بدون عنوان

في إطار برنامج المحاضرات العلمية الدورية التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات، ألقى الدكتور محجوب الزويري يوم الاثنين 6 شباط / فبراير 2012 بقاعة المكتبة في المركز محاضرة بعنوان (إيران "الثورة" وعام على ثورات العرب: ملاحظات عن السياسة الخارجية ومآلاتها). وقد تناول فيها المواقف الإيرانية من الثورات العربية خلال عام 2011، مشيرا في البداية إلى أن إيران تفاجأت بالربيع العربي كما تفاجأت به أنظمة الدول التي شملها الربيع العربي والعالم ككل، ولكن الدكتور محجوب قدّر أن تفسير المفاجأة الإيرانية يكمن حصرا في اعتقادٍ كان سائدًا لدى النخبة السياسية في إيران يرى أن الحراك الثوري هو فعل مرتبط بفئة معينة من المسلمين وهم الشيعة، على اعتبار أن الدول السنية سيطرت عليها نخب عسكرية شمولية مرتبطة بالولايات المتحدة الأميركية وعاشت شعوبها في ظل هذا الواقع لفترات طويلة ما أفقدها أي تراث احتجاجي. لذلك كانت مدركات النخبة السياسية في إيران بفئاتها العلمانية والدينية تعتبر أن الدول العربية خالية من أي بنى سياسية ونخب قادرة على التغيير. وفي رأي النخبة السياسية الإيرانية فإن هذا الأمر تعزز بعد معاهدة كامب ديفيد عام 1978 والعلاقة الناتجة منها مع إسرائيل، إذ أضحت المجتمعات العربية أكثر بعدا عن إمكانية التغيير لأن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تسمحا لها بذلك.

وعرض الدكتور الزويري المواقف الإيرانية من الثورات العربية ابتداءً من الثورة التونسية، حيث ذكر أن التعليقات الإيرانية كانت مقتضبة، لكن الثورة المصرية أحدثت الصدمة الكبرى في الذهنية الإيرانية، على اعتبار أن النخب الإيرانية كانت ترى في مصر دولة "ندًا" في الحضارة والثقافة تاريخيًّا، وكانت تستخدم هذا البعد في الخطاب الداخلي ضد الغرب كأحد أبرز مصادر شرعيتها من خلال استمرارها في انتقاد أخطاء النظام المصري بسبب تقاربه مع إسرائيل، وكان هذا الخطاب يعزز الشرعية الداخلية للنظام الإيراني. أما الحالة الليبية، فهي لم تحتل مساحة كبيرة من اهتمام وتعليقات النخبة الإيرانية بسبب تواضع العلاقات بين طهران وطرابلس على خلفية قضية موسى الصدر، إلا أن الاهتمام الإيراني بالثورة الليبية تركز في انتقاد تدخل حلف الناتو وانتقاد الولايات المتحدة.

وقال المحاضر إن الخطاب السياسي الإيراني خلال الاحتجاجات في البحرين كشف عن دعم للاحتجاجات ذات البعد الطائفي، وتميز بانتقاد تدخل دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما المملكة العربية السعودية. وذكر الزويري أن إيران فقدت مع الثورات العربية عاملين أساسين هما: عامل التفوق المعنوي بأنها القوة الثورية الوحيدة التي تعادي أميركا وإسرائيل في المنطقة، والثاني غياب بريقها ضمن اتجاهات الرأي العام العربي الذي انحرف إلى توجهات أكثر عدائية لها. وهذه الخسارة هي التي جعلت النخبة السياسية الإيرانية تعتبر الثورات العربية "مؤامرة" في جوهرها، وتصبح - في نظرهم - خطرة عندما تعصف بأصدقاء إيران وتكون أقل خطورة إذا كانت في المحيط القريب منها وغير المؤثر.

واعتبر الزويري أن النخبة السياسية في إيران قامت بتغيير أدبيات هذا الخطاب بسبب ضحالتها، وانتقلت بعدها من خطاب المؤامرة إلى خطاب "نجاح الإسلاميين"، حيث أكد الزويري أن إيران اعتبرت نجاح الإسلاميين في دول الربيع العربي انتصارًا للثورة الإسلامية، لذلك حاولت الترويج لفكرة مفادها "أن الربيع العربي هو امتداد للثورة الإسلامية عام 1978" حتى لو تأخر لمدة ثلاثين عامًا.

إلا أن الزويري يرى أن الارتباك الإيراني لم يظهر بشكل جلي حتى جاءت الأزمة السورية، وقال إن الخطاب السياسي الإيراني بشأن الملف السوري مر بثلاث مراحل، حيث حاول تجاهل الأزمة وإنكار ما يحدث قدر الإمكان، خاصة في الجانب الإعلامي، بعدها انتقل الخطاب السياسي الإيراني إلى تبني الرواية الرسمية في سورية واعتبار ما يجري "مؤامرة" تستهدف سورية كدولةِ ممانعة، وكنتيجة لخسارة اتجاهات كبيرة ضمن الرأي العام العربي الداعمة للتغيير، غيّرت إيران نبرتها السياسية محاولةً "إمساك العصا من الوسط" من خلال حديث الإصلاح. 

واعتبر الزويري أن الربيع العربي غيّر صورة إيران وغيّر من سياساتها الخارجية بزيادة عزلتها دوليًا وخسارة تعاطف الرأي العام العربي. وأعاد الربيع العربي - خاصة الثورة السورية - إيران إلى مربع الطائفية الذي كانت تحاول أن تبتعد عنه.

**التسجيل المرئي:

المحاضرة:


مناقشة المحاضرة: