تواصلت، يوم الأحد 11 شباط/ فبراير 2024، أعمال الدورة الثانية للمنتدى السنوي لفلسطين التي ينظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، خلال الفترة 10-12 شباط/ فبراير 2024. وانتظمت أعمال اليوم الثاني من المنتدى في جلستين انعقدتا في أربعة مسارات فرعية متوازية، وندوتين.
قيادات فلسطينية ومقاربات حول المستقبل والديموغرافيا والصمود
انعقدت الجلسة الأولى من اليوم الثاني للمنتدى في أربعة مسارات فرعية متوازية. ترأست يارا هواري المسار الأول "تصوّرات لمستقبل فلسطيني"، الذي نظّمته شبكة السياسات الفلسطينية، وقد شارك فيه ثلاثة باحثين. رأت ليلى فرسخ، في ورقتها، أنّ تصوّر المستقبل الفلسطيني يتطلّب إنشاء اقتصاد عادل بيئيًا، على عكس الاقتصاد السائد منذ ثلاثين عامًا القائم على الفصل العنصري الاستغلالي وغير المتكافئ. وفي السياق ذاته، عرض مهند عيّاش، في ورقته، قضية السيادات المناهضة للاستعمار لتحلّ محلّ الدولة القومية، بوصفها بنية توجيهية من أجل تصوّر مستقبل بديل لإنهاء استعمار فلسطين. في حين استعرضت نور جودة واقع التهجير والسلب، بالرجوع إلى مسابقة إعادة الإعمار التي تنظّمها هيئة أرض فلسطين، والتي دلّلت على ضآلة التشعّب بين الماضي والحاضر في إعادة بناء عوالم الحياة المتوقّفة مؤقتًا.
وضمن المسار الثاني "الشباب الفلسطيني والديموغرافيا"، الذي ترأسته فردوس العيسى، قدّم ثلاثة باحثين أوراقهم. سلّطت مي أبو مغلي الضوء على تأثير مشروع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في المجتمعات الفلسطينية، من خلال تجارب الطلبة الفلسطينيين في الجامعات البريطانية، والتي تكشف عن قمع متعدد الأوجه يواجهه هؤلاء الطلبة، إلى جانب عمل سياسات الحكومة البريطانية على التأثير سلبيًّا في الأداء الأكاديمي والفرص المهنية، وانتهاك حقوق التجمع والتعبير. في حين بيّن محمد دريدي، في ورقته، الواقع الديموغرافي للشباب الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتقديرات المتوقّعة لأعدادهم المستقبلية، وما يواجهونه من تحديات على مختلف الصُّعد، كالبطالة والفقر والهجرة، وآراءهم في عدد من القضايا، كالممارسة السياسية والمجتمعية والعمل الريادي والتطوّعي. وفي السياق ذاته، حاجّ راسم خمايسي بأنّ إسرائيل تعمل على إنتاج جغرافية استعمار منطلقة من مفاهيم وروايات دينية، حيث أنشِئت هذه الجغرافيا باستخدام منظومة مركّبة لتجذب مجموعة عرقية كميًّا لتُحدث تغييرات جيوسياسية وتحوّلات ديموغرافية.
وبرئاسة أيهب سعد، انعقد المسار الثالث بعنوان "الاقتصاد الفلسطيني: بين الصمود والكفاف"، بتنظيم معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس، وشارك فيه سبعة باحثين. انطلق رجا الخالدي، في ورقته، من حقيقة عدم تحقيق الأهداف الوطنية في إقامة الدولة وممارسة السيادة، وكذلك في بناء الاقتصاد الوطني المنتج وفي إرساء النظام الاجتماعي العادل كما خُطط وشُرّع لهما، راصدًا المتغيّرات الأساسية في الهوية الاقتصادية - الاجتماعية لفلسطين التي حالت دون تحقيق ما هو مخطط لدولة فلسطين. ومن خلال بحث السياق التاريخي لبدء تدفق العمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي، رصد ماهر الكرد وإسلام ربيع وصبري يعاقبة، في ورقة مشتركة، أوضاع العمالة الفلسطينية داخل الخط الأخضر في إسرائيل والمستوطنات القائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وفي السياق نفسه، قدّم ياسر شلبي وأنمار رفيدي وإيمان سعادة، في ورقة مشتركة كذلك، لمحةً عن مدى إمكانية تحقيق التنمية والحد من اللامساواة، في ظل السياق الاستعماري المفروض على الحالة الفلسطينية، مستعينين بمؤشرات اللامساواة في المجالات الاقتصادية ومجالات الخدمة الاجتماعية.
أمّا المسار الرابع "القيادات والمؤسسات الفلسطينية في بداية القرن العشرين"، الذي ترأسه سليم تماري، فقد افتُتح بورقة قدّمها عادل مناع عن النهج السياسي لبعض الزعامات الفلسطينية، ودورها في تفتيت وحدة الشعب الفلسطيني خدمةً لمصالح فئوية. ثم تلاه ورقة أعدّها مهند أبو سارة، بحث فيها التاريخ الاجتماعي والفكري للمثقفين الفلسطينيين خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بالتركيز على عائلتَي الحسيني والخالدي في القدس، مبينًا ظهور فئات جديدة، مثل "المثقف" و"السياسي"، على حساب أدوار تقليدية للقاضي والفقيه. وانطلاقًا من مقاربات اجتماعية تستند إلى مفهوم الحقل لدى بيير بورديو، تمحورت ورقة خالد زواوي حول المؤسسة الدينية في فلسطين، بوصفها حقلًا كان يتبع للحقل الديني والمؤسسة الدينية العثمانية إداريًا ومذهبيًا، وما طرأ عليه لاحقًا مع بداية الاحتلال البريطاني حتى نهاية عام 1936.
في السجون والقوانين والشتات والمقاومة
انعقدت الجلسة الثانية في اليوم الثاني من المنتدى في أربعة مسارات فرعية متوازية أيضًا. ففي المسار الأول الذي ترأسه إسماعيل ناشف "منظومة السجن الإسرائيلية"، قدّم باسل فراج إطارًا نظريًا مختلفًا لدراسة سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأنماط السلطة والعنف المطبّقة على الفلسطينيين، محاجًّا بأنّ النظريات الموجودة غير كافية لتحليل منظومة الاحتلال السجنية، واقترح بدلًا من ذلك التركيز على أهداف العنف والسلطة الاستعمارية؛ وهي إعادة تشكيل الذات الفلسطينية ووعيها. وعالج كريم قرط العلاقة الجدلية بين تطوّر منظومة الرقابة والضبط في السجون الصهيونية وعمليات الهروب التي قام بها الأسرى الفلسطينيون، محاولًا توضيح أن تطوّر منظومة الرقابة كان استجابةً لتكرار اختراق الأسرى لهذه المنظومة. أمّا محمد الشوبكي، فدرسَ في ورقته احتجاز الاحتلال الإسرائيلي جثامين الشهداء الفلسطينيين، بوصفه أحد الإجراءات الظالمة القديمة والمستمرة القائمة على مبدأ تحويل الجثث إلى ورقة مساومة، متطرقًا إلى مدى شرعية هذه السياسة وتداعياتها من منظور قانوني دولي.
وفي المسار الثاني "الفلسطينيون ومنظومات القوانين"، الذي ترأسه هاني عواد، حاول ياسر العموري ومي بركات، في ورقة مشتركة، تناول الإشكاليات التي تطرحها التشريعات الصادرة عن دولة فلسطين فيما يتعلّق بإعادة تعريف الفلسطيني، والتي برز أحد تجلياتها في الانتخابات التشريعية المؤجّلة لعام 2021، حيث شكّلت السياق العملي المعاصر لتكريس النص القانوني الذي يصنّف الشعب الفلسطيني وفقًا لمكان الإقامة. وفي السياق ذاته، تطرّقت سونيا بولس، في ورقتها، إلى مواطنة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، بوصفها "مواطنة استعمارية استيطانية"، و"مواطنة عرضية" و"مواطنة فارغة"؛ وهي توجهات لا تهتم بالعلاقة الوطيدة بين المواطنة وحق تقرير المصير. أمّا رشاد توام وعاصم خليل، فأثارا سؤالًا يتعلق بدوافع النظام السلطوي لدعم وجود قضاء يبدو مستقلًا شكلانيًا، ويسمح له بمناكفته بالحد من سلطاته والتضييق عليه في مصالحه، متخذَين من التجربة الفلسطينية حالةً للدراسة في قراءتهما لتوجهات القضاء الدستوري الفلسطيني.
أمّا المسار الثالث "الشتات الفلسطيني: الانتماء والمواطنة"، الذي ترأسه مجدي المالكي، فاشتمل على ثلاث أوراق. بحثت لوسي الشريف، في الورقة الأولى، أوجه التشابه بين طرائق متشابكة لـ "العرقنة" والاستيطان في الدراسات المتعلقة بالاستيطان الاستعماري في فلسطين وأميركا الشمالية، مقدّمةً جملة من الرؤى المنهجية الجوهرية بخصوص البحوث الميدانية والتحليلات المتعلقة بكيفية تجسّد هذه الطرائق وصياغتها وتنفيذها. وسلطت خلود العجارمة الضوء، في ورقتها، على أنماط اللاجئين الفلسطينيين وتجاربهم، من خلال استكشاف الشتات الفلسطيني الذي استقرّ أصلًا في العراق، ثم أُجبِروا على النزوح في أعقاب الغزو الأميركي للعراق، وأُعيد توطينهم في جمهورية تشيلي. وفي السياق ذاته، قدّمت ماري قرطام نظرة شاملة عن الشتات الفلسطيني في أوروبا والمجتمع المضيف في ألمانيا وفرنسا والدنمارك، مع التركيز على أسباب الفشل في الدمج أو رفض المجتمع المضيف دمجهم.
وبرئاسة تامر قرموط، انعقد المسار الرابع بعنوان "في المقاومة الفلسطينية". انطلق عمر عاشور، في ورقته، بتقديم وصف موجز لمفهومَي "الدفاع الهجين" و"الدفاع الهجين في العمق". ثم حلَّل التعديلات والابتكارات العسكرية، ضمن هذه الاستراتيجية التي عزَّزت الفاعلية العسكرية لكتائب القسام، وانتهى بملاحظات حول هذه الاستراتيجية والكيفية التي تحاول بها القوّات الإسرائيلية مواجهتها. ومن خلال قراءة في تطور استراتيجيات المواجهة في الضفة الغربية خلال الفترة 2021-2023، درست آيات حمدان ظاهرة الكتائب التي تشكّلت محليًّا في المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، وذلك على الرغم من سياسات مكافحة التمرد التي طبّقتها القوى الدولية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، والتي لم تنجح في إنهاء تنظيمات المقاومة وتشكيلاتها كليًّا. وفي سياق متصل، قدّم مجد درويش أدلةً على الشرعية الدولية للمقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي وبنيته الاستعمارية، في ضوء التجاهل شبه التام لشرعية المقاومة المسلحة الفلسطينية من غالبية الأوساط الأكاديمية التي تهتم بالربط بين القانون الدولي وقضية فلسطين، وهو أمر غير طبيعي.
تُختتم أعمال منتدى فلسطين في 12 شباط/ فبراير، على نحو ما هو مُبيَّن في
جدول أعماله في اليوم المقبل، بنسقٍ موازٍ مشابه؛ حيث تنعقد ثلاثة مسارات في الجلسة الأولى، وأربعة مسارات في الجلسة الثانية. وتناقش هذه المسارات التضامن العالمي مع فلسطين، واللاجئين والمهجرين الفلسطينيين، والانتماء في المجتمع الفلسطيني، وأنظمة السيطرة الاستعمارية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، والصحة والبيئة في سياق الاستعمار الاستيطاني، وصراع الذاكرة، وبناء الاقتصاد. ويتبع الجلستين في اليوم الثالث والأخير ندوتان عامتان مخصصتان لتناول حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعد العدوان على غزة، ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني.