بدون عنوان

المتحدثون في الندوة
الحضور المشارك في الندوة
نقاشات ومداخلات

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في فرعه ببيروت مساء الخميس  13 أيلول / سبتمبر، حلقة نقاشية، تحلّق فيها جمع من الأكاديميين والباحثين حول كتاب الدكتور عزمي بشارة "الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيّلة"، الصادر عن المركز في آذار/مارس، والذي تناول فيه ظاهرتي الطائفة والطائفية بمنهج متداخل التخصصات، محاولًا تطوير نظرية في الطائفة والطائفية بدراسة مقارنة لتاريخ هاتين الظاهرتين. يعتبر الكتاب المكون من خمسة عشر فصلًا  (822 صفحة من القطع الكبير عدا الفهارس التي تصل إلى أكثر من 200 صفحة)، تقاطعًا معرفيًا مع مشروعٍ معرفيٍّ تراكمي يقوم به بشارة لدراسة تاريخ الظاهرة الدينية وعلاقتها بالعلمنة صدر منه جزءان بعنوان "الدين والعلمانية في سياقٍ تاريخيّ". ويتناول الكتاب عملية تحوّل الطائفية الاجتماعية إلى طائفية سياسية مستندًا إلى إطار نظري يشتبك فيه مع نظريات اجتماعية، وتحليل للتاريخ الاجتماعي، واستقراء نماذج من بلدان عربية مختلفة مع مقارنتها بنماذج غير عربية. ويتميز الكتاب بتطوير مفهوم للطائفية قائم على تعريفات جديدة لمفاهيم الطائفة والطائفية وإنتاج الطوائف المتخيلة بناء على بحث الظواهر، مناقشًا تطورها في التاريخ العربي الإسلامي، ومميزًا لها عن مفاهيم أخرى استخدمت لدراسة تطور الجماعات الدينية في السياق الغربيّ.

افتتح الحلقة الدكتور خالد زيادة، مدير فرع المركز في بيروت مشيرًا إلى أهمية الموضوع والمفاهيم التي يتطرق إليها، فضلًا عن غناه في ما يشتمل عليه من تفكيك لمفهوم الطائفة والطائفية، وعرضه لتجارب العديد من الدول التي عرفت هذه الظاهرة.

بداية، تحدثت الكاتبة والباحثة الدكتورة دلال البزري، فاعتبرت أن بشارة غاص بكتابه في دهاليز الطائفة والطائفية، وأغناه بكثير من التفاصيل والتشعبات  "التي تستفز العقل البشري"، ولما يحويه من "وصف معمّق لتضاريس الطائفية". واعتبرت في مداخلتها المطولة أن الطائفية السياسية هي نتاج التثاقف بين الطائفية والحداثة، وأن الطائفة "ابنة التفاعل السلبي بين الحداثة والطائفة"، نافية أن تكون ابنة التقليد. فالاختراق الحداثي للمنطقة العربية وعلى مبدأ المساواة الحقوقية ولّد عكس ما كان يرتجى منه من "طائفية سياسية جديدة تقوم على التخيّل الطائفي  في معادلة معادية للحداثة والدولة الحديثة . وقد أفسحت المجال لعدد أكبر من الطوائف لبلورة كياناتها". ورأت البزري أن الثنائي الطائفية/الحداثة المتناقضين اللذين يتفاعلان بشكل سلبي بحاجة إلى مزيد من البحث والمراجعة.

من ناحيته، أشاد الدكتور ساري حنفي، الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت ورئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، بالرصانة الأكاديمية لبشارة وبمشاريعه العلمية الكبرى. ورأى أن بشارة وُفّق في كتابه في تفكيك نظرية المؤامرة التي اشتهر بها اليسار العربي باعتبار "الطائفية هي ظاهرة غريبة صنعها الاستعمار والإمبريالية الحديثة". ووافقه في أنها "ظاهرة أصيلة في المجتمعات العربية قامت بتفعيلها الأنظمة العربية  وتيارات نشرت خطاب الكراهية ذا البعد الديني السياسي الشعبوي ضد أتباع الديانات والمذاهب الأخرى".

واعتبر حنفي أن كتاب الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيّلة طفرة في دراسة ظاهرة الطائفية وتعميق لدراسات مهمة بدأها مفكرون وباحثون عرب آخرون سبقوه إلى طرق هذه المسألة التي تعانيها الشعوب العربية وتعبث بمصائرها. واعتبر حنفي أن "الطائفة ليست مصطلحًا دينيًا أو ثيولوجيًا، بل هو مصطلح سوسيولوجي يتحدد كظاهرة ... بظاهرة التنافس والصراع".

أما الدكتور كريم المفتي، استاذ العلوم السياسة، فاعتبر أن العمل على مفهوم الطائفة، سواء أكانت حقيقة أم متخيلة، فإنها أمر شغل العالم منذ أمد بعيد جدًا. وهو موضوع تضرب جذوره في تاريخ البشرية آلاف السنين. وعاد  المفتي بأصل المفهوم إلى زمن الإمبراطورية الرومانية والدول – المدن الإغريقية، حين كان المواطنون طائفة والعبيد طائفة، كما كان الرومان وغير الرومان في الإمبراطورية الرومانية طوائف، وذلك كله قبل الديانات السماوية المعروفة. وعمد إلى تفكيك المفهوم بدلالته السياسية المتعددة.

 واعتبر في مداخلته أن الدكتور عزمي بشارة حاول الخروج في كتابه عن المدارس البحثية المعروفة، واشتق لنفسه مسارًا مغايرًا، بسبره الجذور التاريخية والدينية للمفهوم. وأكد ما ورد في الكتاب أن نفي البعض للطوائف أمر منافٍ للحقيقة، فهي ليست أمر مصطنع على الإطلاق؛ وأكد في معرض مداخلته أن "الطوائف تقول أنها تؤمن بالوطن، لكنها في الواقع تميل إلى تكريس مشاريع إثنية وقومية تذكرنا بقوميات القرن التاسع عشر في أوروبا". كما تطرق المفتي في حديثه إلى ما يسمى بالديمقراطية التوافقية في لبنان التي كرّست المحاصصة على أساس الطائفة/ من منطلق الطائفية السياسية، وتعزيزًا لها.

من ناحيتها، أشادت الدكتورة مارلين نصر، أستاذة علم  الاجتماع والباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيسة الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع، بالجهد الكبير الذي قام به الدكتور عزمي بشارة وفريق العمل الذي استغرقه مدة سنتين لإنجاز هذا العمل الضخم. وركزت في مداخلتها على أهمية الموضوع، وأشادت ببراعة الدكتور بشارة في تفكيكه للفظة "الطائفة" التي لم ترتبط بالمذهب أو الدين تاريخيًا، حتى أدخلت الفرق السلفية في الطوائف بعض الطقوس الدينية.  واعتبرت الكتاب محاولة في تطوير  نظرية في الطائفة والطائفية من خلال دراسة مقارنة لتواريخ هذه الظواهر وديناميتها الداخلية.

واعتبرت الدكتورة نصر أن أهم ما يميز الكتاب هو تمييزه المذهب من الطائفة، ووضعه تعريفات جديدة للطائفة والطائفية، وتمييزه بين الفرقة في السوسيولوجية الأوروبية ومصطلح ا"لفرقة" في الإسلام.

وفي مداخلتها نفت نصر أن تكون الطائفة شأن متخيل، مؤكدة أن الطائفة وُجدت مع نشوء المدن وقبل نشوء الأديان. وساقت في استدلالها أمثلة عدة منها أن الطائفة إنما نشأت مع المهن والحرف، وتطرقت إلى كيفية دخول المفهوم المذهبي والديني وانتفاء المفهوم الحرفي والمهني عنه.