بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثاني والثلاثون من الدورية المحكّمة "تبيُّن للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية". اشتمل العدد في باب دراسات وأبحاث على أربع دراسات: عُنونت الدراسة الأولى بـ "نقد تصوّر المتكلّمين والمشّائين للزمان عند فخر الدين الرازي" لمحمد الصادقي، وضّح فيها الكيفية التي جمع فيها الرازي تصوّره الزمان بين الاعتراف بوجوده والقول بحدوث العالم من جهة، وكيف جمع بين الشعور بالزمان والحركة، من دون أن يُرجِع وجوده إلى الحركة، كما فعل المشّاؤون، من جهة أخرى. أما الدراسة الثانية فجاءت بعنوان "مفهوما السببية والحتمية بين ابن رشد وسبينوزا" لبلال البازي، بحث فيها في مفهوم السببية باعتباره الأساس الذي قامت عليه العلوم خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وكيفية تطوّره من ابن رشد إلى باروخ سبينوزا، خلال الفترة الحديثة، ليتسم بأقصى مظاهر الضرورة، ويتحوّل إلى نزعة حتمانية تسعى لتأطير البحث العلمي وتوجيهه نحو جادة الصواب. وترصد الدراسة، من خلال تناولها لهذا المفهوم، الامتداد الرشدي في النسق السبينوزي، الذي يفترض، إضافة إلى كون الحتمية تعبيرًا عن السببية، أن يكون هناك امتداد رشدي في النسق السبينوزي، وأنّ الرشدية اللاتينية أدّت دورًا مهمًا في هذا الامتداد، حيث احتضنت المفاهيم الأرسطية والرشدية التي وصلت إلى الفترة الحديثة. في حين كانت الدراسة الثالثة بعنوان "انحرافات باسم العقل: مساهمة في نظرية نقدية للإرهاب" لرشيد بوطيب، قدّم فيها مساهمة لبناء نظرية نقدية للإرهاب، تنطلق من فرضية تقول إن الإرهاب هو من طبيعة موضوعية، يرتبط في الصميم بالحداثة وانحرافاتها، بكونيتها الخاطئة وسياساتها في الهيمنة والتوسع، أكثر من ارتباطه بالدين أو الثقافة الإسلامية. وتقوم الدراسة على ثلاث مراحل تأويلية؛ تبدأ، في المرحلة الأولى، بمناقشة نقدية للسردية الغربية حول الإرهاب المسمّى إسلاميًا، ثمّ تنفتح، في المرحلة الثانية، على العمل الأنثروبولوجي لعبد الله حمودي في كتابه بعنوان "الشيخ والمريد"، لتقرأ هذا الإرهاب باعتباره نتيجة للسلطوية والاستبداد الذي يدعمه النظام الدولي، وفي مرحلة ثالثة، تعرض الدراسة التحليل النفسي لظاهرة "الإرهاب الإسلامي"، وتوضح في الآن نفسه حدوده. وأخيرًا الدراسة الرابعة بعنوان "حفريات في الذاكرة السلفية ومتخيلاتها" لزهير سوكاح، اهتم فيها بمقاربة المفكر العربي عزمي بشارة للظاهرة السلفية ومتخيلاتها ضمن كتابه "في الإجابة عن سؤال ما السلفية؟"، وتسعى الدراسة إلى إبراز ومناقشة جوانب مهمة من طبيعة ووظيفة الاستذكار المؤدلج ضمن الظاهرة السلفية كما عالجها الكتاب الذي يضم بين دفتيه حفريات في ذاكرة الظاهرة السلفية بتنويعاتها المتباينة، في محاولة بينتخصصية لتقديم فهم دقيق للظاهرة بوصفها استنادًا مؤدلجًا لماضٍ متخيل، يبرز فيه الفعل السلفي من كونه فعلًا استذكاريًا؛ ما يجعل من هذا الكتاب دعوة مستجدة لفتح آفاق بحثية للمعالجة البينتخصصية للحركات الدينية الحديثة بوصفها قطاعًا مهمًا من مجموع المتخيلات الاجتماعية ذات الحضور الواضح في السياق السوسيوثقافي للمنطقة.

كما تضمن العدد مراجعتين في باب مراجعات الكتب؛ المراجعة الأولى كانت لكتاب "في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟" لعزمي بشارة، أعدّها الباحث في المركز العربي رائد السمهوري، استعرض فيها أفكار الكتاب، وأشار إلى ورود لفظة "السلفي" أوّل مرة في أواسط القرن السادس الهجري، كما تساءل عن سرّ إعجاب رشيد رضا بالوهابية، مع أنه أوسع أفقًا منها، ولفت الانتباه، ردًّا على الفكرة التي تقول إن السلفيات لا يجمع بينها جامع، بأن هناك أصولًا نظرية تجمع السلفيات، لكن ما يفرّق بينها هو طريقة التعامل مع الأحداث في الواقع. أما المراجعة الثانية فكانت لكتاب "فالتر بنيامين: تراكيب نقدية" لغريم غيلوتش، أعدها الباحث إدريس الخضراوي. أكد فيها أنّ الكتاب هو بمنزلة دعوة إلى القارئ المعاصر كي يُصاحب هذا الفيلسوف الذي انشغل بدراسة الظواهر الثقافية وتجارب الحداثة، متكئًا على مفاهيم شديدة الأصالة والاختلاف، وروح فلسفية تَنجذب أكثر نحو بيرتولت بريخت وغيورغ زيمل، وإن أدّى به ذلك إلى الاصطدام بالأنساق والتصورات التي أطّرَت مشروع النظرية النقدية عند بعض زملائه، ومن بينهم أدورنو وهوركهايمر اللذان لم يخفيا معارضتهما لهذا الدرب الذي سلكه بنيامين، واعتبراه خيانة لنفسه وواجهاه بكثير من التصلب. بهذا المعنى، يزودنا غيلوتش بنظرة نقدية متأنية للولوج إلى عالم بنيامين الذي أحبطت آماله في إصدار مجلته "الملاك الجديد"، وقاوم جور المؤسسة بعدما أجبر عام 1925 على سحب شهادة تأهيله للأستاذية؛ وذلك بعد أن وصفها الفاحصون في جامعة فرانكفورت بأنها شديدة الغموض وعصية على الفهم، وهددوه بالرفض الذي كان سيشعره بالإذلال، ورغم الخسارات الكثيرة، استطاع منذ السبعينيات أن يشغل بفكره مكانة رفيعة في الحياة الثقافية الألمانية تحديدًا، وفي العالم كذلك.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.