عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ثامن مؤتمراته ضمن سلسلة "العرب والعالم"، في الفترة 5-6 أيار/ مايو 2018، تحت عنوان "العرب والهند: تحولات العلاقة مع قوة ناشئة ومستقبلها". وشاركت في المؤتمر نخبة من الباحثين والأكاديميين في العلاقات العربية – الهندية من الهند والوطن العربي والعالم. 

العلاقات التاريخية بين الخليج العربي والهند

ركزت الجلسة الأولى التي ترأسها مروان قبلان على دراسة العلاقات التاريخية بين منطقة الخليج العربي والهند، فقد قدم الباحث صاحب عالم الندوي بحثًا حول العلاقات بين الهند والجزيرة العربية في عصر الدولة المغولية؛ إذ اعتبر أن التجارة المتبادلة هي الخيط الأول الذي ربط شبه القارة الهندية منذ القديم بالجزيرة العربية وبالمناطق المطلة على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وقد حرص ملوك الإمارات الإسلامية في الهند على تقوية العلاقات بين الهند والعرب من خلال الإسهام في إنشاء النزل والخانقاوات والمدارس، واستقدام عدد كبير من العلماء والفضلاء الشاميين والمصريين والحجازيين واليمنيين الذين أسهموا بدورهم في تنشيط العلوم الإسلامية في تلك الإمارات الإسلامية الهندية.

في حين ركز الباحث معين صادق على دراسة العلاقات الهندية - القطرية من القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين، وتطور هذه العلاقة على المستويَين السياسي والاقتصادي، وقدّم في بحثه العديد من المكتشفات الأثرية بمدينة الزبارة في شمال قطر (العملة المعدنية الهندية "روبية"، وزخارف هندية، ومعادن هندية، وأباريق هندية)، إضافةً إلى مقتنيات هندية قديمة في منطقتَي رويضة وفريحة في شمال قطر، وأيضًا في الدوحة القديمة؛ مثل العاج، والأخشاب، والسقوف، والخزف، و"مدابس" التمر. ومن خلال بحث في العلاقات الاقتصادية بين عُمان والهند منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى مطلع القرن العشرين، أعدته الباحثة سعاد فاضل مع الباحث يوسف الغيلاني، خصصت فاضل في مداخلتها الحديثَ عن الإسهامات التي انتهجها حكام البوسعيد في جعل عُمان مركزًا تجاريًا مهمًا في العلاقة مع الهند.

الجوانب الثقافية والأكاديمية في العلاقات العربية – الهندية

عالجت الجلسة الثانية في اليوم الأول من المؤتمر التي رأسها حيدر سعيد، ثلاث أوراق بحثية الجوانب الثقافية والأكاديمية في العلاقات العربية – الهندية، فقد ناقش الباحثون في هذه الجلسة أهمية العلاقات الثقافية بين المنطقتين. عالج الباحث أفتاب أحمد دور الترجمة وأهميتها في العلاقات الثقافية العربية - الهندية المعاصرة باعتبارها منبعًا أساسيًا لتجسير العلاقات الثقافية والفكرية، في حين قدم الباحث شمس الدين الكيلاني مجموعة من التخيلات العربية عن الهند التي كانت إيجابية حتى قبل الإسلام، ويمكن أن نلتمس هذا الإعجاب، بحسب رأيه، من خلال الرمزية البسيطة في الإسلام التي تجلَّت عند هند بنت أبي سفيان. وأضاف الكيلاني أن الجغرافيا العربية هي التي أعطت الصورة العربية أبعادها وأشكالها؛ ذلك أن أغلب الكتب العربية تبدأ بالمسالك والممالك، فالمتأمل فيما كُتب عند العرب من مدونات ومخطوطات يتجلى ثراءً كبيرًا قلَّ نظيره سواء ما تعلق من ذلك بالمعارف أو العلوم. أما الباحثان جافيد أحمد خان وديبا كروبان، فجاء بحثهما في تسليط الضوء على الأبحاث المعاصرة في العلاقات العربية – الهندية، إذ ركز الباحثان على الفهم المعاصر في إطار العلوم الإنسانية، وما يشمل الاقتصاد والمجتمع والدين والسياسية التي أولاها العلماء الهنود اهتمامًا كبيرًا، وكذلك نظام الجامعات، والكثير من الجامعات التي تقوم على دراسات للعلاقات العربية والهندية.

الجاليات الهندية في دول الخليج العربية

كانت الجاليات الهندية، سواء قبل الاكتشافات النفطية والتحولات الاقتصادية التي رافقت الطفرة النفطية في منطقة الخليج العربي أو بعدها، من القضايا الرئيسة التي جرى بحثها في الجلسة الثالثة في المؤتمر، والتي ترأسها سمير سعيفان. فقد درس الباحث ناصر بن سيف السعدي الجاليات الهندية في منطقة الخليج العربية قبل الطفرة النفطية، وأشار إلى أن العلاقات الاقتصادية، وعملية التبادل التجاري بين الهند ومنطقة الخليج العربي، أسهمت في استقرار جالية هندية في منطقة الخليج العربي، إمّا على نحو دائم ومتواصل، وإمّا على نحو متقطع. وأضاف السعدي أن المصادر التاريخية المحلية تشير إلى أن عُمان من أكثر بلدان شبه الجزيرة العربية جذبًا للهنود، وهذا يعود إلى موقع عُمان الجغرافي القريب من الهند، وفاعلية موانئها التجارية، مثل صحار، ومسقط، وصور. أما الباحث فيكال جون فارغيز، فقد ركز في بحثه على سياسات الدولة وصناعة الهجرة بين الهند ودول الخليج العربية، واقترح أن يجري تحديد مواقع المجموعات المهاجرة ومعرفتها من الناحية التاريخية والمؤسسية، فهي ناجمة عن تفاعل قوى مختلفة فاعلة محليًا ووطنيًا وعالميًا؛ إذ تشهد سواحل المحيط الهندي تناميًا في دور سماسرة القطاع الخاص في الآونة الأخيرة. ويعود ذلك إلى إضفاء متزايد للطابع الرسمي على الهجرة، وإلى انتشار جليّ للعولمة، على نحو يشوّش عمليًا الخط الفاصل بين النظامي وغير النظامي.

أما الباحث مهند النداوي، فقد سلط الضوء في بحثه على تأثير الجاليات الهندية في دول الخليج العربية، وأشار إلى أن دول الخليج العربي من المناطق التي تحتل أهمية كبيرة بالنسبة للهند نتيجة القرب الجغرافي بينهما، وبالنظر إلى أن الجالية الهندية أدت دورًا مؤثرًا ومهمًا في زيادة فرص التعاون بين الجانبين. وركز موضوع دراسة الباحثة سهام معط الله على العمالة الهندية في دول الخليج العربية، فضلًا عن محدداتها الداخلية ودوافعها الخارجية، ورأت الباحثة أن عدم المساواة في توزيع الدخل والبطالة في الهند له تأثير إيجابي ومعنوي في عدد المهاجرين من الهند إلى دول الخليج العربي، وأن سعر النفط له تأثير إيجابي ومعنوي في عدد العمال الهنود المهاجرين إلى دول مجلس التعاون؛ إذ يؤدي ارتفاع أسعار النفط بالحكومات الخليجية إلى إنجاز مشاريع تطوير البنية التحتية، والشروع في برامج التنمية الضخمة التي تتطلب استيراد عمالة أجنبية لتعويض النقص في اليد العاملة المحلية، وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه أمام العمالة الهندية الوافدة إلى منطقة الخليج العربي.

قراءة في العلاقات العربية - الهندية

ناقشت الجلسة الأخيرة من أعمال اليوم الأول للمؤتمر، والتي رأسها عبد الوهاب الأفندي، ثلاثة بحوث تطرقت إلى العلاقات العربية – الهندية، مع التركيز على الدول العربية في شمال أفريقيا. درس الباحث أفتاب كمال باشا روابط الهند مع غرب آسيا وشمال أفريقيا، مع التركيز على العوامل السياسية والاقتصادية، والتحولات التي طرأت على موقف الهند من القضايا العربية، واختتم باشا مداخلته بأن سياسات الهند لا تزال قائمة على تجنّب الانحياز في الصراعات الإقليمية والحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الدول، وأن الهند تتطلّع إلى بناء آليات مؤسسية شاملة تتيح حوارًا إستراتيجيًا، وإن كان الواقع غير ذلك؛ بسبب بيئة سياسية وأمنية متقلّبة وغير مستقرة إلى حد بعيد في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج.

أما الباحث عثمان لمراني علوي، فتناول العلاقات بين الهند وأفريقيا بوصفها أقدم العلاقات التاريخية التي ربطت بين المكونات البشرية لقارتين. وأضاف علوي أن المميز في هذه العلاقات عمومًا هو طابعها السلمي العام، القائم أساسًا على تبادل المنافع الاقتصادية. فلطالما اضطلعت هذه المناطق الأخيرة بدور الوسيط التجاري الذي ينقل بضائع آسيا، ومنها البضائع الهندية إلى القارة الأوربية، ويسوِّق بضائع الأخيرة إلى القارة الآسيوية.

اهتم الباحث عصام عبد الباقي بالعلاقات المصرية - الهندية بعد 2011. وأشار إلى أن الدولتين تتمتعان بتاريخ وثيق يمتد من العصر القديم. وأما بشأن العصر الحديث، فإن العلاقات بدأت مع الاتصالات بين الرئيسين المصري سعد زغلول والهندي المهاتما غاندي، لتشابه بين مظاهر الحركة الوطنية ومبادئها في كل من البلدين تتعلق بالحصول على الاستقلال من بريطانيا. وبخصوص الفترة الراهنة، أشار عبد الشافي إلى أن العلاقات الاقتصادية المصرية الهندية، شهدت تطورًا ملحوظًا، ارتبط بمجموعة كبيرة من التحولات السياسية في مصر؛ فبعد ثورة يناير 2011، وقّع الرئيس المصري محمد مرسي عددًا من الاتفاقيات مع الهند، شملت قطاعات متعددة؛ مثل تكنولوجيا النانو، والتكنولوجية الحيوية، والفضاء، والأمن الإلكتروني، وإنشاء مركز لتكنولوجيا المعلومات بجامعة الأزهر، وكذلك اتفاقية التبادل العسكري والتأسيس التدريجي لتعاون عسكري في مجالات الملاحة والإلكترونيات.

قراءة في العلاقات العربية – الهندية

ناقشت الجلسة الأولى من أعمال اليوم الثاني للمؤتمر، والتي رأسها ماجد الأنصاري، قضايا حيوية في العلاقات العربية – الهندية؛ إذ سلط الباحثون في دراساتهم الضوء على التغيرات في سياسة الهند الخارجية تجاه الوطن العربي وقضاياه. وفي هذا الصدد، أشار الباحث دبييش أناند في دراسته إلى أن التحول في نهج الهند فيما يتعلّق بغرب آسيا، من النهج المناهض للاستعمار وعدم الانحياز، والرغبة في إنشاء دولة قومية تنعم بالسيادة، ليتّسم لاحقًا كما وصفه، بتفكير ما بعد الاستعمار الذي يقتصر فيه التركيز على خدمة مصالح قوة صاعدة، انعكس على موقف الهند من القضيّة الفلسطينية والعلاقة بإسرائيل. وعلى مستوى موازٍ، ركز الباحث أيمن يوسف في بحثه المشترك مع الباحث محمود الفطافطة على موقع فلسطين وإسرائيل في السياسة الخارجية الهندية، والتي تتمحور بدورها حول نقطة التوازن تجاه فلسطين وقضيتها العادلة من جهة، وشراكتها الإستراتيجية والاقتصادية والثقافية مع إسرائيل في سياق التحولات الجذرية والبنيوية في السياسة الخارجية الهندية من جهة أخرى. كما قام الباحثان برصد المؤشرات المهمة التي طرأت على السياسة الخارجية الهندية في العقدين الماضيين، لا سيما بعد إقامة الهند علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل في عام 1992.

رصد الباحث عُمير أنس تحولات سياسة الهند الخارجية تجاه منطقة غرب آسيا؛ إذ رأى أن ثلاثة تحديات تواجه السياسة الخارجية للهند في غرب آسيا، هي السعي لتحقيق التوازن بين المملكة العربية السعودية وإيران من جهة، وإسرائيل وفلسطين من جهة أخرى، ودور القوى الدولية في المنطقة ونشوء التنافسات بين دول غرب آسيا لفرض نفوذها، لا سيما إثر الثورات العربية في عام .2011 فقد عبّرت المنطقة عن رغبتها في أن تؤدي الهند دورًا أكبر في الحفاظ على السلام وتثبيت الاستقرار فيها. إلا أن الخيارات الإستراتيجية للهند التي تسعى للاضطلاع بدور جديد في المنطقة، تبدو محدودة؛ إذ إنها لا تحتاج إلى تعاون ثنائي مع المنطقة فحسب، بل تتطلّب من الهند أيضًا تسويغ علاقات التنافس العديدة التي تقيمها على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

مستقبل العلاقات العربية – الهندية

مثّل مستقبل العلاقات العربية – الهندية في مجال الطاقة والأمن الغذائي والتكنولوجيا الرقمية والتنمية البشرية قضية رئيسة للبحث ضمن أجندة الجلسة الثانية التي رأسها عادل الزاغة؛ فقد ناقش الباحث محمد أزهر الأسس المختلفة التي قامت عليها العلاقات العربية - الهندية وازدهرت من خلالها. وبحث في مستقبل الجوانب الأخرى في العلاقات العربية - الهندية غير المتعلقة بالطاقة. وأكد ضرورة أن يركز الطرفان على الثروة الزراعية والحيوانية بما فيها الزراعة العضوية والكيميائية وصناعة الملابس والقطن وإنتاج السيراميك وصناعة السيارات والمواصلات؛ ولا سيما أن هذه القطاعات تعتبر الأعلى استهلاكًا في الهند. بينما انتقل الباحث ناصر التميمي في بحثه إلى دراسة أسباب تنامي استهلاك الطاقة في الهند وتأثيرها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ما يستدعي نسج علاقات إستراتيجية مع القوى الصاعدة في آسيا عمومًا، والهند على وجه الخصوص، ولا سيما أن الخليج يحظى بالحصة الأبرز من بين أكبر مصدّري النفط والغاز الطبيعي المسال إلى العالم.

واختتم غيريجاش بانت الجلسة ببحث تطرق فيه إلى سياق العلاقات العربية - الهندية مع تحوّل النفط إلى عامل مؤثر في الساحة الدولية؛ ذلك أن الهند لا تنعم بثروة الهيدروكربون، ما يضطرها إلى الاستيراد من سوق الطاقة العالمية لتلبية تسارع نموّها. فساهم السعي للبحث عن الطاقة في جعل البلدان العربية المصدِّرة للنفط تحتل مكانة بارزة في منظومة العلاقات الهندية - العربية. وحاول الباحث استشراف واقع جديد بالتزامن مع التحوّل الجيوستراتيجي في سوق الطاقة العالمية الذي نجم عن التغيرات الهيكلية في صناعة الهيدروكربون والرغبة في الانتقال إلى نظام طاقة منخفض الكربون.

السياقات الإستراتيجية والعسكرية

بحثت الجلسة الختامية للمؤتمر التي رأسها سحيم آل ثاني السياقات الإستراتيجية والعسكرية للعلاقات العربية - الهندية، فقد ناقش الباحثون في هذه الجلسة أهمية دول مجلس التعاون الجيوبوليتيكية وفرصها الإستراتيجية. وفي حديثها عن تاريخ العلاقات العسكرية العُمانية - الهندية في الفترة 1913-1970 أشارت بهية بنت سعيد العذوبية إلى أن الصراع بين الإمامة التي تزعمها سالم بن راشد الخلوصي، وبين السلطنة بزعامة فيصل بن تركي ومن ثم ابنه تيمور بن فيصل في عُمان في الفترة 1913-1915 أثر في وجود قوات هندية في مسقط، وأن الوكلاء السياسيين البريطانيين في مسقط أدوا دورًا في قيام علاقات عسكرية هندية - عمُانية.

وانتقل الباحث كاديرا بثياغودا إلى الحديث عن الفرص الإستراتيجية للعلاقات الهندية بدول مجلس التعاون، في ظلّ الانتقال إلى نظام تعدّد الأقطاب، إذ تتوسع مخططات الهند والصين في المنطقة؛ ما يعني أن العلاقات المتداخلة بين آسيا ومنطقة الخليج سيكون لها كبير الأثر في علاقات القوة الإقليمية والعالمية، وقد بدأت الهند والصين تتبوّآن موقعًا بارزًا في دائرة التنافس بين مراكز القوة في المنطقة؛ أي الخليج وإيران وإسرائيل. وفي هذا السياق، توقع الباحث أن تكون علاقات الهند مع دول مجلس التعاون من أهم العلاقات بالنسبة إلى الطرفين في النظام العالمي المستقبلي.

وفي ختام الجلسة، سلط الباحث عماد قدورة الضوء على الأهمية الجيوبوليتيكية للخليج العربي في إستراتيجية الهند، وأكد أن الخليج العربي يمثل أهمية بارزة في إستراتيجية الهند؛ بسبب مكانته وقربه الجغرافي على سواحل المحيط الهندي، وعلى مفترق طرق التجارة، وتوافر معظم مصادر الطاقة فيه، وكذلك الفوائض المالية الناجمة عنها، فضلًا عن وجود جالية هندية كبيرة في هذه المنطقة. وأضاف قدورة أنه على الرغم من تطور العلاقات الخليجية - الهندية، فإن عوامل إقليمية من المتوقع أن تؤثر، مستقبلًا، في هذه العلاقات وقوتها، مثل العلاقة القوية مع إيران، وكذلك العلاقات التقليدية الوثيقة التي ربطت دول الخليج بباكستان.