بدون عنوان

في إطار نشاطات الدورة 62 لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب، نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مساء الجمعة بتاريخ 7 كانون الأول 2018، حلقة نقاشية موضوعها كتاب "سير عشر جامعات حكومية عربية" الصادر حديثًا عن المركز والذي أعدّه الدكتور عدنان الأمين وعشرة من الباحثين العرب. عُقدت الندوة في قاعة ندوات معرض الكتاب العربي الدولي، وشارك فيها الجامعيون اللبنانيون عزة سليمان، فارس اشتي، عدنان الأمين، ومن تونس كمال ابراهم.

ضمّ الكتاب سير عشر جامعات حكومية عربية، حصيلة حلقة بحثية عقدها المركز العربي في بيروت مطلع العام 2018، وشارك فيها بأوراق بحثية جامعيون عرب من مصر وسوريا ولبنان وليبيا والسودان وتونس والأردن والكويت واليمن والأردن.

قدم الندوة والمشاركين فيها مدير فرع المركز العربي في بيروت الدكتور خالد زيادة الذي اعتبر أن الكتاب "غير مسبوق" في مجاله، على الرغم من أنه "تمهيد لدراسات أعمق وأشمل" تتناول "الدور الاجتماعي والوطني والسياسي للجامعات، إبان تبلور الشخصيات الوطنية".

السياسة الفاسدة

افتتحت المداخلات عن الكتاب الدكتورة عزة سليمان، الأمينة العامة لتجمع الباحثات اللبنانيات، بمداخلة عنوانها: "إذا دخلت السياسة صرحًا أفسدته"، مشيرة فيها إلى أن الجامعات في الدول العربية "مرّت في ظروف متشابهة، على الرغم من الخصوصيات الاجتماعية" للشعوب في كل دولة. ثم تمحورت مداخلتها على المقارنة بين حال الجامعة الحكومية في كل من لبنان واليمن، فلاحظت أن "كلا الدولتين عاشتا أزمات تأسيسية ومؤسساتية عميقة ناجمة عن الخلل في الانصهار الشعبي" فانعكس ذلك على أوضاع الجامعتين الحكوميتين في البلدين، علمًا أن "الحراك الاجتماعي أكثر حيوية في لبنان منه اليمن".

وتطرقت سليمان إلى "الحوكمة ومعاييرها وأطرافها" في الجامعتين اللبنانية واليمنية، فرأت أنها كانت "فاعلة ومنتظمة نسبيًا" في بدايات عهد الجامعتين، قبل أن "تختل المعايير" لاحقًا في ظل الأزمات والمنازعات الاجتماعية والسياسية في البلدين. وهذا ما استتبع الكلام على استقلالية الجامعتين، فلاحظت أن الحركة النقابية والطالبية في لبنان "أسبق منها في اليمن، حيث كان ظهورها الأول بعد ما يزيد عن 10 سنوات على تأسيس الجامعة، وكانت أداة للسلطة" في داخلها.

استقلالية مقوضة

أما في لبنان فقد قوضت الحروب الأهلية (1975-1990) وأطرافها "استقلالية" الجامعة التي "تفرعت على أساس طائفي"، وتوقف دور مجلسها، "وانقسمت الحركة الطلابية" فيها.

أما الجامعة اليمنية في صنعاء، فعانت من استخدامها "ساحة للنزاع السياسي والأمني" في زمن الوحدة بين اليمن الشمالي والجنوبي.

وخضعت الجامعة إلى "تنشئة الطلاب وفقًا لأيديولوجيا حزبية على حساب التنشئة الوطنية". على صعيد البحث العلمي لاحظت سليمان في مقارنتها بين الجامعتين: "غياب السياسة العامة الهادفة إلى تطوير البحث"، بينما تأسست وزارة للبحث العلمي في اليمن في عام 1990، لكن قرار الأبحاث المالي والإداري والأكاديمي ظل "مرتبطًا بالقرار السياسي" الحكومي.

وختمت سليمان مداخلتها بملاحظة إجمالية عن الكتاب فقالت إنه "لامس محاور أساسية تشكل مؤشرات للقراءة، وتوضح مشاكل عديدة تعيشها الجامعات العربية حاليًا".

خطط إصلاحية

تناولت مداخلة الدكتور فارس اشتي، الأستاذ السابق في كلية الحقوق والعلوم السياسية ومعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية عن الكتاب - كان قد راجعه مطولًا في العدد الأخير من مجلة "تبيّن" الصادرة عن المركز العربي - مسألتين تعالجان "فكرة الكتاب وإنتاجه" باعتباره "رائدًا في ولوج حقل المقارنات العلمية بين المؤسسات العربية، مقدمًا مادة لبناء خطط لإصلاح التعليم العالي، بعيدًا من الخطابات المستخفة بالفوارق" بين البلدان العربية.

أما المسألة الثانية فتناول فيها اشتي مضمون الكتاب، فلاحظ "عدم إحاطته بالجامعات العربية كلها، والتفاوت بين الباحثين" المشاركين فيه وبين "المحاور" المعالجة. ثم قارن بين الجامعة اللبنانية وجامعة الخرطوم التي أسسها الحاكم العسكري البريطاني للسودان في عام 1902، وكان "حضور الحركة النقابية فيها فاعلًا، أساتذة وطلابًا"، خصوصًا في مشاركة الطلبة السودانيين في "الحراك العربي تحت عناوين الديمقراطية والتحرر وقضية فلسطين". رأى اشتي أن الجامعيتين تختلف "اختصاصات الكليات" فيهما، وتتماهيان "في النص على الإدارة الجامعية والاستقلالية" فيهما. لكنهما اختلفتا في تطبيق النصوص: اتبعت جامعة الخرطوم "التقاليد البريطانية" في تطبيق النصوص، وارتبط ذلك "بنظام الحكم وفاعلية الحركة النقابية". وتتشابه الجامعتان في "تزايد عدد الأساتذة وفي تفاوت الكفاءة بينهم". أما على صعيد الطلاب فقد "توسعت منابتهم الطبقية والمناطقية" في الجامعتين اللتين تراجعت الحركة الطالبية فيهما منذ تسعينات القرن العشرين. وذلك لسببين: "الحكم العسكري في السودان، ونمو القوى الطائفية وتحكمها بالجامعة في لبنان".

أربع مراحل تونسية

تناولت مداخلة الدكتور كمال ابراهم، المتخصص في التعليم في البنك الدولي، عرضًا لأوضاع جامعة تونس حسب قراءة السيد ضيف الله الواردة في الكتاب والتي "التزمت بدقة بتطور التعليم العالي في تونس منذ استقلال البلاد". وتميز البحث أيضًا "بتصنيف متعاقب لنظام التعليم الجامعي حتى عام 2011". وجاء ذلك النظام "لضمان سيطرة السلطات على النشاط السياسي" في الجامعات التونسية، على نحو "مغلق على أي شكل من أشكال المعارضة". وميّز براهم بين مراحل أربع مختلفة في تأريخه للجامعة التونسية:

- تميزت ستينيات القرن العشرين "بنمو سريع في عدد الطلاب والأساتذة والموازنات"، وكذلك "باستقلال نسبي" للجامعة.

 - بعد حوادث عام 1968، شهدت الجامعة "سيطرة مباشرة" للسلطات عليها.

- عقب "ثورة الخبز" التونسية في عام 1986، أعادت الحكومة التونسية رقابتها على الجامعة إلى “مستوى متوسط" من الوصاية.

- بعد ثورة 2011 التونسية، بدأت الجامعة التونسية تعيش "فترة تحوّل ديمقراطي" إلى جانب إنشاء جامعات جديدة، وتعميم انتخاب الهيئات الإدارية".

 لاحظ الباحث أن رغبة الحكومة في السيطرة السياسية على الجامعة "لم تمنع تطور الحركات السياسية" فيها. لكن كان لهذه الحركات "تأثير سلبي على جودة التعليم والبحث".

تحقيب واضح

اختتم الدكتور عدنان الأمين، المشرف على إعداد الكتاب، بعرض الفكرة المحفزة على إعداد هذا الكتاب: "فحص فرضية وجود نموذج في التعليم العالي"، يسميه "النموذج السياسي" فأشار إلى مطالبته الباحثين المشاركين بإجراء "متابعة تطور الجامعات" موضوع البحث "منذ تأسيسها حتى اليوم. وهذا معنى أن عنوان الكتاب سير عشر جامعات حكومية عربية‘". وذكر أنه اقترح على المشاركين في أبحاث الكتاب تتبع أو تقصي التعليم الجامعي في "حقب واضحة، أكانت سياسية أم غير سياسية". وذلك "ضمن محاور أربعة: (1) الحكامة (أو الحوكمة)، (2) الهيئة التعليمية، (3) الطلاب والحركة الطلابية و(4) الشؤون الأكاديمية. وكان لكل مؤلف الحرية في أن يتوقف في كل حقبة عند المحاور الأربعة، أو أن يتوقف في كل محور عند الحقب التي يقررها". أما هو فآثر مقاربة موضوع الجامعة اللبنانية في "حقب خمس".

تراجع في أربعة قطاعات

ولاحظ الأمين أن قراءتنا فصول الكتاب تبين لنا "قوة النموذج السياسي في تفسير ما حصل في معظم الجامعات الحكومية من تطورات، منذ تأسيسها إلى اليوم. ويمكن القول إن هذه الجامعات تطورت فعلاً في فترة معينة وما لبثت إن شهدت تراجعاً. حدث التراجع بسبب إخضاع الجامعة لمزيد من الاعتبارات السياسية. بل يمكن القول إن سبعينيات القرن العشرين شهدت بداية هذا التراجع". وأصاب التراجع أمورًا أربعة: "نوعية التعليم، الانفتاح الفكري داخل الجامعة، تشتت كل من الحركة الطلابية والهيئة التعليمية، وظيفة الجامعة في المجتمع".

ومن دلائل الأمين على التراجع في نوعية التعليم "الغياب التدريجي للمؤلفين الجامعيين العرب الكبار في العلوم الإنسانية والاجتماعية. والتراجع في درجة الانفتاح الفكري، مقارنة بما حصل مع طه حسين في عشرينيا١ت القرن الماضي بعد نشر كتابه ’في الشعر الجاهلي‘، وما حصل مع نصر حامد أبو زيد عندما تقدم بأطروحته طلبا للترقية في تسعينات القرن العشرين" في جامعة القاهرة.

هناك أيضًا "تشتت الحركة الطلابية والهيئة التعليمية وخضوع هؤلاء وأولئك لأجندات الحكومة أو لبعض التيارات السياسية الدينية أو الطائفية" والمثال اللبناني أنموذجًا لذلك.

انتهت الحلقة بنقاش تداول فيه الحاضرون آراءهم في الكتاب والوضع الأكاديمي الرسمي العربي.