بدون عنوان

أقام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت، في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، حلقةً نقاشيةً عن كتاب "المقاومة المدنية في الربيع العربي – الانتصارات والكوارث" Civil Resistance in the Arab Spring: Triumphs and Disasters  الصادر بطبعته العربية عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. وتأتي هذه الحلقة ضمن سلسلة الندوات التي يعقدها المركز العربي للأبحاث في بيروت. وشارك في النقاش كل من الباحث الدكتور خالد زيادة، مدير المركز في بيروت، وشبلي ملاط، الأستاذ في قانون الشرق الأوسط والسياسة بحامعة "يوتا"، وآدم روبرتس، الباحث الأول في العلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، وهيلين لاكنر، المتخصصة في الشؤون اليمنية، وإدوارد مورتيمر، والباحثة إلهام فخرو المحاضرة في جامعة البحرين سابقًا.

هذا الكتاب هو الكتاب الثاني الذي يحتوي على نتائج مشروع البحوث بشأن "المقاومة المدنية وسياسة السلطة – الأبعاد المحلية والدولية" الذي دشتنه جامعة أكسفورد في عام 2006. وكان قد ساهم في إعداده نخبة من الباحثين والمتخصصين في الشؤون العربية.

بدأت الحلقة بكلمة للدكتور خالد زيادة نوّه فيها بالكتاب وبمعديه وبثراء المعلومات التي يشتمل عليها عن حراكات لاعنفية كانت عشر دول عربية ميدانًا لها، وتؤكد أن خيار المقاومة المدنية خيار لا يمكن إهماله أو العزوف عنه في إحداث التغيير، وذلك ما أثبتته التجربة في بدايات الثورات العربية في كل من تونس والمغرب.

أما الدكتور شبلي ملاط، الذي ساهم في الكتاب بفصل عن "خلفية المقاومة المدنية في الشرق الأوسط"، وفنّد فيه "خرافة الفكرة القائلة بأن العوامل الثقافية الدفينة جعلت العالم العربي مهيئًا لقبول الحكم الدكتاتوري بالفطرة"، فأكد غنى الكتاب بالمعلومات التي تسبر الحراكات المدنية في المنطقة العربية في حقبة سبقت الربيع العربي بأعوام عدة. وركّز على الفكر المتقدم الذي تشهده المنطقة العربية، واعتبر أن الشعوب العربية تسبق مفكريها في مواقفها.

وركز آدم روبرتس على المقاربة التي تم اتباعها في إعداد الكتاب والبحوث التي عمدت إلى تفنيد المفاهيم الخاطئة في التعامل مع موضوع التغيير في العالم العربي؛ أن الديمقراطية لن تنجح إذا ما طُبّقت في العالم العربي، وهذا الأمر لا يروّج له في الخارج فحسب، بل يقال أيضًا في كثير من البلدان العربية، وأن الديمقراطية لا تتلاءم مع الفهم الإسلامي، وفي هذا المفهوم يتم استبدال عبارة "العربي" بـ "المسلم"، فضلًا عن أن الثورة هي دائمًا مدعاة للانهيار والفوضى.

واعتبر روبرتس أن ثمة فهمًا آخر خاطئًا، أثبتته نتائج الثورات العربية، وهو أن "تخلص الشعب من المستبد الحاكم، سيؤدي تلقائيًا إلى حدوث التغيير الذي ينشده الشعب"، واستشهد بمقولة لجان جاك روسو بأن الإنسان خلق حرًا لكنه مكبل في كل مكان، لكن مجرد زوال القيود المتجسدة في الحاكم لا تعني خلاص الشعب، ما لم يكن ثمة حكومة تملأ الفراغ الذي يخلّفه سقوط الحاكم المستبد وزواله. فالميدان لا بد من أن يعجّ بالحركات التي ستسعى إلى ملء الفراغ. وخلص إلى أن الدرس المستفاد من الثورات العربية، ومن البحوث التي ازدحم بها الكتاب هو "أن ثمة اختلاف في كل بلد، وأن لكل بلد خصوصيته" تملي مدى نجاح الحراكات التي تعصف به.

وفي كلمته المقتضبة، ثنّى إدوارد مورتيمر على ما قاله آدم روبرتس ودعا المشاركين إلى قراءة الكتاب وبحوثه من أجل إدراك أهمية المقاومة المدنية في الحراكات التي تهدف إلى إحداث التغيير، والتي امتدت نحو خمس سنوات قبل اندلاع الربيع العربي في أواخر عام 2010 في تونس. وفي رده على أسئلة الحضور أكد مورتيمر أن ما حصل في المملكة المغربية أمر لافت ومثير للاهتمام بسبب مركزية ما يُعرف بـ "المخزن" وأهميته هناك، فضلًا عن الخصوصية التي يتسم بها المغرب، بسبب تاريخه المميز، فحتى المعارضة هناك لا تتجرأ على التطاول على الملك أو على النظام الملكي، فضلًا عن أن المغاربة اعتادوا على ممارسة السياسة في ظل مثل هذه الظروف، حيث لم نسمع أي من رموز الحراك المدني هناك يطالب بإلغاء أو إسقاط الملكية.

أما بالنسبة إلى سورية فتطرق مورتيمر إلى الحقبة الأولى من الثورة السورية التي كانت حركة سلمية شعبية، في عقب ما حصل في تونس ومصر اللتين أفضت الانتفاضتين فيهما إلى سقوط رأسي النظام فيهما. واعتبر الباحث أن أحدًا لم يتوقع ردة فعل بشار الأسد المتطرفة أو لجوئه إلى قمع الحراك السلمي بالقوة المفرطة. واعتبر أن الانشقاقات الأولى التي قام بها أفراد من القوات المسلحة بدعوى حماية المتظاهرين السلميين، هي التي أدت إلى فشل الحركة السلمية، وإلى ضعف المعارضة في سورية.

أما هيلين لكنر، فأشارت في مداخلتها إلى أن أحدًا ما لم يكن يتوقع أن يقوم اليمنيون بحركة سلمية مدنية لاعنفية، وذلك بسبب كثرة وجود السلاح في البلاد. واعتبرت أن الحركة المدنية في اليمن حققت إنجازات مهدت الطريق إلى إحداث تغيير في البلاد، كان يمكن أن يشهد فاتحة تغييرات كثيرة أخرى، لولا الأحداث المسلحة التي أعقبت بداية الحراك فيه.

وفي مداخلة اختتم بها الحلقة النقاشية، شدد الباحث شبلي ملاط على ضرورة مساءلة الحكام، حتى بعد تنحيهم عن السلطة، أو إطاحتهم. وأشار في هذا الصدد إلى الخطأ الجسيم الذي ارتُكب في منح علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني السابق، الحصانة من المساءلة؛ الأمر الذي جعله يعود مجددًا إلى المسرح السياسي بأساليب أغرقت البلاد في عنف دموي.