نظمّ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية المنتدى السنوي لفلسطين في دورته الأولى خلال الفترة 28–30 كانون الثاني/ يناير 2023. وقدّم باحثون فلسطينيون وغير فلسطينيين، من أنحاء العالم كلّه أوراقا بحثية تتعلق بالموضوع الفلسطيني. وتتوزع هذه الأوراق البحثية على مواضيع متعلقة بفلسطين وتاريخها، والقضية الفلسطينية، ونظام الأبارتهايد والاستعمار الاستيطاني، وفلسطين في العلاقات العربية، وفلسطين في العلاقات الدولية، وغيرها من القضايا ذات الصلة.

إلى جانب عرض 62 ورقة علميّة محكّمة في 17 جلسة، ضمّ المنتدى ستّ ورشات عمل عامّة شارك فيها عدد من الأكاديميين والناشطين السياسيين والصحافيين البارزين، إضافةً إلى إطلاق ثلاثة مواقع تفاعلية حول القضية الفلسطينية، هي: موقع "ذاكرة فلسطين"، وموقع "القدس: القصة كاملة"، وموقع "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية" PalQuest. كما تزامنت مع المنتدى أعمال ندوة دورية أسطور "الكتابة التاريخية في فلسطين" التي قدّم فيها 16 باحثًا وباحثة أوراقهم البحثية.

اليوم الأول

أهمية المنتدى وأهدافه

استُهلّ المنتدى بجلسة افتتاحية، قدّمتها آيات حمدان، منسقة منتدى فلسطين والباحثة في المركز العربي، التي أشارت في كلمتها الترحيبية إلى أنّ هذا المؤتمر الأكاديمي يمثّل فرصةً للمهتمين بقضية فلسطين وسياقاتها الإقليمية والعالمية للالتقاء وتبادل وجهات النظر، ويُعدّ أيضًا رافدًا مهمًّا للبحث العلمي بشأن فلسطين والقضايا العديدة المرتبطة بها، ويعزز مركزية قضية فلسطين والاهتمام العربي والدولي بها. كما أتاح المنتدى مساحةً للحضور من دون أوراق، لإتاحة الفرصة للمهتمين بقضية فلسطين وسياقاتها، للقاء باحثين فلسطينيين وعرب وأجانب، والحوار معهم. وأشارت حمدان إلى مساهمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية المختصة بالشأن الفلسطيني وكذلك المركز العربي، في بحث القضية الفلسطينية بجوانبها المتعددة، من خلال توفير شروط كتابة أكاديمية جادّة وتنشيط النشاط العلمي للكتابة عن فلسطين، مبرزةً أنّ المركز العربي كرّس سبعة مؤتمرات أكاديمية حول القضية الفلسطينية، ونشر نحو 120 دراسة علمية محكّمة في الدوريات الصادرة عنه، وعشرات الكتب، وعشرات أوراق تقييم الحالة وتقدير الموقف التي تتابع التطورات السياسية المتعلقة بفلسطين وتحللها، كما يخصّص استطلاع المؤشر العربي أسئلةً تتعلق بفلسطين وموقع القضية الفلسطينية في الرأي العام العربي، وبدأ المركز العمل على مشروع "الذاكرة الفلسطينية" الذي يُعدّ أرشيفًا يوثّق التاريخ الفلسطيني وتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، والذي سيشهد المنتدى إطلاقه، فضلًا عن غيره من الإصدارات والمشاريع.

بدأ الدكتور طارق متري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الكلمة الافتتاحية للمنتدى بتأكيد الشراكة بين مؤسسة الدراسات الفلسطينية والمركز العربي، موضحًا أنها علاقة طبيعية تتوثق يومًا تلو الآخر، كونها قائمةً على مداميك ثلاثة ثابتة، تتمثل في أن المؤسستين معنيتان بالقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي بجوانبه المختلفة، ولأنهما مؤسستان عربيتان، بمعنى تربطان دراسة قضية فلسطين ببعدها العربي وبموقعتها ضمن القضايا العربية، ومن زاوية تشدد على الهوية العربية، وأن الصراع مع إسرائيل ليس صراعًا فلسطينيًا بالمعنى الحرفي للعبارة، بل هو صراع عربي - صهيوني، ولأنهما مؤسستان مستقلتان بالمعنى الفكري، تنجزان أعمالهما البحثية من دون تحيزٍ أيديولوجي أو حزبي، وهذا ما يؤكده تنوّع الحضور وأوراق المشاركين في هذا المنتدى، الذين يطرحون في بحوثهم الكثير عن القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، كبيرها وصغيرها؛ ما نعرف عنه الكثير وما يستحق قراءةً ثانية؛ ما لم يدرس بعد وما دُرسَ، ولكنه في حاجة إلى المزيد من البحث. 

عزمي بشارة محاضرًا حول القضية الفلسطينية وأزمة المشروع الوطني الفلسطيني

ألقى الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي، المحاضرة الافتتاحية للمنتدى، التي تطرّق فيها إلى العلاقة بين الخطاب الأكاديمي بشأن فلسطين والتأثير في صنع القرار، وضرورة وجود إطار عام يجمع الفلسطينيين من شتّى أماكن وجودهم، بهدف فتح سبل التواصل بين الفلسطينيين، وبينهم وبين باحثين وناشطين عرب وأجانب، على نحوٍ يؤسس لحوار عقلاني منتظم ومسؤول، عن فلسطين وتاريخها، والقضية الفلسطينية، ونظام الأبارتهايد والاستعمار الاستيطاني، وفلسطين في العلاقات العربية والعلاقات الدولية، وغيرها من القضايا ذات الصلة. كما تناولت المحاضرة أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، والاستراتيجية المأمول أن ينخرط الفلسطينيون فيها، وذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة الرئيسة التالية: ما اعتبارات عقد منتدى سنوي لفلسطين؟ وما مدى الحضور الفعلي لقضية فلسطين على جدول الأعمال الرسمي العربي والدولي؟ وهل تغيّرت اتجاهات الرأي العامّ العربي بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن فهم أزمة حركة التحرر الوطني الفلسطيني في ظل تغيّر الوضع الإقليمي والانشقاق السياسي – الجغرافي للشعب الفلسطيني؟ وما العمل وما البديل للخروج من هذا المأزق؟

الاستعمار الاستيطاني في فلسطين: القضية الفلسطينية دوليًا

انعقدت الجلسة الأولى للمؤتمر في ثلاثة مسارات فرعية متوازية. ترأّس مروان قبلان جلسة بعنوان "الاستعمار الاستيطاني: حالة فلسطين"، وشارك فيها أربعة باحثين. حاجّ نديم روحانا أنه في حين يجسد المشروع الصهيوني دولة يهودية حصرية في فلسطين، فإن التعبير الصريح عن هذا الأمر في الخطاب السياسي الإسرائيلي يساهم في الوضوح المفهومي لطبيعة المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين من حيث العلاقة بين اليهود والفلسطينيين الأصليين. في السياق ذاته، أكّد مارك مهند عياش على ضرورة تفحّص آثار المشروع الصهيوني وإيلاء التجربة الفلسطينية وزنها التحليلي المناسب ووضعها في مقدمة التحليل، لا بوصفها ما يمكن أن يلقي الضوء على "العواقب غير المقصودة" للصهيونية، بل باعتبارها ما يكشف منطق الصهيونية والمشروع الصهيوني وطبيعتهما ذاتها. أمّا كارولين لاند، فتناولت كيف أنّ إسرائيل، باعتبارها نظامَ حكم استعماريًا استيطانيًا، تُنتج وتنشر الروايات المتعلقة بالمجتمع المدني الفلسطيني ومقاومته. بينما حللت زينة جلاد منح إسرائيل الجنسية للسامريين الذين يبلغ عددهم أقلّ من 500 نسمة ويعيشون في الأراضي المحتلة في نابلس، بوصفه أحد أشكال الضمّ غير الإقليمي.

وفي جلسة "فلسطين في القانون الدولي"، التي ترأّسها محمد علوان، قدّم ثلاثة باحثين أوراقهم. ركّز الحسين شكراني على تحديد الإكراهات التي يتعرض لها الفلسطيني، مع الاهتمام بالفرص التي يمكن أن توفّرها الآليات الدولية من أجل ضمان الحق في العيش في بيئة مستدامة. بينما تطرّق سيف يوسف إلى حق العودة في الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة 194 (III) لعام 1948، وكيف يمكن أن تعرّض الحلول الدائمة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الفلسطينيين في العودة للخطر والآثار المترتبة على ذلك تجاه أولئك الذين من المفترض حمايتهم. أمّا محمد الوادراسي فحاول في ورقته الكشف عن العقبات التي تواجه تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية وصعوبات تطبيق العدالة الجنائية في الأراضي الفلسطينية.

وانعقد المسار الأخير للجلسة الأولى، الذي ترأّسه عبد الوهاب الأفندي، بعنوان "القضية الفلسطينية في السياق الدولي"، وشارك فيها أربعة باحثين. تعرّضَ مايكل ر. فيشباخ في ورقته إلى تفاصيل دعم الناشطين الهنود واللاتينيين في الولايات المتحدة للفلسطينيين بدايةً من ستينيات القرن العشرين. وتقصّى عبد الله موسوس الخيوط الرابطة بين وجود إسرائيل في فلسطين التاريخية ووجود الهند في كشمير المحتلة فيما يخص علاقتها بالاقتصاد العالمي. أمّا نوغ نيوي أسانغا فون، فبحث في ورقته العلاقة المتنامية بين إسرائيل وأفريقيا في الفترة 1950-2022، وردّ الفعل الفلسطيني على هذه العلاقة. وعالجت منى عوض الله في ورقتها، إشكالية الديمقراطية في الكيانات الاستعمارية، في ضوء نظرية العدالة عند جون رولز، بتطبيقها على نموذج النظام السياسي الإسرائيلي القائم اليوم.

التقنيات الاستعمارية الأمنية وأنماط المقاومة الفلسطينية

انعقدت الجلسة الثانية للمؤتمر في ثلاثة مسارات فرعية متوازية أيضًا. في الجلسة التي ترأّستها سناء حمودي "فلسطين أمنيًا: جوانب من التقنيات الاستعمارية"، تتبع يوسف منير أصول نهج سياسة الحكومة الإسرائيلية في بناء شبكة قمع عابرة للحدود، وشرح آلية عملها في استهداف معارضي السياسات الإسرائيلية. وتفحّص بيترو ستيفانيني في ورقته البنية العسكرية - المدنية الإسرائيلية المسمّاة وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق "COGAT" في نمطها الإنساني من الحكم الاستيطاني. وكشفت نور عرفة في ورقتها أن الولايات المتحدة أدخلت من خلال برنامجين لتيسير التجارة "TFPs" شرطًا جديدًا لنموّ الأعمال التجارية بمطالبتها رجال الأعمال المستفيدين بأن يصبحوا فاعلين في مكافحة التمرد. أمّا أريج صباغ-خوري، فحددت في ورقتها معالم العمليات المعقدة التي يتعرض لها الفلسطينيون في القدس، والأفعال السياسية لهؤلاء الفلسطينيين في ضوء غياب السيادة السياسية الفلسطينية.

وفي جلسة "أنماط في المقاومة الفلسطينية"، التي ترأّسها سلام الكواكبي، بيّن طارق راضي أنّ تمرد الفلاحين خلال الثورة الكبرى في فلسطين (1936-1939) ضرب العمليات الأساسية التي كانت تمكّن حكومة الانتداب من إعادة إنتاج نفسها. أمّا خالد عنبتاوي، فتتبّع هبّة الكرامة 2021 في أراضي عام 1948 بوصفها تعبيرًا عن فصلٍ جديد في العلاقات بين المجتمع الفلسطيني في الداخل والمؤسسة الصهيونية، مركّزًا على ملامح الهبّة سوسيولوجيًا وتحولات فلسطينيّي الـ 48. وقدّم أحمد أسعد قراءة تحليلية لتصاعد ظاهرة المقاومة في فلسطين، مجادلًا أنّ الهبّات التي اندلعت في فلسطين، خلال الفترة 2013-2022، لها سماتها وأنماطها وأدواتها وفواعلها، التي جعلت منها هبّات انتفاضية محدودة زمانيًا ومكانيًا غير قادرة على محو الاستعمار والتحرر. وقدّم الورقة الأخيرة في هذه الجلسة، مصطفى شتا وأيمن يوسف، التي حاولا فيها إعادة موضعة مفهوم المقاومة الثقافية في سياق تجربة المسرح الوطني الفلسطيني على اعتبار أنه جزء أصيل من الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

أمّا جلسة "فلسطين في الخطاب الأكاديمي/ المعرفي"، التي ترأّسها إبراهيم فريحات، فضمّت أربع أوراق. قدّم إيلان بابيه الورقة الأولى، التي تقفَّى فيها ظهور حقل استقصاء أكاديمي جديد وتطوره، وهو الدراسات الفلسطينية، متطرقًا إلى إنجازاته وتوجهاته المستقبلية. وفي سياق متصل، بحث بلال سلايمة في ورقته، كيفية مقاربة المسألة الفلسطينية في الأوساط الأكاديمية التركية من خلال التركيز على أطروحات الماجستير والدكتوراه حول القضية الفلسطينية، التي كُتبت في أقسام العلوم السياسية و/ أو العلاقات الدولية في الجامعات التركية في الفترة 1990-2021. أمّا عبد الله أبولوز، فبحث في ورقته تمثّلات القضية الفلسطينية في مناهج المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أنّ التغيرات في التوجهات السياسية السعودية في العقد الأخير أحدثت انعطافات جذرية في تمثيل القضية الفلسطينية وشعبها في المناهج المدرسية. وقدّمت الورقة الأخيرة في هذه الجلسة سجى الطرمان، عن حقل السياسات العامة في السياق الفلسطيني وإنتاج المعرفة المرتبطة به، مبينةً أنّ التعامل مع الإنتاج المعرفي للمنظمات الحكومية استنادًا واقتصارًا على أثر بنية نظام المساعدة هو من باب التعميم المبسط.

فلسطين في استطلاعات الرأي والانقسام السياسي الفلسطيني

نظّم المنتدى في نهاية اليوم الأول ورشتَي عمل. ترأّس ورشة العمل الأولى "فلسطين في استطلاعات الرأي" مهدي مبروك، وتحدّث فيها شبلي تلحمي عن التحول في المواقف الأميركية تجاه فلسطين/ إسرائيل وانعكاساتها على صنع السياسات، بينما تحدث محمد المصري عن اتجاهات الرأي العام العربي تجاه القضية الفلسطينية، استنادًا إلى استطلاع المؤشر العربي الذي ينفذه المركز العربي. وترأّس غسان الكحلوت ورشة العمل الثانية، التي قدّم فيها محمد أبو نمر ولورد حبش وتامر قرموط أفكارهم حول الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني وآفاق المصالحة.

اليوم الثاني

فلسطين: مقاربات حول الهوية والتنمية والثقافة

انعقدت الجلسة الثالثة للمنتدى في ثلاثة مسارات فرعية متوازية. ترأست آية راندال جلسة عنوانها "في سوسيولوجيا الهوية الفلسطينية"، وقد شارك فيها خمسة باحثين. اقترح رامي رميلة في ورقته إطارًا مفهوميًّا بديلًا ينشّط الصمود الذي يمكن أن يغيّر واقع الفلسطينيين تحت الاضطهاد خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال حالة مخيم برج البراجنة في لبنان. وفي السياق ذاته، جادلت نور بدر، من خلال دراسة حالة مخيم الوحدات في الأردن، بأنّ الهوية المخيماتية تُفهم اعتمادًا على المكانية والزمانية، وبيّنت كيف أن مكانية الهوية تتجسد من خلال "كرت المؤن"، أمّا زمانية الهوية فتُجسد من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، في حين حاجَّ أحمد مأمون وزهراء شبانه، في ورقتهما المشتركة، بأنّ أحد الأهداف الرئيسة من الحصار المفروض على قطاع غزة، وممارسة إسرائيل للعنف بأشكاله البطيئة والموسمية والنسقية، هو خلق حالة هجرة تدريجية تخلّ بتركيبته السكانية، وتخفّض معدلات الخصوبة. ومن ناحية أخرى، بيّنت إليزابيث مارتين أنّ تغيرات التاريخ القريب أحدثت تجديدًا في التعبيرات الدينية المسيحية الفلسطينية القديمة أعادت الجماعة من خلاله ابتداع ذاتها، وتكييف لاهوتيتها وممارساتها مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتغيرة.

وفي جلسة "خطاب التنمية في فلسطين والعنف الاستعماري"، التي ترأسها طارق دعنا، قدّم خمسة باحثين أوراقهم. جادل حسن أيوب وعليان صوافطة في ورقتهما المشتركة، بأنّ الاستعمار الاستيطاني، من خلال منظومات السيطرة الخاصة به (أدوات القوة المادية والإكراهية)، عمل على خلق بنى اقتصادية غير تنموية في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1976، بينما بيّن أشرف بدر في ورقته أنّ اعتبار السلطة الفلسطينية نيوليبرالية يتضمن مغالطة منطقية؛ من حيث ربط المقدمات بالنتائج، ومن حيث إن وصمها بالنيوليبرالية يتناقض مع دورها الوظيفي. وفي السياق ذاته، حاجّ عبد الرحمن مراد بأنّ الخطاب المضاد للهيمنة بُنيَ لزعزعة احتمال تطبيق السياسات والممارسات النيوليبرالية غير السياسية في بيئة سياسية معاكسة، وبناء هوية وطنية تتطلب تكامل الاعتماد على الذات وتقرير المصير في الوعي الفلسطيني. أمّا مارتا باريجي، فبيّنت في ورقتها كيف أنّ العنف البنيوي الاستعماري المتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية يعرقل تحصّل الفلسطينيين على أنظمة غذائية صحية ومتنوعة.

وبرئاسة عصام نصّار، انعقد المسار الأخير للجلسة الثالثة بعنوان "فلسطين: جوانب تاريخية"، وشارك فيه ثلاثة باحثين. قدّم عادل مناع في ورقته نموذجًا لتحولات الهوية الجمعية من العثمانية إلى الجامعة العربية من خلال تسليط الضوء على سيرة أحمد حلمي باشا عبد الباقي (1882-1963) ومسيرته. ومن خلال الاعتماد على الإعلانات الثقافية التي نشرت في صحيفتَي "الكرمل" (التي كانت تصدر في حيفا) و"فلسطين" (التي كانت تصدر في يافا)، رصد جوني منصور في ورقته ملامح المشهد الثقافي الفلسطيني، وخصوصًا في المدن المركزية (يافا والقدس وحيفا) في فترة الانتداب البريطاني (1918-1948). وفي سياق متصل، قدّم علي أسعد في ورقته لمحة تاريخية عن إقامة المعارض الفلسطينية في القرن العشرين؛ بوصفها ممارسةً اجتماعية هدفت إلى تحفيز المجتمع في أعقاب النكبة، وبوصفها شكلًا من أشكال المقاومة السياسية داخل شبكات التضامن المناهضة للإمبريالية في العالم الثالث.

في الاقتصاد والديموغرافيا والذاكرة الفلسطينية

انعقدت الجلسة الرابعة للمنتدى في ثلاثة مسارات فرعية متوازية أيضًا. ففي الجلسة التي ترأسها أيهب سعد "في الاقتصاد الفلسطيني"، بيّن رجا الخالدي وإسلام ربيع في ورقة مشتركة أنّ العلاقات الاقتصادية بين الفلسطينيين على طرفَي الخط الأخضر لم تبلغ حد التكامل والتنسيق أو اقتسام الأدوار، وأن هذه العلاقات لا تزال على اختلاف أشكالها وأنماطها رهينةً للسياسات الإسرائيلية والحالة الأمنية والمنفعة الاقتصادية. وعالج رابح مرار ورند جبريل في ورقتهما سبل النهوض بقطاع الشركات الناشئة في فلسطين وآثاره المحتملة في المالية العامة. أمّا عرين هواري وسامي محاجنة، فدرسَا في ورقتهما ديناميات العلاقات التجارية بين الفلسطينيين، من داخل الخط الأخضر ومن جنين، محاولةً لفهم الأثر الذي يتركه التفاعل التجاري اليومي في هويّة المجتمع الفلسطيني، وفي نسيجه الاجتماعي ووحدته السياسية.

وفي جلسة "في الديموغرافيا الفلسطينية"، التي ترأسها مجدي المالكي، حاول يوسف كرباج وحلا نوفل في ورقتهما المشتركة إلقاء نظرة عامة على السكان الفلسطينيين في العالم، وذكرَا أنّ عددهم يصل اليوم (عام 2023) إلى 15 مليون نسمة، وأنهم منتشرون في كل أصقاع الأرض. وفي السياق ذاته، تطرّق محمد دريدي في ورقته إلى الواقع الديموغرافي للسكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية وداخل الخط الأخضر، وتوقعاته المستقبلية. وانتقالًا إلى حالة القدس، جادل ثائر هستنجس، بأنّه رغم عدم نجاح إسرائيل في تهدئة "الأزمة الديموغرافية" المتعلقة بتراجع الأغلبية اليهودية في القدس، فإنها نقلت "الأزمة" إلى الفضاءات الحميمية في منازل سكان المدينة الفلسطينيين وحياتهم اليومية.

أمّا جلسة "جوانب من الذاكرة الفلسطينية: من النكبة إلى المخيمات"، التي ترأسها هاني عوّاد، فضمّت ثلاث أوراق. بحثت آزادي سوبو، في الورقة الأولى، الانتهاكات المنهجية والواسعة النطاق لحقوق الإنسان في أعقاب تدمير مخيم نهر البارد في عام 2007، مُستخدمةً إبادة المدن أداةً نظرية ومنهجية للتحقيق على نحوٍ سياقي في مختلف الروايات التي تصوّر ذكريات المخيم ما بعد الحرب ودينامية المواجهة الفردية والجماعية لانتهاكات الماضي. وتتبعت رهام عمرو، في ورقتها، شعور الفلسطيني تجاه صدمة لحظة الانسلاخ عن أرضه، وذلك من خلال قراءة مذكرات المثقف الفلسطيني والشهادات الشخصية للفلاح الفلسطيني أيضًا. وفي السياق ذاته، بيّنت رولا سرحان كيف أنه جرى توظيف ذاكرة الهزيمة عربيًّا، وتحديدًا هزيمة 1967، في إنتاج متخيلات اجتماعية وسياسية؛ سواء على الصعيد العربي عمومًا، أو على الصعيد الفلسطيني على وجه الخصوص.

التضامن مع فلسطين في السياق الغربي

نظّم المنتدى في نهاية اليوم الثاني ورشتَي عمل. ترأس ورشة العمل الأولى خليل جهشان، وقدّم فيها أسامة أبو ارشيد، وأحمد أبو زنيد، وماليا بوعطية، وماجد أبو سلامة، أفكارهم حول واقع التضامن مع فلسطين في السياق الغربي، وتغيراته والتحديات أمامه، متطرقين إلى تحولات الخطاب المتعلق بالقضية الفلسطينية إيجابيًّا في الولايات المتحدة وأوروبا، في مقابل سعي الأحزاب والمؤسسات الداعمة لإسرائيل إلى وسم أيّ نشاط داعمٍ لفلسطين ومُنتقدٍ لإسرائيل وسياستها الاستعمارية بأنه "مُعادٍ للسامية". وقد جرت الإجابة عن عددٍ من الأسئلة الرئيسة، ومنها ما يلي: ما القوى السياسية التي تتخذ موقفًا داعمًا للقضية الفلسطينية في السياق الغربي؟ أما زالت تلك القوى متمركزة في اليسار؛ خاصةً اليسار الأوروبي؟ ثمّ أيأتي دعم القضية الفلسطينية نتيجةً للصراعات الداخلية في الغرب والنضال ضد الهيمنة الأميركية، أم أنه لا يتأتى إلّا من كونها قضية عادلة؟ وما الأشكال الجديدة التي اتخذتها الحملات الداعمة لفلسطين؟ وما ملامح التضامن الغربي مع فلسطين في الإنتاج الفكري والثقافي والفني؟ وكيف تختلف القيود المفروضة على تعبيرات التضامن مع فلسطين من دولة إلى أخرى؟ وكيف يتأثر التضامن بوجود سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة؟ وما الدروس المستفادة من تجارب التضامن الحالية؟ وكيف يمكن البناء عليها مستقبلًا؟

إطلاق ثلاثة مواقع إلكترونية تفاعلية حول القضية الفلسطينية

شهدت ورشة العمل الثانية إطلاق ثلاثة مواقع إلكترونية تفاعلية حول القضية الفلسطينية. أطلق بلال شلش، الباحث في مشروع توثيق القضية الفلسطينية في المركز العربي، موقع "ذاكرة فلسطين" في مرحلته الأولى، وهو مشروع غايته الإسهام في تاريخ فلسطين وتوثيق حركتها الوطنية، من خلال تأسيس قاعدة بيانات رقمية، تحفظ أرشيفات كيانات وهيئات سياسية، وجمعيات محلية، ومجموعات شخصية، وأوراقًا عائلية. وتضمُّ المجموعات الأرشيفية الرئيسة للموقع: المجموعات الخاصة، والمنظمات السياسية، وصحفًا ومجلات، وشهادات وروايات شفوية، وسجلات المحاكم الشرعية، والديوان. ويشمل الموقع في مرحلته الأولى نحو 17 ألف مادة، تقعُ في: 24 مجموعة خاصة (تضمّ 8630 مادة مفهرسة في نحو 26 ألف صفحة)، وأدبيات ووثائق لثماني عشرة منظمة سياسية فلسطينية (تتضمّن 1234 مادة مفهرسة)، و42 مجموعة للصحف والمجلات (تشملُ 934 مجلة و303 نشرة و1319 صحيفة)، ونحو 76 شهادة ورواية شفوية، و2959 مادة مفهرسة (مجموعات فردية ووثائق أردنية وصهيونية وأميركية وعثمانية، ووثائق هيئات دولية) في باب الديوان، و483 سجلًّا للمحاكم الشرعية. إضافةً إلى الفهارس، التي تضمُّ في "باب الأعلام" 570 شخصية، وفي "باب الأماكن" 408 مكانًا، وفي باب "الموضوعات" 235 موضوعًا، وفي باب "مستعمرون ومستعمرات" 52 شخصية.

أمّا خالد فراج، مدير عام مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فقد أطلق موقع "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية" PalQuest، وهو مشروع رقمي أعدته مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالاشتراك مع المتحف الفلسطيني، يهدف إلى عرض تاريخ فلسطين الحديث منذ نهاية الحقبة العثمانية، ويضم مسردًا عامًّا للأحداث، وإضاءات على تطورات سياسية وعسكرية، وسيَرًا لشخصيات فلسطينية سياسية وثقافية، إضافةً إلى مئات الوثائق التاريخية والصور والخرائط، ونبذة عن القرى التي تهدمت خلال النكبة، مع ربطها بنظام معلومات جغرافية.

وقدمت كيت روحانا عرضا عن موقع "القدس: القصة كاملة"، الذي أطلقه المركز العربي في شهر حزيران/ يونيو 2022. وهو موقع متخصص في تاريخ القدس المحتلة، ويعرض الرواية العربية لهذه المدينة باللغة الإنكليزية؛ إذ يخاطب الباحث والقارئ الغربي، ويقدّم له الحقائق والمعلومات المتعلقة بالمدينة المحتلة، والصراع الذي يدور حولها وعلى أراضيها، ويُقدّم مواضيع تحليلية ذات طابع أكاديمي، ثمّ إنه في إمكان الباحث والقارئ الاطلاع على سير ذاتية تتناول حياة المقدسيين الذين قدّموا مساهمات مختلفة للمدينة، فضلًا عن نسيجها المجتمعي عبر التاريخ.

اليوم الثالث

الاستعمار الاستيطاني في فلسطين: قضايا الجندر والتطهير العرقي واللغوي

عُقدت الجلسة الخامسة للمنتدى في ثلاثة مسارات فرعية متوازية. ترأّست آيات حمدان المسار الأول بعنوان "الاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي واللغوي"، وشارك فيها ثلاثة باحثين. درس نزار أيوب في ورقته سياسة التطهير العرقي الممنهج وعلاقتها بتعزيز منظومة الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، من حيث إنها تُبقي على أغلبية سكانية يهودية مهيمنة في فلسطين عمومًا، وفي القدس خصوصًا. وفي السياق ذاته، عرضت لينا أوبرماير سياسات إسرائيل المُتمثّلة في الإقعاد والإيهان المُتعمّدَين خلال مسيرة العودة الكبرى في غزة (آذار/ مارس 2018-كانون الأول/ ديسمبر 2019)، والتي تسبّبت بإصاباتٍ وإعطاباتٍ جماعية عن سابق إصرار، منوهةً بأنه يجب النظر إلى هذه السياسات بوصفها جزءًا من منطق التصفية الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. أمّا ساول ج. تاكاهاشي، فتناولت وجوب الاعتراف بحقّ الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية (فلسطينيو الـ 48) في أن يتحدّثوا باللغة العربية في تعاملهم مع دولة إسرائيل، وهذا حق مُعترف به بصفته حقًا أساسيًا لحماية جميع حقوق الإنسان الأخرى.

وفي مسار "حالات فلسطينية من منظور الجندر"، الذي ترأّسته فردوس العيسى، فقدّمت فيه أربع باحثات أوراقهن. ركزت ها باو نجان دونغ على فريق سباق السيارات "الأخوات السريعات" في فلسطين، وجادلت بأنّ الرياضة والسرعة والحركة تولّد فضاءات عاطفية محددة الطبقات للمقاومة، وبناء الجماعة وسط التفتيت الاستعماري للنسيج الاجتماعي والجغرافيا والسياسة الفلسطينية. في حين سعت كميليا إبراهيم-دويري لتحليل خطاب العزّاب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في ظلّ المنظومة البطريركية السائدة في المجتمع، مدّعيةً أنّ حالة العزوبية ترتبط بواقع الاضطهاد القومي والتمييز العنصري. أمّا سهاد ظاهر-ناشف وعرين هواري فتوصلتا في ورقتهما المشتركة، من خلال دراسة التجربة المعيشية للنساء الفلسطينيات من المناطق المحتلة عام 1967 المتزوجات والمقيمات داخل "الخط الأخضر"، أنّ النساء يجدن دعمًا معنويًا وماديًا من الأزواج وعائلاتهم، وهنّ غالبًا زوجات وحيدات، ولكنهنّ، في الوقت ذاته، يواجهن صعوبات سياسية تحرمهنّ حقوقًا أساسية في الصحة والتعليم، وصعوبات مجتمعية تكرّس شعورهن بالغربة.

عُقد المسار الأخير للجلسة الخامسة، الذي ترأّسه عصام نصار، بعنوان "فلسطين: جوانب تاريخية"، وشارك فيه ثلاثة باحثين. هدف محمد مرقطن في ورقته إلى عرض بعض جوانب علم الآثار الاستعماري بما فيه علم الآثار التوراتية التي شكّلت مقولاته الركيزة الأساسية للرواية الصهيونية. وحاول بلال شلش مراجعة مخرجات مشاريع الرواية الشفوية بحثًا عن انعكاس حضور التأريخ العسكري للحرب في هذه الروايات الشفوية، مستنتجًا أنّ الروايات الشفوية المسندة لهذا الصنف من التأريخ بقيت محدودة. أمّا محمد عثمانلي، فبحث في ورقته ماهيّة القضية الفلسطينية في ذهنية البيروقراطية العثمانية المركزية، من خلال أحد أهم أسبابها المتشكّلة عبر الهجرة اليهودية السياسية الأولى إلى الأراضي الفلسطينية بوصفها هجرة سياسية مقصودة.

فلسطين في مرآة البيئة والخطاب الأدبي

عُقدت الجلسة السادسة للمؤتمر في مسارين فرعيين متوازيين. في المسار الذي ترأّسه محمد أبو زينة "الاستعمار الاستيطاني والتأثير في البيئة والزراعة في فلسطين"، بحثت خلود العجارمة كيف زرع المزارعون الفلسطينيون التبغ آليةً للمطالبة بملكية أراضيهم في مواجهة السياسات الاستعمارية الإسرائيلية المتواصلة وشكلًا من أشكال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وسعت روان سمامرة لفهم كيفية توظيف الممارسات الاستعمارية الإسرائيلية وتشابكها باعتبارها تغييرًا وصنعًا للمشهد الطبيعي واستخدام القانون والسياحة مع المناطق المحمية. وحاولت ياسمين قعدان في ورقتها دراسة البيئة في زمنية الفلاح الفلسطيني، من خلال تتبّع مسارات الحركة في القرية الفلسطينية من الأسماء المحلية للأرض التي تحيط بالفلاحين وتعطيهم علائقية بمعانٍ متعددة ومتناقضة تحت الواقع الاستعماري.

وفي المسار الآخر بعنوان "فلسطين في الخطاب الأدبي"، الذي ترأّسه حيدر سعيد، قدّم أسعد الصالح قراءة جديدة في نص فدوى طوقان "رحلة جبلية: رحلة صعبة" من خلال موقعته في تصنيف السيرة الذاتية لـ "المشردين". أمّا عبد الرحمن أبو عابد، فبيّن كيف تدور معظم الكتابات السيرية في الأدب العربي بين التوفيق والتلفيق لما يجدُّ في الأكاديمية غرب الأوروبية وشمال الأميركية من نقاشات، أبرزها نقاش الجنس الأدبي وسؤال الذات الذي بدأ بمركزيتها وانتهى بزعزعتها، وصولًا إلى عولمة مفهوم كتابات الحياة. ودرس حسني مليطات في ورقته تمثيل القضية الفلسطينية من منظور المستشرقين الإسبان المعاصرين، منوهًا بأنّ أعمالهم تتضمّن رؤية مهمة في التعبير عن المسار الذي وصلت إليه القضية، ومستنتجًا أنّ المستشرقين الإسبان عمومًا يُبدون اهتمامًا بالقضية الفلسطينية.

فلسطين في الإعلام: عربيًا وغربيًا

نظّم المنتدى في نهاية اليوم الثالث ورشة عمل بعنوان "فلسطين في الخطاب الإعلامي العربي والغربي" ترأّستها آمال عرّاب، وتحدّث فيها خالد الحروب وآلان غريش وبن وايت ويوسف منير، عن طريقة صياغة الخطاب الإعلامي العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، والتحوّلات والتطوّرات التي طرأت على هذا الخطاب، لا سيما بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول/ سبتمبر 2000، وأثر تطبيع بعض الدول العربية في هذا الخطاب، إضافةً إلى موقعة القضية الفلسطينية فيه. كما ناقش المُتحدّثون في الورشة كيفية حضور فلسطين في الإعلام الغربي، مُقدّمين لمحةً موجزة عن تاريخ هذا الخطاب تجاه القضية الفلسطينية، وأهمية التغييرات التي طرأت عليه.

مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني

اختُتِمَت أعمال المنتدى بجلسةٍ حول مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، افتتحها طارق متري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وعزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي، متوجّهَين بالشكر إلى اللجنة التنظيمية للمنتدى في المؤسستَين، وإلى المشاركين والحضور.

وألقت فدوى البرغوثي كلمةً نيابة عن الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي، شدّد فيها على أهمية مثل هذا المنتدى، وعبّر عن شكره لدعوة المشاركة التي تمنحه فرصةً لاختراق أسوار السجن والتعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني ومجتمع الأسرى الفلسطينيين. وأشار البرغوثي إلى أنّ الخطوة الأولى للإجابة عن سؤال ما العمل للخروج من المأزق الوطني وتحقيق المشروع التحرري المتمثل في هزيمة المشروع الاستعماري الإسرائيلي، تبدأ بتشخيص الواقع، كما بيّنت الأوراق المقدّمة في المنتدى وورشات العمل. ثم سلّط البرغوثي الضوء على تحديات رئيسة ينبغي الانتباه إليها فلسطينيًا، والعمل على تجاوزها لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، هي: أولًا، تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده رفضًا للتجزئة الاستعمارية ومحاولة فرض التمييز ضد الفلسطينيين، من خلال تأسيس المؤتمر الفلسطيني العالمي، ليكون إطارًا وطنيًا جامعًا. ثانيًا، ضرورة مراكمة وعي وثقافة وطنية تحررية قادرة على مقاومة التجزئة. ثالثًا، تعريف المشروع الصهيوني على أنه استعمار استيطاني إحلالي مركّب، بهدف بناء الوسائل المناسبة لهزيمته وتفكيكه. رابعًا، التأكيد على البعد القومي العربي والبعد التحرري الإنساني العالمي للقضية الفلسطينية على نحو واضح غير ملتبس. خامسًا، ضرورة التمسُّك بالمقاومة الشاملة من دون التخلي عن أيّ وسيلة، واستمرار المقاومة اليومية للشعب الفلسطيني. سادسًا، إعادة عقد الانتخابات، وإعادة النظر في وظائف السلطة، وإعادة بناء الحركة الوطنية لتشمل حركتَي حماس والجهاد الإسلامي. سابعًا، تكريس مبادئ الديمقراطية وقيمها وسيادة القانون بوصفها ركيزة مستقبل المشروع الوطني.

وأعقب ذلك نقاش ثري، شارك فيه أكاديميون وصحافيون وناشطون، تعرّضوا فيه لجملةٍ من القضايا والأسئلة حول مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني في ظل حالة التفكك والانقسام وغياب أدوار الأحزاب التقليدية والمشاركة السياسية العامة لحساب التفرُّد بالسلطة في منطقتَي الانقسام (الضفة الغربية وقطاع غزة)، ومن ثمّ غياب استراتيجية عمل لمواجهة التطورات الدولية والإقليمية الراهنة، فضلًا عن الأعباء والأزمات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة التي عمّقتها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وغياب دور مؤسسات المجتمع المدني التي أصبحت غالبيتها مرهونة بالتمويل الخارجي وأجنداته. كما تطرّقت إلى آفاق النضال الفلسطيني، وحالة الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، ومشروع الدولة الفلسطينية.