بدون عنوان

المحاضرون خلال الندوة
المحاضرون خلال الندوة
تناولت الندوة تأثير الحكم المصري في ديموغرافية لبنان وحالته السياسية – الاقتصادية
تناولت الندوة تأثير الحكم المصري في ديموغرافية لبنان وحالته السياسية – الاقتصادية
جانب من الحاضرين في الندوة
جانب من الحاضرين في الندوة

في ندوة هي الرابعة ضمن سلسلة ندواتها بعنوان "لبنان ومرحلة الحكم المصري (1831 – 1840)"، استضافت الجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية عصر الخميس 5 آذار/مارس الجاري، في حرم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ببيروت، الدكتورة غنى مراد، الباحثة في مجال الوثائق العثمانية الموجودة في المحاكم الشرعية، والدكتور إيلي جرجي الياس، الأكاديمي والباحث اللبناني في الديموغرافيا والعلاقات الدولية والدبلوماسية وقضايا التسلّح والحربين العالميتين الأولى والثانية، اللذين قدما مداخلتين عن تأثير الحكم المصري بين عامي 1831 و1840 في ديموغرافية لبنان وحالته السياسية – الاقتصادية. وأدارت هذه الندوة الأستاذة في جامعة البلمند الدكتورة سعاد سليم، وحضرها جمع من الأكاديميين والمهتمين.

بربر آغا متسلمًا

في البداية، قدمت مراد مداخلةً عنوانها "الحملة المصرية وبربر آغا (1831-1835)"، فتحدثت عن نشأة بربر آغا، وقدومه إلى طرابلس وبدئه بترتيب المهمات متسلمًا. وبحسبها، أعلنت اللاذقية ولاءها للدولة العثمانية، وانضم العلويون إلى جيش عثمان باشا، نظرًا إلى الكره الذي يكنونه لبربر، لما أنزله عليهم من ويلات في أيام متسلميته فأرادوا الثأر منه، كما كتب عثمان باشا إلى بربر آغا لاستمالته. وفي 28 آذار 1832، تصدي بربر لجيش عثمان باشا المرابط في المدينة، ولمس الأمير خليل عطفًا من رجال الدين عليه، فتمّ إعتقالهم.

رفض أهالي نابلس تأدية مال الإعانة التي فرضها عليهم بربر آغا، فحاصروه وشقوا عصا الطاعة، وقامت ثورة ضدّه وصل صداها إلى طرابلس. وكان أهالي طرابلس يسعون إلى الانقضاض على الحامية المصرية. علم متسلم طرابلس يوسف بيك شريف بهذه الفتنة، فهاجمت الحامية المصرية الجوامع والمساجد واعتقلت عددًا كبيرًا من الأهالي. خشي محمد علي باشا ثورة طرابلس وخشي من امتدادها إلى الداخل السوري، فطلب من الأمير بشير إرسال إبنه لتأديب العاصين.

أراد بربر آغا التدخل لتهدئة الوضع لكنّه لم ينجح في ذلك، بل تم اعتقال بعض أعيان المدينة وإعدامهم. على أثر ذلك، توجّهت أصابع الإتهام إلى بربر آغا، فأصدر إبراهيم باشا أمرًا بالقبض عليه، وتفتيش داره في محلة الإيكوز. أرسل له إبراهيم باشا رسالة من نابلس شديدة اللهجة، هدده فيها وطلب منه ضبط لسانه. وبعدها بأسابيع توفى بربر آغا، في 18 نيسان 1835.

لم يصمد

لاحظت مراد أن علاقة بربر آغا بإبراهيم باشا اقتصرت على إصدار بشائر النصر عند دخول القوات المصرية إلى المدن السورية والتركية، ولم يكن له بعدها أي دور عسكري؛ كما لاحظت أن بربر آغا بصفته إنكشاريًا لم يستطيع التأقلم مع نظام الحكم المصري الذي أتى بعد الإنكشارية، والذي كان مختلفًا تمامًا عن إدارة الدولة العثمانية، "والدليل على ذلك أنّه لم يستطع الصمود في المتسلمية أكثر من سنتين، فعنفوانه منعه من الخضوع لأوامر إبراهيم باشا لاسيما أنّه يعتبر نفسه مفضّلًا على الحملة المصرية ونجاحاتها، فله الفضل في دخولها إلى طرابلس؛ إذ هو من دخلها قبل وصول إبراهيم باشا إليها".

رأت مراد أن دخول المصريين إلى طرابلس أضرّ بمركزها إداريًا، فلم تعد مركزًا قويًا كما كانت في السابق، بل حاول الأمير بشير الشهابي توجيه النظر إلى بيروت وصيدا؛ فلم تعد ولاية تتبع ولاية صيدا أو الشام بل أصبحت بعد عام 1840 سنجقًا تأرجحت تبعيته بين ولايات صيدا ودمشق وبيروت، فضلًا عن تقليص مساحتها الجغرافية حينًا وتوسيعها أحيانًا، ما انعكس على وضع المدينة اقتصاديًا.

تغييرات ديموغرافية وسكانية

بعد ذلك، قدم الياس مداخلةً بعنوان "تغييرات ديموغرافية وسكانية في المناطق اللبنانية خلال الحكم المصري"، أقامها على الفرضية - السؤال: ما حجم أهمية التغييرات الديموغرافية والسكانية في المناطق اللبنانية خلال الحكم المصري (1831-1840)؟ وقال إن الزمن المصريّ الجديد في المنطقة ترافق مع تغييرات سياسية واجتماعية واستراتيجية، ومع آلية مصرية جديدة للحكم مغايرة عن الآلية العثمانية، وتبع ذلك تغييرات ديموغرافية وسكانية مهمة؛ إذ اعتمد المصريون على استراتيجية مدنية وسكانية تقوم على دعم القيادات والمناطق الحليفة، ومحاولة استيعاب الخصوم مع التشدّد في القضاء على حالات الثّورة والتمرّد والمعارضة.

وفي جبل لبنان، وجد الموارنة في الحملة المصرية استكمالًا لما بدأه نابليون بونابرت قبل ثلاثة عقود، وعليهم بالتالي تأييدها والإنضمام إلى صفوفها، بينما وجد الدروز فيها نصرًا جديدًا للموارنة، وعليهم بالتالي التصدّي لها والوقوف إلى جانب العثمانيين المتراجعين أمام الزّحف المصري. لكن المحاسن التي جاء بها المصري لم تلبث أن اختلطت بمساوئ جعلت حكمه في بلاد الشا ممقوتًا. كانت نفقات الإحتلال باهظة، وزاد بناء الحصون عبر حدود الأناضول في هذه النفقات. وأثبتت بلاد الشام أنّها عبء ثقيل على كاهل أسيادها الجدد. فلم يجد ابراهيم باشا بدًا من فرض ضرائب فادحة وتدابير تعسّفية كالسخرة والتجنيد الإجباري.

نموّ ديموغرافي نوعيّ ومحدود

بحسب الياس، تركزت الاستراتيجية السكانية والديموغرافية المصرية في المناطق اللبنانية والسورية والفلسطينية بين عامي 1831 و1840 على الاستفادة من أيّ تعداد سكانيّ، لأغراض اقتصادية، في طليعتها آلية فرض الضرائب.

على المستويات السكانية والديموغرافية والجغرافية، ضمّت البلاد الواقعة تحت حكم الأمير بشير الشهابيّ الثاني 24 مقاطعة، مساحتها الإجمالية نحو 3200 كلم2، بطول 140 كلم وعرض 60 كلم، وقدّر عدد سكانها بنحو 200 ألف نسمة (55 في المئة ذكورًا و45 في المئة إناثًا). جغرافيًا، توزعوا بنسبة 35 في المئة في لبنان الشمالي و32 في المئة في لبنان الأوسط و33 في المئة في لبنان الجنوبي.

وختم قائلًا إن مع هذه الأرقام، يمكن الكلام عن نموّ ديموغرافي نوعيّ ومحدود، "تمامًا كما حدث في زمن متصرفية جبل لبنان، وما عزّز هذا النموّ هو الإستقرار النسبيّ منذ حكم الأمير بشير الشهابيّ الثاني وصولًا إلى مرحلة الحكم المصريّ في المنطقة (1831- 1840)، لكن ما أعاق هذا النموّ لاحقًا، وإن ضمن حدود معيّنة، هو الحوادث الأليمة التي عصفت بجبل لبنان والمناطق اللبنانية (1840-1860).

وانتهت الندوة بنقاش ثري، شارك فيه الحاضرون.