عقدت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمرها السنوي في الفترة 16-18 آب/ أغسطس 2021، الذي ناقش موضوع "المؤسسات والسياسة في إيران"، بمشاركة أكاديميات وأكاديميين إيرانيين ومختصين بالدراسات الإيرانية من خارج إيران.

تناول المؤتمر التكوين المؤسسي للجمهورية الإسلامية وترتيبات السلطة التي تميز النظام السياسي في إيران. كما درس التغيرات والتحولات التي شهدتها مختلف المؤسسات السياسية الإيرانية منذ تأسيس الجمهورية قبل ما يزيد على أربعين عامًا؛ من خلال وضع نشوء الجمهورية الإسلامية وتطوّرها في سياق أوسع لتاريخ إيران. وجري التركيز بشكل خاص على التغيرات التي طرأت على مؤسسات الرئاسة والحرس الثوري ومجلس الشورى والجهاز القضائي ومكتب ولاية الفقيه ومؤسسة السياسة الخارجية. ومن بين المشاركين في المؤتمر: شهرام أكبر زاده، وويلفريد بوشتا، وعبد الرسول ديوسالار، وحميدة درزادة، وعلي رضا إشراقي، وشيرين طهماسب هنتر، ومهران كامرافا، وآرانغ كشاورزيان، وأمير مهدوي، ومحمود بارجو، وعلي رضا رئيسي.

افتتح المؤتمر الدكتور مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جورجتاون في قطر. وأشار في كلمته إلى أنّ المؤتمر سيتناول المؤسسات المنتَخَبة وغير المنتَخَبة في الجمهورية الإسلامية، بما فيها المؤسسات والشبكات الرسمية وغير الرسمية وشبه الرسمية التي تنشئ نظامًا سياسيًا معقّدًا.

استهلّت الباحثة شيرين هنتر الجلسة الأولى، بتقديم ورقة بحثية تناولت "الجمهورية الإسلامية من منظور تاريخي ومؤسسي: أوجه القطيعة والاستمرار". رأت فيها أن نشوء الجمهورية الإسلامية أدّى إلى قطيعة حادّة في حياة إيران السياسية التاريخية، ويشكّل تحولًا تاريخيًا عما كان عليه ماضي إيران. وسلّطت الضوء على أهمية الدين قبل الثورة وبعدها، ولكنها لفتت إلى أنه لم تكن هناك دولة قائمة على أساس ديني في البلاد قبل عام 1979. وقد حصل تحوّل آخرٌ مهمّ في العام ذاته؛ إذ تحوّلت إيران من نظام ملكي إلى نظام جمهوري.

وقدم آرانغ كشاورزيان ورقة عن "الاحتجاجات والمشاركة والتمثيل في نظام سياسي ارتجالي"، دعا فيها إلى تحديد سياق الاحتجاجات بوصفها "جزءًا من السمات التأسيسية للجمهورية الإسلامية وتصوّرها على أنها منبثقة من خارج المؤسسات وليست بالضرورة مناهضة للنظام". ورأى أن قوة الاحتجاجات تنبع من قدرتها على إحداث تغيير في ما قد يُعدّ سلوكًا سياسيًا مقبولًا، من خلال تحدّي الحدود القانونية التي رسمتها السلطات أو توسيع صلاحياتها. وبحسب الباحث، يمكن فهم الاحتجاجات بصورةٍ أفضل بوصفها "استجابات لجوانب أعمق في أزمة تمثيل معينة".

واختتم علي رضا إشراقي الجلسة الأولى بورقة عنوانها "تطوّر الحرس الثوري". وسلّط فيها الضوء على وظائف الحرس الثوري المتعدّدة، ورأى أنّه من الصعب تحديد دائرة نشاط معيّنة لا تؤدي فيها المؤسسات دورًا مباشرًا أو غير مباشر. وقد برّر الحرس الثوري نفوذه وقوته بأنهما وسيلة لحماية أهداف الثورة؛ ما سهّل في تمدّده السريع على المستويين البنيويّ والوظيفي، ليشمل تأثيره كل جوانب السياسة الإيرانية تقريبًا.

ويتضمّن اليوم الثاني من المؤتمر، 17 آب/ أغسطس 2021، المزيد من الأبحاث عن دور الحرس الجمهوري السياسي، بما في ذلك دور المؤسسات التابعة لرئاسة الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي. ويلي ذلك أبحاث إضافية تعرض في اليوم الثالث، 18 آب/ أغسطس، وتتناول التغيّرات التي طرأت على السياسة الخارجية الإيرانية والنخبة الحاكمة والجهاز القضائي في إيران، إضافة إلى دور الانتخابات وأهميتها على الساحة السياسية الإيرانية.

ركّز اليومان الأخيران من المؤتمر على موقف الرئاسة في إيران ومجلس شورى الدولة والجهاز القضائي، فضلًا عن أهمية الانتخابات ودور فيلق الحرس الثوري الإسلامي ومؤسسات السياسة الخارجية. فقد بدأ اليوم الثاني من المؤتمر، في 17 آب/ أغسطس 2021، بمداخلة قدّمها الباحث ويلفريد بوشتا بعنوان "مؤسسة الرئاسة في إيران: تقلّبات دائمة (1980–2021)"، وتناول فيها مسؤوليات مؤسسة الرئاسة والتحوّلات التي شهدتها منذ عام 1980، إضافة إلى العوامل التي تحدّد العلاقة بين الزعيم الثوري والرئيس. وقال في هذا الصدد "منذ وفاة الخميني في عام 1989، اتّسمت العلاقة بين رأسَي الدولة، الزعيم الثوري والرئيس، بقطبين هما التعاون والمنافسة".

ثم قدّم علي رضا رئيسي عرضًا بعنوان "مجلس الشورى: دوره وتكوينه وأهميته"، تناول فيه أهمية المجلس في حقبة ما بعد الخميني. وشرح التحوّل الذي طرأ على دور المجلس في العقود الأخيرة. وحدّد عملية تطوّر دوره في سياق صراع أوسع على السلطة بشأن مستقبل الجمهورية الإسلامية. ورأى أنّ هذا الصراع يعزّز سلطة الجناح المتشدّد من النخبة الحاكمة الإيرانية على حساب التقويض التدريجي للسلطة الدستورية للمجلس في التشريع والرقابة.

 وتابع أمير مهدوي مناقشة هذا الموضوع بالحديث عن فيلق الحرس الثوري الإسلامي من خلال تحليل دوره ضمن السياسة الإيرانية. وتطرّق إلى تاريخ تأسيس الفيلق وتطوّره ليشرح أسباب أهميته. فسلّط الضوء على الدور الذي يؤديه على المستوى الإقليمي ونشاطاته الاقتصادية التوسّعية. ورأى أنّ "هذا الكيان المتطوّر هو نتاج التفاعلات بين قوى محلية نافذة وأخرى أجنبية، أكثر من كونه ابتكارًا متعمّدًا خطّطت له الجمهورية الإسلامية بهدف حماية موقعها".

أما الجلسة الختامية فقد عقدت في اليوم الثالث، 18 آب/ أغسطس 2021، وقدّم فيها عبد الرسول ديوسالار مداخلة بعنوان "مؤسسات السياسة الخارجية الإيرانية". ورأى الباحث أنّ "امتياز وصول النخب إلى الموارد والحقوق القانونية والمعلومات، إضافة إلى حالة الطوارئ المستمرة التي تعيشها البلاد بحكم بيئتها الاستراتيجية، كلها عوامل أثّرت في تطور مؤسسات السياسة الخارجية في إيران". وشرح أيضًا عمليات صنع القرار والمؤسسات المشاركة في صوغ السياسة الخارجية الإيرانية، فضلًا عن طرق تفاعلها فيما بينها.

وفي بحث بعنوان "الانتخابات في إيران: مكاسب الحكم الاستبدادي ومخاطره"، تناول شهرام أكبر زاده ومحمود بارجو الانتخابات في إيران والطريقة التي تسعى من خلالها النخبة الحاكمة للوصول بقيمة العلاقات العامة للانتخابات إلى الحد الأقصى، وتعزيز شرعيتها السياسية. وتشمل بعض مكاسب الانتخابات "إضفاء الشرعية المحلية والدولية على النظام وتمكينه من إلقاء اللوم على المعارضة لصرف الأنظار عن إخفاقاته السياسية واستخدامها بوصفها صمام أمان من خلال منع تطرّف المعارضة". ويرى الباحثان أنّ الانتخابات تمثّل بالنسبة إلى النظام، مزيجًا من المخاطر والمكاسب.

ثم اختتمت حميدة درزاده الجلسة بعرض عن "الجهاز القضائي في الجمهورية الإسلامية في مرحلة انتقالية"، تناولت فيه بنية الجهاز القضائي وتطوّره ووظيفته منذ إنشاء الجمهورية الإسلامية. وقالت إنه منذ عام 1989، تم استخدام الجهاز القضائي بوصفه أداةً سياسية لقمع المعارضة داخل النظام. ورأت أنّ المؤسسة سعت باستمرار لتعزز موقف المرشد الأعلى بدلًا من أن تؤدّي دورها. فقد كان ذلك على حساب الحفاظ على حقوق الناس. وركزت على دور رئيس الجهاز القضائي. وتطرّقت إلى الإصلاحات والتغييرات التي سعى إلى تحقيقها رجال الدين المطلعون الذين شغلوا هذا المنصب منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.