بدون عنوان

جانب من الحضور في ندوة: التقارب الإيراني الأميركي

استحوذت انعكاسات إمكانية تعزيز التقارب الإيراني - الأميركي الحاصل منذ اعتلاء حسن روحاني رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على الحيّز الأكبر من النقاش الذي تلا محاضرات الندوة الفكرية التي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مساء أمس الأربعاء (9 تشرين الأوّل / أكتوبر 2013) في النادي الديبلوماسي في الدوحة، بعنوان "التقارب الإيراني - الأميركي: الخلفيّة والآفاق". وأشار المحاضرون وعددٌ من المتدخّلين في النقاش من جمهور الباحثين والمهتمّين الذين حضروا الندوة، إلى أنّ العرب قد يكونون أكبر خاسر في هذا التقارب إن حدث؛ بالنظر إلى المساومات التي ستحكم هذا التقارب بشأن العديد من القضايا المتعلّقة بالوطن العربي، إضافةً إلى إمكانية تعزيز النفوذ الإقليمي الإيراني على حساب العرب خصوصًا مع انشغال الدول العربية الكبرى بأوضاعها الداخلية؛ مثل مصر والسعودية، وبأوضاع دولٍ عربية أخرى كسورية.

ولكن المحاضرين ركّزوا على التقليل من فرص بلوغ التقارب الإيراني - الأميركي مستوياتٍ متقدّمة. وقال الدكتور محجوب الزويري إنّه ينبغي ألا نبالغ في الذهاب إلى استنتاجاتٍ سريعة؛ فالعلاقة بالغة التعقيد، وهناك حذرٌ شديد في التقارب من كلٍّ من البلدين نحو الآخر، مرجّحًا أن تكون التطوّرات الأخيرة نوعًا من "التكتيك" الإيراني لمواجهة ما تعرّضت له صورة "إيران الثورة" من تشوّهٍ بسبب مواقفها من الثورات العربية. ومن جهته، يرى الدكتور مروان قبلان أنّ الموضوع أصعب كثيرًا ممّا يُحكى عنه في الإعلام. ويعتقد الدكتور رشيد يلوح أنّ إيران والولايات المتحدة قد تجدان في المحاور الثقافية أرضية جيّدة للتقارب مستقبلًا.


تكتيك إيراني لاستعادة "الصورة"

المتحدثون في الندوة

أشار مدير الندوة، الدكتور خالد الجابر في بدايتها إلى سلسلةٍ من الأحداث التي تشّف عن التقارب الإيراني – الأميركي، منذ تولّي حسن روحاني رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فقد كانت أولى رسائل التقارب المقالة التي كتبها روحاني نفسه، ونُشرت في صحيفة الواشنطن بوست تحت عنوان "لماذا تسعى إيران إلى مشاركة بنّاءة"، وأشار فيها (وهو الذي تولّى سابقًا منصب كبير المفاوضين النوويين في إيران) إلى رغبة إيران في الوصول إلى اتفاق مع الغرب بشأن الملفّ النووي في غضون ثلاثة أشهر. وتلا هذه المقالة خطاب روحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعده مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.

وقدّم الدكتور محجوب الزويري، أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر، تحليلًا عكسه عنوان ورقته "الرئيس روحاني وإيران: رؤية قديمة في عباءة جديدة". وانطلق من سؤالٍ رئيس: هل غيّرت إيران نظرتها تجاه أميركا مع تولّي روحاني الرئاسة؟
د. خالد الجابر مترئسًا الندوة
وأكّد في محاولته الإجابة عن هذا السؤال أنّ إيران دأبت منذ عام 1989 على نهجٍ متكرّر في علاقاتها بالولايات المتحدة وأوروبا والعالم، ينطلق من ضرورة محاولة صوغ رأيٍ عامّ جديد وإبراز صورة جديدة لإيران في علاقاتها بالعالم في كلّ مرة يحدث هناك تغيير في المشهد السياسي الداخلي. وأوضح أنّ ما يصنع الهالة الإعلامية والسياسية حول هذا المسار المتكرّر هو أيضًا أمنيات الدول الغربية ذات العلاقات المتوترة بإيران، في حدوث تغيير فعلي في نظرة الجمهورية الإسلامية ومواقفها. ولكنه يؤكّد أنّ هذه الأمنيات يبعُد أن تتحقّق؛ لأنّ الوضع استمرّ على ما كان عليه منذ عقودٍ عديدة.
ويقدّر الدكتور الزويري أنّ مسألة "الصورة" هي الأهمّ لدى إيران، إذ تسعى إلى أن تَظهر في صورة من يرغب في أن يكون طرفًا قادرًا على المساهمة في حلّ المشاكل الإقليمية، وهي تريد انتزاع نوع من الاعتراف لها بدورٍ إقليمي.

وقال إنّ النظرة المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية هي المفتاح الحقيقي للعلاقة بينهما، وإنّ العلاقة بينهما تحكم علاقة إيران ببقية العالم الغربي؛ فمفتاح العلاقة بين إيران والعالم موجود في واشنطن. وأردف مؤكدًا على أنّ أيديولوجية النظام الإيراني القائمة منذ ثورة 1979 على العداء لأميركا، عامل محدّد في العلاقات بين البلدين.
د. محجوب الزويري

وأضاف أنّ من عوامل التقارب الحاصل بين إيران والولايات المتحدة والمرافقة لمفعول تغيّر المشهد السياسي الداخلي في إيران (انتخاب روحاني رئيسًا)، والإخفاقات الاقتصادية الإيرانية في السنوات الثماني الماضية. فقد اعترف روحاني وإدارته بالضرر الاقتصادي الذي سبّبته العقوبات لبلاده، حتى أنّ تأثيراتها أصبحت تهديدًا للأمن الداخلي، وهو ما جعل الرئاسة الجديدة تبحث عن طريقٍ جديد لتخفيف ضغط العقوبات.

ويرى الزويري أنّ التطوّرات الأخيرة في مشهد العلاقات الإيرانية – الأميركية ما هي إلا "تكتيك" إيراني لمواجهة ما تعرّضت له صورة إيران الثورة من تشوّهٍ بسبب مواقفها من الثورات العربية.

وخلص المحاضر إلى القول: "من الضروري ألا نبالغ في الذهاب إلى استنتاجات (بخصوص التقارب بين البلدين) لأنّ العلاقة بالغة التعقيد وهناك حذر شديد من الطرفين". وأوضح أنّ آفاق التقارب الذي بدأ، محكومة بعاملين؛ أوّلهما إمكانية اقتناع الرأي العامّ في البلدين بجدوى التقارب؛ والثاني هو موافقة القوى الإقليمية الأخرى عليه، وفي مقدمتها تركيا وإسرائيل.

 

العامل الاقتصادي محفز إيراني للتقارب

د. مروان قبلان

من جانبه، استعرض الدكتور مروان قبلان، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المسار التاريخي للعلاقات الإيرانية – الأميركية، وخلص إلى أنّ هذه العلاقات ظلّت متوترة على مدى عقودٍ من الزمن، وأنّها أصبحت تتّسم بالعداء والخصومة منذ الثورة الإيرانية، خصوصًا مع إصرار إيران على تنفيذ مشروعها الإقليمي لتصبح الفاعل الرئيس في المنطقة. وأكّد أنّ المشروع الإيراني استعاد زخمه منذ أيلول / سبتمبر 2001 مستفيدًا من أخطاء الولايات المتحدة، بعد أن ساعدته في إطاحة أهمّ خصمين له في المنطقة، وهما العراق وأفغانستان.

ورأى الدكتور قبلان أنّ العامل الاقتصادي وتأثير العقوبات، من أبرز عوامل التقارب الذي بدأ بين إيران والولايات المتحدة، كما يعدّ الملفّ السوري أحد هذه العوامل. وأوضح أنّ إيران استوعبت أنّ مشروعها النووي الذي رغبت في أن تجعله أداة لزيادة نفوذها الإقليمي أصبح حملًا ثقيلا عليها، وصارت الأداة مكلفة جدًّا بسبب العقوبات، ما يدفعها إلى البحث عن طرقٍ أخرى أقلّ كلفة لتعزيز نفوذها.

د. رشيد يلوح

وتوقّع الدكتور قبلان أن تشهد الفترة المقبلة مفاوضاتٍ إيرانية – أميركية، ولكن مسارها سيتوقّف على توقّعات الولايات المتحدة للتنازلات التي يمكن أن تقدّمها إيران. ولكنّه شدّد على أنّ الموضوع أصعب بكثير ممّا يحكى عنه في الإعلام.
وعدّ الدكتور رشيد يلوح، الباحث في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، المحاور الثقافية أحد أهمّ العوامل والأرضيّات التي يمكن أن تقدّم دفعة للتقارب بين إيران والولايات المتحدة، موضّحًا أنّ هذه المحاور تملك فرصًا أفضل للنجاح من محاولات سابقة نظرًا إلى أنّ المرشد علي خامنئي يدعم هذه المرة هذا التقارب. وأبرز في ورقةٍ بعنوان "الخلفية الثقافية للتقارب الإيراني - الأميركي" المحاور الرئيسة التي تُبقي بها الولايات المتحدة على علاقتها بإيران – حتّى في مراحل التوتّر السياسي – مستعينةً بجسورٍ ثقافية جرى بناؤُها على امتداد عقودٍ طويلة.