بدون عنوان

الدكتور عبد الناصر جابي
الدكتور ناصر الدين سعيدوني معقبًا
جانب من الحضور المشارك في الحلقة النقاشية
الدكتور الجابي مجيبًا عن تساؤلات الحضور

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الإثنين 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر سابقًا، الدكتور عبد الناصر جابي الذي قدم محاضرة بعنوان: "الحركات الأمازيغية في دول شمال أفريقيا: أشكال التعبير، النخب، التحديات"، وهي مشروع كتاب جماعي عمل على الإشراف المباشر عليه.

وأشار جابي في مستهل محاضرته إلى أن هذا البحث الأكاديمي شمل خمس دول في شمال أفريقيا (المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر)، وأنجزه فريق أكاديمي متعدد الاختصاصات من أبناء المنطقة، من الجنسين. واستعرض عملية إنجازه التي استغرقت سنتين من البحث في عينة من تسع مناطق داخل الدول الخمس. وهو البحث الأول من نوعه بهذه المقاربة والاتساع في تاريخ الدراسات الأمازيغية التي سيطرت عليها تاريخيًا المدارس الغربية، قبل ظهور جيل من الباحثين من أبناء المنطقة على قلتهم حتى الآن، بحسب رأيه.

وأشار جابي إلى أن البحث قد اعتمد مناهج نوعية؛ من خلال مقابلات مطولة مع فاعلين سياسيين وجمعويين أمازيغ، من الجنسين ومن أجيال مختلفة، من المناطق المدروسة وفي العواصم التي توجد فيها مقرات الأحزاب السياسية والجمعيات الأمازيغية بنخبها الوطنية. وقد ركزت الأبحاث على دراسة أشكال التعبير التي يتمظهر من خلالها المطلب الأمازيغي في الدول الخمس، وداخل كل حالة وطنية، في مختلف الجهات المدروسة؛ وكيف تطور مع الوقت، من بداية ظهوره التي افترضت الدراسة أنها كانت مختلفة تاريخيًا من حالة وطنية إلى أخرى وداخل كل حالة وطنية. وقد بين البحث أسبقية الحالتين الجزائرية (منطقة القبائل) والمغربية تاريخيًا، مقارنةً بالحالات الوطنية الأخرى التي تأخر فيها المطلب الأمازيغي؛ لأسباب موضوعية متعلقة بتاريخ كل حالة وحجم حضورها الديموغرافي، إلى درجة كاد يتحول هذا المطلب في بعضها إلى "ظاهرة فلكلورية" في البلدان التي تحتل فيها السياحة مكانة مهمة، بصفتها نشاطًا اقتصاديًا ومصدر دخل مالي كمصر وتونس عبر الصناعات التقليدية.

وأكد جابي أن هذا البحث لم يهتم كثيرًا بالبعد التاريخي ولا اللغوي الذي ظلّ حاضرًا في النقاشات المجتمعية بين النخب المنقسمة بحدة حول هذه القضايا؛ كمسألة الحرف الذي تكتب به اللغة الأمازيغية (التيفيناغ، أم الحرف العربي، أم الحرف اللاتيني)، في ظل تسارع الأحداث، بعد الاعتراف باللغة الأمازيغية دستوريًا في المغرب (2011)، والجزائر التي اعترفت بها لغةً وطنيةً بعد التعديل الدستوري الذي أعقب أحداث منطقة القبائل (2002)، قبل دسترتها بصفتها لغةً وطنيةً ورسميةً، والاعتراف كذلك بـعيد الناير عيدًا وطنيًا رسميًا (رأس السنة الأمازيغية) في التعديل الدستوري (2016). وهو اعتراف واكب انتشار تعليم اللغة داخل المنظومة التعليمية الرسمية العمومية، في إطار تكريس إضافي لانتشارها الإعلامي العمومي والخاص (قنوات تلفزيونية وإذاعية) الذي تشترك فيه الجزائر والمغرب وجزئيًا مع ليبيا. وهذا الأمر جعل الحالة الليبية أقرب في قوة حضورها نسبيًا إلى الحالتين الجزائرية والمغربية، مقارنة بالحالتين التونسية والمصرية المتشابهتين في ضعف الحضور الأمازيغي وسيطرة الدولة المركزية بنخبها وعقائدها الوطنية.

وقد أكد جابي أن الطرح الذي يتبناه هذا البحث لا ينطلق من قراءة إثنية للمسألة الأمازيغية، بل هو طرح سوسيو – ديموغرافي، يؤمن بأن المجتمعات المدروسة عرفت تلاقحًا ثقافيًا، امتزجت فيه مكوناتها البشرية عبر تاريخها الطويل.

وعقّب المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني على المحاضرة، مؤكدًا غياب مشروع مجتمع في شمال أفريقيا، فالمشروع الوحيد المستهلك هو الاستقلال الذي عقبه غياب واضح لمشروع مجتمع في دول المغرب العربي؛ ما أدّى إلى حركية تموضع اجتماعِي، وظهور مكونات مجتمعية تميز نفسها من الحضارة العربية ببعدها الثقافي والإنساني. وأبدى تخوفه من المستقبل ومن شكل العلاقة بين المكونين العربي والأمازيغي، ودعا إلى ضرورة الابتعاد عن التنافس والتحسس من العروبة، كما دعا المثقفين إلى تعقيل القضية، والنأي بها كليًّا عن العنصرية الثقافية.

وتلا المحاضرة نقاش عام، شارك فيه جمهور الباحثين في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلابه.