول العربية التي لم تؤد فيها الثورة إلى انتقال ديمقراطي شارحًا الأسباب، والدول التي وصلت إلى الانتقال الديمقراطي بعد ثورة. كما يدرس أهمية تماسك الجيش وقوى الأمن في مواجهة التغيير، وتماسكهما مع النظام واستعدادهما لاستخدام القمع بوصفه من أهم عوامل صمود النظام السلطوي، ورفض الجيش قمع الثورة في مصر وتونس خلافًا لتعامله في حالات مثل سورية وليبيا وانشقاق الجيش في اليمن، وحصول حروب أهلية في الحالة الثانية، وفي الانقلاب العسكري، وفي تشابه حالتَي تشيلي ومصر وعهدَي أييندي ومرسي، والمسؤولية التي تتحملها الأحزاب السياسية المدنية عن الانقلابات العسكرية. ويبحث في وقع الانتقال في بلدين هما مصر وتونس (مع إشارات مهمة إلى ليبيا)، فلماذا نجحت حتى الآن في تونس وفشلت في مصر؟ فالإجابة عن هذا السؤال حاسمة في فهم شروط الانتقال.
في الفصل السادس عشر والأخير، "التعلم من الفَرْق: تجربتا مصر وتونس"، يفسر بشارة الفرق بين مصر وتونس في نتائج عملية الانتقال، قائلًا إن مقاربات التحديث تفشل في تفسير الفرق، وإن الفرق في النتائج على الرغم من تشابه الحالتين قد يصلح في التأسيس النظري لبعض قواعد الانتقال عربيًا. يتناول هذا الفصل الفرق بين البلدين في دور الجيش وغاياته وفي ثقافة النخب السياسية وتوجهاتها، ومخاطر العفوية ومخاطر انجرار قادة المعارضة إلى الشعبوية في مرحلة الانتقال ومسؤولياتها الجسيمة، وأهمية وحدة قوى التغيير في مرحلة الشرعية الثورية، ومخاطر الحكم بأغلبية ضئيلة في مرحلة الانتقال قبل ترسيخ النظام الديمقراطي، وضرورة أن تحسم الحركة الإسلامية التي ترغب في المشاركة في النظام الديمقراطي مسألة أولوية إنجاح الديمقراطية على البرنامج السياسي، مركزًا على الفرق في الوزن الجيوسياسي للبلدين والدور السلبي للعوامل الخارجية في مصر. وينتهي إلى أنه: 1. لا يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي، إذا كان الجيش موحدًا ضده، أو إذا كان لدى الجيش طموح للحكم؛ 2. لا يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي، إذا لم تتفق قوى التغيير على ضرورة إنجاحه، وإذا لم تلتزم إجراءات الديمقراطية وترفعها فوق خلافاتها؛ 3. لا يمكن الحكم بأغلبية ضئيلة في مرحلة الانتقال، إذا كان جهاز الدولة البيروقراطي والقوى السياسية للنظام القديم متحالفين لإفشاله؛ 4. كلما زاد الوزن الجيوستراتيجي للدولة، زاد تأثير العوامل الخارجية السلبية.