بدون عنوان

تضمّن العدد الرابع (ربيع 2022) من دورية "حِكامةالتي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، أربع دراسات بحثية ناقشت موضوعات السياسات اللغوية والهوية الوطنية في المغرب والجزائر، وإصلاح جهاز الإدارة العامة وتحديات إعادة بناء الدولة في اليمن، وسياسات الإقامة والتجنيس: دراسة مقارنة في تجارب الدول المغاربية، وسياسات استقلال القضاء في الجزائر: مكانة القضاء في الدّستور المعدّل لسنة 2020. واشتمل باب "تقارير وأوراق سياسات" على ورقة سياسات، إضافة إلى تقريرين أحدهما مترجم؛ حيث تبحث ورقة السياسات في القرار المشترك لكل من الحكومتين الكندية والهولندية المتمثل برفع دعوى متعلقة بمسؤولية الحكومة السورية عن الإخلال بالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، وغير ذلك من ضروب المعاملة اللاإنسانية. في حين يناقش التقرير ما صدر من قوانين ذات أثر مباشر في استقلال القضاء المصري، لتبيان الحدود التي رسمتها هذه القوانين في السلطة القضائية لدورها. أما التقرير المترجم فيفسر المهمات والمسؤوليات التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات بحسب الحوكمة الرشيدة لقطاع الأمن. وفي باب "دراسة مترجمة"، هناك دراسة بعنوان "انعكاس السياسات العامة على المواطنة الديمقراطية: تجسير الفجوة بين دراسة السياسات العامة والسياسة الجماهيرية". وأخيرًا تضمّن باب "مراجعات وعروض كتب" عرضين؛ أحدهما لملف صادر عن دورية القانون والحوكمة في الشرق الأوسط؛ والآخر لكتاب يحمل عنوان عيش مرحرح: الاقتصاد السياسي للسيادة على الغذاء في مصر.

يسلّط عبد اللطيف المتدين في دراسته، "السياسات اللغوية والهوية الوطنية في المغرب والجزائر"، الضوء على أثر الهويات الثقافية الفرعية في مسألة استقرار الدولة، ومدى التحدي الذي تطرحه في وجه الهوية الوطنية، في المغرب والجزائر. ويعرض، على نحوٍ مقارن، سياسات الهوية في فرنسا التي تميزت، إلى حد ما، بقدرتها على إدماج الثقافات الفرعية في هوية وطنية جامعة مَكَّنتها من تجنّب أخطار الصراع الثقافي واللغوي وتأثيره السيّئ في وحدة المجتمع. وتتلخص إشكالية دراسته في اختبار مدى قدرة السياسات العامة في المغرب والجزائر على فرض عناصر هوية وطنية جامعة، وكيفية مواءمة ذلك مع مقتضيات الحقوق والحريات المرتبطة بالهوية اللغوية. وخلُصت الدراسة إلى أنّ الصراع حول الهوية اللغوية والثقافية يؤثّر سلبيًا في الاستقرار السياسي والاجتماعي في المغرب والجزائر، وأن التنوع الثقافي غير المنظَّم في إطار سياسات عامة متوازنة من شأنه أن يُذكي الولاءات المحلية ويزيد من الحشد الأيديولوجي لإبراز الهوية الأمازيغية والسمو بها إلى مراتب الهيمنة في هذين النموذجين. وبناء عليه، تشدد الدراسة على أن الحلول المتصوَّرة لأيّ صراع حول الهوية يجب أن تمرّ بطريق سياسات عامة تعمل على تنظيم عناصرها الأساسية وترتيبها، كاللغة والدين. وفي السعي نحو الاستقرار، تبرز الحاجة إلى متابعة خطاب الهوية وتهذيبه وتقويم انحرافاته التي تهدد الاستقرار والتعايش بين الثقافات المختلفة. وفي المثال الفرنسي ما يعزز هذا التصور، على الرغم من كل ما يمكن أن يُؤخذ عليه.

في حين يسعى أحمد الماوري في دراسته، "إصلاح جهاز الإدارة العامة وتحديات إعادة بناء الدولة في اليمن"، إلى تسليط الضوء على واقع جهاز الإدارة العامة في اليمن، وتأثير المراحل التي مرّ بها اليمن منذ اندلاع ثورة الشباب في عام 2011 وحتى الآن في هذا الجهاز، وتبيان إذا ما كان بواقعه الحالي عاملًا مساعدًا أم عاملًا معوقًا لجهود إعادة بناء الدولة في المرحلة المقبلة. اعتمدت الدراسة على منهجية نوعية استندت إلى مراجعة الوثائق والدراسات والأدبيات السابقة. وإضافة إلى ما كان يعانيه جهاز الإدارة العامة من اختلالات، توصّلت الدراسة إلى أن الأحداث التي شهدها اليمن منذ عام 2011، مرورًا بالحرب الدائرة منذ عام 2015، أدّت إلى مزيد من الاختلالات والانقسام في هذا الجهاز، وحدّت من قدرته على القيام بدوره الخدمي والتنموي، حيث أصبح أداةً من أدوات الصراع، وبذلك يتحتم على الحكومات المقبلة إيلاء هذا الجهاز أهمية خاصة، والعمل على إصلاحه وفق منهجية علمية سليمة لضمان قيامه بأدواره التنموية والخدمة بحياد ومهنية.

وفي دراسة بعنوان "سياسات الإقامة والتجنيس: دراسة مقارنة في تجارب الدول المغاربية"، يبحث سعيد مشاك في إشكالية موضوع الجنسية والإقامة في كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، وينطلق من دراسة وتفكيك التشريعات والسياسات المتعلقة بالإقامة والجنسية في هذه البلدان، في محاولة لفهم خصوصياتها وتقاطعاتها وتماثلها، والوقوف عند مكامن قوتها وضعفها، اعتمادًا على المنهج القانوني الوصفي والمنهج التحليلي والمنهج المقارن. ومن النتائج الرئيسة التي توصلت إليها هذه الدراسة أنه على مستوى التشريعات الخاصة بالدخول والإقامة، تم تسجيل تماثل مهمّ في مسار تطور هذه التشريعات، سواء تعلّق الأمر بما هو داخلي عبر اعتماد قوانين تحكَّم فيها الهاجس الأمني والاقتصادي، أو ما هو خارجي في الجانب المتعلق بالتصديق على بعض الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، باستثناء تونس التي لا زالت مترددة في التصديق على "الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم". وتنتهي إلى أن الأطر القانونية في البلدان الأربعة متشابهة نسبيًا فيما يتعلق بالجنسية، من حيث المعايير والإجراءات الخاصة بالحصول عليها، ومتأثرة بالعوامل نفسها التي تبرز على نحوٍ لافت فيما يتعلق بالمساواة في الجنسية.

ويحاول كمال جعلاب في دراسته بعنوان "سياسات استقلال القضاء في الجزائر: مكانة القضاء في الدّستور المعدّل لسنة 2020"، تلمُّس مدى استقلال القضاء في الجزائر، وفق ما ينص عليه التعديل الدستوري لسنة 2020، وفي ضوء الاعتبارات العملية التي تؤثّر في القضاء وفي عمل القضاة. وخلُص عبر تحليل النصوص الدستورية والقانونية إلى أن تولّي رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للقضاء وارتباط النيابة العامة تدرجيًا بوزير العدل يجعلان القضاء جهازًا أقرب إلى مرفقٍ عام تابعٍ للسلطة التنفيذية.

وفي باب "تقارير وأوراق سياسات"، ينشر العدد ورقة سياسات لـغنى بديوي بعنوان "اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لمساءلة الحكومة السورية عن خرق التزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب"، تتناول فيها القرار المشترك لكل من الحكومتين الكندية والهولندية المتمثل برفع دعوى متعلقة بمسؤولية الحكومة السورية عن الإخلال بالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. وتشدد الورقة على أن هذه الخطوة مهمة لثلاثة أسباب على الأقل: أولها، مواصلة الضغط على الحكومة السورية وتذكيرها بأن انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك تعذيب الكثيرين حتى الموت في السجون، لن تُنسى من جهة الدول الملتزمة بنظام دولي، والمصممة على محاسبتها مهما امتد أمد الصراع. وثانيها، أنّ ذلك الإجراء قد يُحفز، أو يُجبر، الحكومة السورية على اتخاذ إصلاحات دستورية وتشريعية تتماشى مع التزاماتها، بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، ومحاسبة مرتكبي أعمال التعذيب. وثالثها، أن تحرّك كندا وهولندا خارجٌ عن نطاق استعمال حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من جانب حلفاء الحكومة السورية، ومن ثم فهو فرصة لبذل المزيد من الجهد لفتح سجل الحكومة أمام التدقيق الخارجي لانتهاكاتها حقوق الإنسان. وتخلص الدراسة إلى أن تحرّك كندا وهولندا يقع على نحو صحيح في مجال أو مبدأ "مسؤولية الدولة"، وأنه لا ينبغي الخلط بينه وبين التحرك بموجب نظام روما الأساسي لمعاقبة الأفراد الذين يرتكبون جرائم ضد القانون الدولي؛ مثل جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والجرائم ضد مقاصد الأمم المتحدة.

وفي الباب ذاته، يقدّم طارق عبد العال تقريرًا بعنوان "أثر التشريعات في سياسات استقلال القضاء في مصر"، عرض فيه ما صدر من قوانين ذات أثر مباشر في استقلال القضاء، في محاولة لتبيان الحدود التي رسمتها هذه القوانين لتمارس السلطة القضائية دورها، وتسليط الضوء على الأبعاد القانونية للتشريعات التي تمسّ كيان الهيئات القضائية، من حيث طبيعتها وهياكلها وفاعليتها واستقلاليتها وممارستها لدورها المتمثل في العمل القضائي ذاته، من خلال رصد نماذج من التشريعات التي تدفع بالممارسة القضائية إلى العمل بمقتضى قوانين بعينها، وتؤثّر في الحصيلة في مسارات الحياة بكافة تنوعاتها. وقد بيّنت نماذج التشريعات المعروضة في التقرير أن الغرض منها كان تقويض عمل السلطة القضائية واستقلاليتها، بما يتنافى مع سيادة القانون منذ لحظة إصدار تلك التشريعات، فكانت التشريعات في غالبيتها موجَّهة إلى التعدّي على الحقوق والحريات، ودفعت بمسارَين؛ أولهما إهدار معنى الديمقراطية للقضاء من خلال التحكم في نسق استقلال السلطة القضائية، وثانيهما التحكم في مسار العمل القضائي.

ويُختم هذا الباب بتقرير صادر عن مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن (DECAFبعنوان "أجهزة الاستخبارات: الأدوار والمسؤوليات استنادًا إلى الحوكمة الرشيدة لقطاع الأمن" ترجمته هيئة تحرير حِكامة. يفسر التقرير المهمات والمسؤوليات التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات بحسب الحوكمة الرشيدة لقطاع الأمن؛ حيث إن تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة لقطاع الأمن على أجهزة الاستخبارات يجعلها فعّالة وخاضعة للمساءلة، في إطار الحكم الديمقراطي، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان.

وفي باب "دراسة مترجمة"، اشتمل العدد على ترجمة دراسة لكل من سوزان ميتلر وجو سوس، بعنوان "انعكاس السياسات العامة على المواطنة الديمقراطية: تجسير الفجوة بين دراسة السياسات العامة والسياسة الجماهيرية". وترى الدراسة أن دارسي السياسة خاضوا نقاشًا موسعًا في كيفية تأثير الجماهير في السياسات العامة، وفي المقابل قلّما تناولوا آليات تأثير السياسات العامة في الجماهير. وتسعى الدراسة لتوضيح كيف تؤثّر السياسات العامة، حال سريانها، في سلوك المواطنين وتفكيرهم السياسي؛ فمثل هذه التأثيرات يصعب تحديدها باستخدام الإطار القياسي الخاص بمقاربات السلوك الجماهيري التي عادة ما يتجاهلها مقيّمو البرامج ومحلّلو السياسات. وتداركًا لهذه الفجوة، يستعين الباحثان بتراث بحثي ممتد يسمى بـ: "التقليد السياسي" لأبحاث السلوك الجماهيري. وتدمج الدراسة التراث البحثي المذكور مع الأبحاث التي تدرس "ردات الفعل على السياسات"، لتقدّم إطارًا للتفكير في الكيفية التي تؤثّر بها السياسات العامة في السياسة الجماهيرية. وتتضمن هذه الآثار أنواعًا رئيسة، منها تحديد الانتماء وتشكيل التماسك السياسي الخارجي وتقسيم المجموعات وبناء القدرات المدنية أو تقويضها وتأطير أجندات السياسات ومشكلاتها وتقييماتها وتنظيم المشاركة السياسية أو تحفيزها أو تثبيطها.

وفي باب "مراجعات وعروض كتب"، وردت مراجعة أعدها محمد حمشي لملف خصصته دورية القانون والحوكمة في الشرق الأوسط Middle East Law and Governance لاستكشاف التباين في الطرائق التي تعاملت بها الدول والفاعلون من غير الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وكيف ساهمت الأزمات المالية والسوسيو-اقتصادية وضعف القدرات المؤسسية في تفاقم تأثير الجائحة في الدولة والمجتمع في المنطقة من ناحية، وفي تشكيل استجابات الدول والفاعلين من غير الدول من ناحية أخرى. وقد ضم الملف تسع دراسات تتناول هذا التباين اعتمادًا على مقاربة مقارنة ومن منظورات منهجية مختلفة، كيفية وكمية، أعدها باحثون عربٌ وغيرُ عرب مختصون في دراسة المنطقة، وذوو خلفيات أكاديمية متعددة.

وقدّم عبده موسى مراجعة لكتاب عيش مرحرح: الاقتصاد السياسي للسيادة على الغذاء في مصر، الذي يدور حول مفهوم السيادة على الغذاء؛ حيث يتضاءل الاهتمام بهذه المفاهيم المقاومة، المستقاة من ممارسات الناس وأفعالهم في مواجهتهم غوائل الإفقار وآثار سياسات التقشف. ومن أجل ذلك، يطلق الكتاب صرخة علمية، معززة بالشواهد الميدانية، في وجه السياسات النيوليبرالية وطغيانها على الاقتصاد الزراعي في مصر، ويلفت النظر إلى عالم منسيّ، بقرى حزام الريف الأشد فقرًا في شمال صعيد مصر ووسطه.