المفهوم الفلسفي عند جيل دولوز

13 ديسمبر،2018
المؤلفون
الكلمات المفتاحية

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب زهير قوتال المفهوم الفلسفي عند جيل دولوز، الذي ينظر فيه إلى جيل دولوز بصفته فيلسوفًا شديد الفضول، يهتم بكل ما يشكله حاضره وينتجه عصره؛ إذ وجه جلّ فكره نحو القبض على مساحة حدْثية مرآوية، طاويًا سحر كتابته لتجاوز الأماكن الفارغة من المعنى. وقع الاختيار على المفهوم الفلسفي عنده لأنه أكثر الفلاسفة اشتغالًا على المفاهيم الفلسفية، من خلال حواراته مع كبار الفلاسفة.

يطرح قوتال في كتابه هذا جملة تساؤلات، منها: ما الطريقة التي توسلها جيل دولوز في قراءته التراث الفلسفي؟ كيف تشكل النص الدولوزي؟ ما الخيط الناظم في الكتابة الدولوزية بين الآداب والفلسفة؟ ما علاقة الفلسفة بقطاعات أخرى كالعلم والفن والأدب؟ ما السبيل إلى الخروج من الخواء، والظفر بالاتساق والتماسك؟ ويسعى إلى الإجابة عنها من خلال إقامة مناظرات بين جيل دولوز وفلاسفة آخرين، كأفلاطون وأرسطو وديكارت وكانط وهيغل ونيتشه وهايدغر وغيرهم.

الفلسفة عند دولوز

يتألف الكتاب (230 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة فصول. في الفصل الأول، فلسفة جيل دولوز، يتناول قوتال حياة دولوز وأعماله أو كيف تشكّل العمل الدّولوزي ومسار دولوز الفلسفي، حيث تطرق إلى مسيرة دولوز الفلسفية وتشكل عمله الفلسفي بين تاريخ الفلسفة والأدب؛ كما تناول منهجية دولوز في قراءته التراث الفلسفي وماهية الفلسفة عند جيل دولوز.

يقول: "يعتبر دولوز أن تاريخ الفلسفة ليس قطاعًا تأمليًّا ولا هو بوجه خاص نظرًا، بل هو بالأحرى فن رسم الأشخاص. إلا أن الرسم ليس إلا صورًا عقلية مفهومية، وكما هو الشأن في فن رسم الأشخاص يقوم الرسام بفعل المشابهة ولكن بوسائل مختلفة، ذلك أن المشابهة يجب أن تكون نتاجًا لا وسيلة للإنتاج، فقد نكتفي أو نكرر ما قاله الفلاسفة ولكن بطريقة أخرى وبأسلوب مختلف. فإذا كان دأب الفيلسوف هو الاشتغال على وضع المفاهيم وإنشائها، فإنه في الغالب لا يعلن بصفة كاملة الإشكالات والمسائل التي وضعت من أجلها تلك المفاهيم بقصد الإجابة عنها، من هنا يأتي دور تاريخ الفلسفة، لا أن يعيد ما قاله هذا الفيلسوف أو ذاك، وإنما أن يقول ما لم يقله، ما لم يستطع قوله أو ما غفل عنه أو ما سكت عنه، مع أنه حاضر في قوله ومتنكر خلف منطوقاته".

الإبداع عند دولوز

في الفصل الثاني، نظرية الإبداع عند دولوز، يبحث المؤلف مهمة الفلسفة والإبداع الفلسفي واللغة والأسلوب الفلسفيين. ودولوز لم يعتبر الجماليات والفنون أو الآداب مجالات منفصلة أو بعيدة من اهتماماته، "ففلسفته الإبداعية أو قل فلسفته الفنية تعطي للفنون والآداب مكانة متميزة ومقامًا نواتيًّا، ذلك أن الفلسفة التي تقدم نفسها إبداعًا للمفاهيم، يجب أن تكون منصته - وناظرة - لعمليات التفرد الفني. لهذا، جاء اهتمام دولوز بكل مجال إبداعي، من الأدب والرسم والموسيقى والسينما، وأولى الأدب اهتمامًا كبيرًا".

إلى ذلك، يقول قوتال إن اللغة عند جيل دولوز ليست أداة للفكر وحسب، بل هي أيضًا القالب الذي تتشكل فيه صورة الفكر، حيث إن كل جماعة بشرية تفكر داخل اللغة وبوساطتها وتتواصل من خلالها، فاللغة هي المنظم تجربتَها، وهي بهذا تصنع عالمها وواقعها الاجتماعي والثقافي والعلمي والسياسي.

يضيف: "إن جيل دولوز إذ يدعو إلى تحرير اللغة من اللغة الكبرى، اللغة المقررة الثابتة، إنما يرفض أن تكون هناك سلطة لغوية تجعل من هذه اللغة لسانًا أحاديًا أو نظامًا منغلقًا لا تعدد فيه ولا يطاوله تغيير، فاللغة الثابتة المتجانسة في تركيبها هي لغة نهائية وثوقية لا تسمح بالإبداع ولا بالاختلاف، فالأصل في اللغة هو التغير والتنوع، فلا تجانس داخل اللغة، وما تقوم به دراسات لسانية في محاولة منها لتقنين اللغة عبر تجريد تلك المتغيرات اللامتجانسة وجعلها أو قل حصرها في متغير واحد ونمط واحد، أو جعلها جملة من الثوابت، فإنه عمل ينم عن جعل اللغة تخضع للعلم، وهو ما يخالف طبيعتها".

المفهوم عند دولوز

الفصل الثالث، نظرية المفهوم الفلسفي، يبحث قوتال في طبيعة المفهوم الفلسفي ومحدداته من خلال نظرية دولوز الفلسفية، متناولًا أنطولوجيا المفهوم الفلسفي وخصائصه، ومقام المواجدة والشخصيات المفهومية.

يقول المؤلف: "إن المفهوم الفلسفي، بحسب دولوز، هو الذي يقوم بتشكيل البعد الروحي للواقع ترتيبًا وتنظيمًا، لهذا فهو كموني واقعي، فالمفهوم الفلسفي غير المفهوم العام، فالتجربة المشكلة بوساطة الفلسفة والفلسفات عمومًا، ليست هي التجربة المشكلة من طريق الذات المتعالية، ثم إنّ التشكل هو في حقيقته إعادة تشكيل مستمر، فكل تشكيل هو إعادة لتشكيل سابق، فلا تشكيل أوليًّا أو أصليًّا له.

تحت عنوان "مقام المواجدة"، يقول قوتال: "إذا كانت المفاهيم هي التي تشكل بداية الفلسفة، فإن مقام المواجدة بالنسبة إلى دولوز يشكل مرحلة التأسيس أو قل طور التدشين؛ ووفق هذا التقرير، فإن المقام هو الخلفية التي يستند إليها الفيلسوف في إبداع مفاهيمه، إنه ما قبل الفلسفي. لا يفيد لفظ ’القبل‘ لدى دولوز المعنى الزمني أو قل النسق الزمني، وإنما يعني أنه لا يمكن أي فلسفة أن تتقوم وتتشكل بوساطة إبداع المفاهيم فقط، بل لا بد لها من أرضية، من تربة يتم فوقها النشاط الفلسفي، بحيث تزود هذه الأرضية الفيلسوف بالمساحة اللازمة لوضع المفاهيم وحركتها".

اقــرأ أيضًــا

فعاليات