بدون عنوان

الهجرة والوعي البيئي واللغة المحكية مواضيع العدد الحادي والأربعين من دورية عمرانصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الحادي والأربعون (صيف 2022) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية، الذي تضمّن دراسات متنوعة المواضيع، تتعلق بالهجرة، والحركات الاجتماعية، والتحول الحضري، والعلاقة بين اللغة المحكية والفصحى، إضافة إلى مناقشة ومراجعتي كتابين.

استُهِلّ العدد بدراسة لشهاب اليحياوي، بعنوان "الهجرة والفعل التنموي للتحويلات المالية في المجال الحضري في تونس: أي دينامية للتنمية؟"، تُعالج أثر الهجرة الخارجية للتونسيين في خلق دينامية اقتصادية، وتحولات في النسيج العمراني والمعماري في المجال الحضري، وما تُحدِثه، تبعًا لذلك، من تبدّل في تمثّلات الهجرة والمواقف منها. وفي ذلك، تُجادل الدراسة بأنه على الرغم من أنّ العوائد المالية لهجرة التونسيين تمثِّل محرّكًا تنمويًّا ودينامية تغيّر لمجتمع المنشأ المحلّي بالنسبة إلى المهاجر التونسي، فإنّ هذه الدينامية تمسّ أساسًا النسيج العمراني والمعماري للمجال الحضري في مجتمعاتهم المحليّة. مشيرةً إلى حاجة الهجرة إلى دينامية تنموية خاصة ضمن مجتمعات الانطلاق المحلية للمهاجرين، وإلى تدخّل مؤسسات الدولة ذات الصلة المباشرة بمتابعة المهاجرين التونسيين في الخارج، لتوجيه استثماراتهم نحو القطاعات الاقتصادية الأقدر على استيعاب هذه الرساميل وتنميتها وإدماجها في الدورة الاقتصادية.

أما دراسة أسمهان بنفرج، بعنوان "الوعي البيئي وتشكّل الحركات الاجتماعية الجديدة في مدينة تونسية: نضال المجتمع المدني ضد التلوث البيئي في مدينة صفاقس"، فتتناول سؤال البيئة في تونس بوصفه قضية مدنية اجتماعية تتشكل بشأنها بعض الحركات الاجتماعية، وتبحث مدى إسهام المجتمع المدني "الصفاقسي" في بناء وعي بيئي جماعي ضد التلوث عمومًا، وضد شركة السياب خصوصًا، التي تُعد أكبر ملوّث للبيئة في مدينة صفاقس. وخلُصَت الدراسة إلى عددٍ من النتائج، أهمها أن الوعي الجماعي بأهمية البيئة السليمة، بوصفه شرطًا أساسيًا للحياة المدينية لا ينشأ تلقائيًا، بل يحتاج إلى مجتمع مدني منتج له. إضافةً إلى أن منظمات المجتمع المدني يمكن أن تتعامل مع بعض القضايا العامة من منظور مهني منفعي صرف، يُعطّل أهدافًا أشمل.

في حين ناقشت دراسة هاشم نعمة فياض، المعنونة بـ "نمو سكان المناطق الحضرية في العراق وآثاره الاجتماعية والاقتصادية"، تطور نمو السكان الحضر في العراق ونتائجه زمانيًا ومكانيًا، من خلال مقاربة التحضر الهامشي؛ إذ يُلاحظ في مجتمعات الهامش كيف يشمل التراكم الرأسمالي المدينة والريف في عملية مترابطة وغير متكافئة، تؤدي إلى تنمية متناقضة، تبرز في اتّساع هوّة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين المناطق الحضرية والريفية في العراق، ما يُحفّز الهجرة الريفية - الحضرية، وذلك بتوجّه الجزء الأكبر من هذه الهجرة إلى المدن الكبرى، وخصوصًا العاصمة بغداد. ولمعالجة إشكالية عدم توازن الشبكة الحضرية والتكدس الحضري وما يفرزانه من مشكلات كثيرة اجتماعية واقتصادية وبيئية وأمنية مركبة ومتفاقمة، يقترح فياض تبنّي خطط تنمية اجتماعية - اقتصادية متوازنة في عموم العراق، بما تتضمنه من تقليل الفوارق الحادة بين المدن والأرياف، وتتبنّى العدالة الاجتماعية في مواجهة الفوارق الطبقية الكبيرة، وخصوصًا في المناطق الحضرية التي نتجت في الأساس من التوزيع غير العادل للثروة.

يُختم باب "دراسات" في هذا العدد بدراسة لمسعود أحمد الخلف بعنوان "اللهجة الفراتية السورية في محافظة دير الزور: دراسة صوتية دلالية"، تفكك العلاقة بين اللهجة والفصحى، فتعرض الروابط والصلات الوثيقة بينهما، عبر دراسة إحدى اللهجات العربية المعاصرة، وهي اللهجة الفراتية السورية في محافظة دير الزور، للكشف عن صلات القربى بينهما من الجانبين الصوتي والدلالي، ومقابلتها مع الفصحى ولهجات سورية أخرى. وتستنتج الدراسة أن اللهجة الفراتية السورية حافظت في جانبها الصوتي على معظم أصوات العربية في نطقها. أمّا في الجانب الدلالي، فيُلاحظ ارتباط مفردات اللهجة بالمخزون المعجمي للّغة العربية، ومنها ما يعود إلى لغات أعجمية، مع تعرّضها لتغيير في النطق، وأيضًا في الدلالة ما بين التطوّر والثبات الدلالي.

وفي باب "مناقشات"، تضمّن العدد مناقشة لعز الدين الفراع عنوانها "الدولة التسلطية في المجتمعات العربية بين خلدون النقيب وعبد الله حمّودي: مساهمة مشرقية - مغربية في النظرية الاجتماعية النقدية"، تُلقي الضوء على مساهمات خلدون حسن النقيب وعبد الله حمّودي المخصّصة للتنظير النقدي لمسار الدولة التسلطية ومصيرها في المجتمعات العربية الحديثة والمعاصرة مشرقًا ومغربًا، مع التركيز على الأسس الإبستيمولوجية التي قامت عليها أبحاثهما ودراساتهما عن السلطوية في الدول والمجتمعات العربية، وتحديد الأبعاد التي ركّزت عليها في التحليل والتأويل والتفسير، وتحديد موقع التحرّر فيها.

وأخيرًا اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعتَي كتابين، هما: "طفولات الطبقة: حول اللامساواة في صفوف الأطفال" لبيرنار لاهير، أعدّتها بشرى جعوني، و"قلق الجندر: النسوية وتخريب الهوية" لجوديث بتلر، أعدّها محمد بكاي.

جاءت لوحة غلاف العدد واللوحات ضمن صفحاته من أعمال الفنان التشكيلي الفلسطيني محمد جحا، وتحديدًا مجموعته "هش - صلب" (2020-2021)، التي يُمثّل من خلالها بصريًا الواقع المبسّط والمركّب لمدينة غزّة، بوصفها مخيمًا كبيرًا إثر الحروب المُدمّرة التي عصفت بها.

* تجدون في موقع دورية عمران جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.