نظّمت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمرها السنوي الثالث في 6 و7 أيلول/ سبتمبر 2023 بعنوان "إيران والتوجّه شرقًا".

تناولت أعمال المؤتمر جذور سياسة إيران في "التوجّه شرقًا" وتداعياتها والتحدّيات والفرص التي تتيحها هذه السياسة. وتطرّق المؤتمر إلى المنظور الإيراني ومنظوراتٍ أخرى في العلاقات الدولية بين إيران والبلدان الواقعة شرقًا من جهة، وبينها وبين بلدان الجنوب العالمي على نطاقٍ أوسع من جهة أخرى. وتناول المؤتمر هذه المواضيع في 24 دراسة توزّعت ضمن 8 جلسات، إضافة إلى محاضرة رئيسة ألقاها سيّد محمد كاظم سجاد بور، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلاقات الدولية في إيران، ومستشار وزير الخارجية الإيراني. 

اليوم الأول

افتتح المؤتمر الدكتور مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي وأستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر. وسلّط، في كلمته الافتتاحية، الضوء على أهمية المؤتمر وانعقاده في الوقت المناسب، نظرًا إلى انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون بوصفها عضوًا كامل العضوية، ودعوتها مؤخرًا للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، ما يستلزم النظر بدقّةٍ أكبر في سياسة إيران في التوجّه شرقًا. أما المحاضرة الرئيسة في المؤتمر فألقاها سيّد محمد كاظم سجاد بور، أستاذ العلاقات الدولية في كلية العلاقات الدولية في طهران، بعنوان "إطار مفاهيمي لفهم تفاعل إيران مع الشرق"، ناقش فيها أسباب تمحور إيران نحو الشرق والتحديات والفرص التي تواجهها.

استعرضت الجلسة الأولى للمؤتمر، بعنوان "إيران وسياسة التوجّه شرقًا"، سياسة إيران في التوجّه شرقًا، فضلًا عن نهج الاتجاه شرقًا الذي تعتمده، والنشأة المحتملة لنظام عالمي جديد. في هذه الجلسة، ناقشت ديانا غاليفا، من جامعة أكسفورد، كيفية مواجهة إيران، من خلال تعاونها مع الصين وروسيا، في إطار سياستها الجديدة، "النظام العالمي الليبرالي"، وكيفية إمكان أن ينشأ نظام عالمي جديد نتيجة هذه التحالفات الجديدة. أما أوليفيا غلومبيتزا، من جامعة برشلونة المستقلة وجامعة كاتالونيا المفتوحة في برشلونة، فتطرّقت إلى السّبل التي تسعى من خلالها إيران إلى بناء الجسور مع جيرانها في الشرق، مثل العراق وباكستان. وناقشت بعض الطرائق الرئيسة التي تكمّل بها إيران سياستها الخارجية بسياسات رمزية، وتحاول بناء العلاقات وتعزيزها بالآخرين، على أساسٍ فكري ورؤية للعالم بمنظورٍ مشترك. وعرض كاظم هاشم نعمة، أستاذ في جامعة بغداد، مزايا سياسة إيران في التوجّه شرقًا والصعوبات التي تواجهها، مرجّحًا أن تستمرّ هذه السياسة في المستقبل المنظور. وأوضح أنّ نتائج هذه السياسة غير محسومة، إلّا أنها حاليًا الخيار الأنجع لتدبّر السياسة الخارجية الإيرانية.

تناولت الجلسة الثانية للمؤتمر، بعنوان "سياسة إيران في التوجّه شرقًا والعالم العربي"، تأثير هذه السياسة في المنطقة العربية، بخاصة العراق ومصر. ناقش حارث حسن، من مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، الكيفية التي أصبح فيها "التطلّع شرقًا" جزءًا من النقاش السياسي والفكري في العراق، وكيفية أنه يتأثر بالسياسة الإيرانية. وشرح العقبات التي تعترض التطلّع شرقًا، وطبيعة المصالح الجيوستراتيجية والاقتصادية التي يتميز بها. وبحثت هدى رؤوف، أستاذة في جامعة الجيزة الجديدة، في الدوافع الإيرانية الداخلية لاتّباع سياسة دبلوماسية الجوار، والسياقات الإقليمية والدولية المحفّزة والمعوقة لها. وتناولت العلاقات المصرية - الإيرانية بوصفها أنموذجًا تسعى من خلاله إيران للاستفادة من الانفراج الإقليمي، والموقف المصري من هذه المساعي.

بدأت الجلسة الثالثة للمؤتمر التي تناولت العلاقات الإيرانية - الروسية، بورقة قدّمتها لي تشين سيم، أستاذة مساعدة في جامعة خليفة في الإمارات العربية المتحدة، عن العلاقات الاقتصادية الروسية - الإيرانية، ومدى مساهمة موسكو في توجّه إيران شرقًا. شرح عبد الرسول ديفسلار، من جامعة كاتوليكا ديل ساكرو في ميلانو، الكيفية التي ترى فيها المجمّعات الصناعية العسكرية الإيرانية روسيا، فقال إنّ قطاع الدفاع الإيراني ينظر إلى روسيا نظرة إيجابية إلى حدٍّ بعيد، وقد تحوّل إلى داعمٍ رئيسٍ لإنشاء شراكة أقوى مع موسكو. وأخيرًا، ناقش إريك لوب، من جامعة فلوريدا الدولية، ومظاهر كوروشده، من جامعة هوارد في واشنطن، أنّ الاحتجاجات المتكررة والعقوبات الاقتصادية والضغوط الأخرى داخل إيران وخارجها، دفعتها إلى المخاطرة على نحو أكبر لتحقيق أهدافها الجغرافية السياسية، ألا وهي الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في أوروبا الغربية والشرق الأوسط.

اليوم الثاني

بدأ اليوم الثاني من المؤتمر بالجلسة الرابعة التي تناولت دور الصين في سياسة إيران والتوجّه شرقًا، والاستجابة الصينية لنهج الاتجاه شرقًا الذي تعتمده إيران. تطرّق جوناثان فولتون، أستاذ مشارك في جامعة زايد في أبوظبي، إلى العلاقات الثنائية بين الصين وإيران، وبحث في الأسس المعيارية للشراكة الصينية - الإيرانية وما يعنيه هذا للنظام، في الخليج وخارجه. ورأت نيلوفر باقرنيا، باحثة في الجامعة الوطنية الأسترالية، أنّ الشؤون الداخلية أثّرت في عملية تحوّل إيران نحو الصين، إلّا أنّ هيكلية النظام الدولي ومنطقة الشرق الأوسط أثّرا تأثيرًا كبيرًا في خيارات السياسة الخارجية الإيرانية. وناقش ديغانغ صن، أستاذ في جامعة فودان في الصين، اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران مدّتها 25 عامًا، وأضاف أنّ النظام الدولي، الذي يهيمن عليه الغرب، قد أخذ يتراجع ليحلّ محلّه نظام مختلط تؤدي فيه معًا دول الشمال وبلدان الجنوب أدوارًا رئيسة. وشرحت جيانوي هان، أستاذة مشاركة في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، العلاقات بين الصين وإيران من منظور الدبلوماسية الصينية، من خلال استخدام نهج إطار مجتمع الشركاء لتحليل تصوّر الصين واستجابتها لسياسة إيران في التوجّه شرقًا.

وفي الجلسة الخامسة بعنوان "إيران والهند وماليزيا"، بحثت تشوتشو زانغ، أستاذة مشاركة في جامعة فودان في الصين، في تطوّر عملية انخراط الصين والهند في الشرق الأوسط، بخاصة تفاعلاتهما مع إيران، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى المشهد الجيوسياسي في المنطقة. وتناولت ديبيكا ساراسوات، باحثة في معهد مانوهار باريكار للدراسات والتحليلات الدفاعية، التحوّل الذي طرأ على سياسة إيران في التوجّه شرقًا، وفكرة إيران عن العلاقات الإقليمية، والكيفية التي أعادت فيها رؤيتها للتكامل الإقليمي وضع العلاقات بين الهند وإيران في السياق المناسب. أما روينا عبد الرزاق، وهي محاضرة في جامعة كوين ماري في لندن، فقد استعرضت العلاقات الماليزية - الإيرانية، وناقشت دور السياسيين الماليزيين والإيرانيين، وكيفية أنّ العلاقات بين الطرفين حافظت على استقرارٍ نسبيٍّ على الرغم من التوترات الشيعية السنية والضغوط الخارجية.

في هذه الجلسة، ناقشت بنفشه كي نوش، باحثة في معهد الشرق الأوسط، النزاعات في الممرّ الشمالي لإيران، وتداعياتها على سياستها في التوجّه شرقًا. ورأت أنّ عملية تحويل النزاعات في الممرّ الشمالي إلى فرص تتطلّب حسابات استراتيجية على إيران العمل على بلورتها. ولا شكّ في أنّ غياب سياسة "التوجّه شمالًا" الضرورية لاستكمال سياسة إيران في "التوجّه شرقًا"، قد أدّى إلى انتكاسات كبيرة في السياسة الخارجية الإيرانية. وتناول بيرم سنكايا، أستاذ مشارك في جامعة أنقرة يلدريم بيازيد، العلاقات الإيرانية - الأذربيجانية في ظل التحدّي القومي التركي، وأكّد أن التصورات الإيرانية والردود على هذه العقبة ستؤثّر في مستقبل مركّب الأمن الإقليمي في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. واستعرض حسام حبيبي دوروه، من جامعة العلوم التطبيقية في فيينا، الأساس المنطقي الضمني لسياسة إيران الأمنية تجاه تركمانستان، من أجل توفير فهمٍ أفضل للنهج الأمني الذي تتّبعه إيران على نطاقٍ أوسع في سياسة التوجّه شرقًا، في ظلّ ديناميات إقليمية جديدة. أما جودت بهجت، أستاذ في جامعة الدفاع الوطني، فبحث في علاقات إيران بالقوى الكبرى في جنوب القوقاز – أرمينيا وأذربيجان – إضافةً إلى إسرائيل وتركيا وروسيا والقوى الغربية.

تناولت الجلسة السابعة من المؤتمر، بعنوان "الاقتصاد والعقوبات والتجارة وقطاع الطاقة"، تأثير سياسة إيران في التوجّه شرقًا في الاقتصاد وقطاع الطاقة، فضلًا عن الخطر الذي تشكّله العقوبات على علاقات إيران التجارية بالدول الآسيوية. سلّطت زهرة كريمي، أستاذة مشاركة في جامعة مازندران في إيران، الضوء على تأثير سياسة إيران في التوجّه شرقًا في اقتصادها، من خلال إجراء استطلاع رأي استهدف روّاد الأعمال ورجال الأعمال الإيرانيين، بالتعاون مع غرفة التجارة الإيرانية. أما كريم إسلاملويان، أستاذ في جامعة شيراز في إيران، فركّز على علاقات إيران التجارية ببلدان جنوب آسيا وشرقها، ورأى أنه في حين أنّ النزاع بين إيران والغرب المتجذّر في العقوبات الاقتصادية من شأنه أن يُسرّع توجّه إيران نحو الشرق، غير أنه ليس المحرّك الوحيد لسياسة التوجّه شرقًا. في حين شدّد سايروس أشاييري، خبير تكنولوجيّ أوّل في شركة Beyond Limits، على أنه في إطار سياسة التوجّه شرقًا يمكن أن تعزّز إيران أمنها في مجال الطاقة من خلال الاستفادة من الممارسات التي تتبنّاها رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في مجال الطاقة المستدامة.

أما الجلسة الثامنة، بعنوان "مخاطر سياسة التوجّه شرقًا وتحدياتها"، فقد تحدث فيها محمود مونشيبوري، أستاذ في جامعة سان فرانسيسكو الحكومية، وجواد حيران نيا، من مركز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في إيران، عن مخاطر سياسة إيران في التوجّه شرقًا، وأوضحا أنّ علاقات إيران بالصين قد لا تنقذها من عزلتها التي فرضها الغرب عليها، ومن المرجح أن يتضاعف اعتماد طهران على روسيا بسبب سياستها في التوجّه شرقًا. ورأت شيرين هانتر، من جامعة جورجتاون، أنّ العقبة الأساسية أمام استراتيجية إيران في التوجّه شرقًا تمثّلت في علاقاتها المتوتّرة مع الولايات المتحدة وعقوبات الأخيرة عليها.