بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومعهد الدوحة للدراسات العليا، العدد الرابع عشر من الدورية نصف السنوية المحكّمة أسطور. وقد اشتمل هذا العدد على دراسات مختلفة في مواضيعها وإشكالياتها البحثية؛ إذ تناولت موضوعات مدرسة الحوليات، وتاريخ العبودية، وإشكالية الديني والسياسي في عهد التنظيمات العثماني، وتاريخ المجلس التشريعي في الكويت، وذاكرة الدولة في المغرب العربي. كما اشتمل العدد على مراجعتَي كتاب ودراسة مترجمة، إضافة إلى مجموعة من أوراق ندوة أسطور "الكتابة التاريخية في العراق".

افتُتِح العدد بقسم أوّل من دراسة للمؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني، عنوانها "الطريق إلى التجديد: مدرسة الحوليات الفرنسية من الانفتاح إلى التفتت (1)". ويُقدّم هذا القسم من الدراسة مدخلًا لفهم تطور مدرسة الحوليات وأفكارها، ويُبرز ما قدّمته من إضافة معرفية في مجال المناهج التاريخية؛ إذ سعت هذه المدرسة إلى نقل البحث التاريخي ومناهجه من تركيز المدرسة الوضعية على الوثيقة التاريخية إلى الاهتمام بنشاط الإنسان في بيئته بأبعادها المختلفة. ويركِّز هذا القسم من الدراسة على المفكرين الذين وضعوا اللبنات الأولى لهذه المدرسة في النصف الأول من القرن العشرين.

في حين سلّطت دراسة رحال بوبريك، الأستاذ الباحث في معهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس في المغرب، "سوق العبيد: تجارة الرق في مغرب القرن التاسع عشر" الضوءَ على خطوط تجارة العبيد الواصلة بين المغرب والسودان الغربي في القرن التاسع عشر. وتُقدم هذه الدراسة عرضًا ونقدًا للإحصائيات التي استند إليها بعض الدارسين في موضوع تجارة العبيد بالمغرب، وتتطرق إلى الجدالات الفقهية والقانونية حول شروط المعاملات التجارية في أسواق العبيد في المغرب تاريخيًّا.

من جهة أخرى، بحثت دراسة موسى سرور، أستاذ التاريخ في جامعة بيرزيت في فلسطين، موضوعَ جدلِ الديني والسياسي في عصر التنظيمات العثماني (1839-1878)، وهي بعنوان "إشكالية الديني والسياسي في العلاقة بين الدولة السلطانية والأوقاف المسيحية في القدس العثمانية"؛ إذ حاولت تفسير سبب اختلاف سياسات الدولة العثمانية تجاه الأوقاف المسيحية والإسلامية في القدس. ففي حين عصفت السياسات العثمانية الجديدة بالمؤسسات الوقفية الإسلامية، فإنها استثنت الأوقاف غير الإسلامية من تلك السياسات. وتَخلُص الدراسة إلى أنّ الحصانة التي مُنحت للأوقاف المسيحية من السياسات العثمانية هي سبب ازدهار مؤسسة الوقف المسيحية وانتكاس مؤسسة الوقف الإسلامية في القدس.

أما الدراسة الرابعة، فهي "أغفلتهم المصادر وأنصفتهم المحاضر: القُوى المرَجِّحة في الكويت خلال حراك مجلس 1938" للباحث الكويتي عبد الرحمن الإبراهيم. وتتناول هذه الدراسة أحداث المجلس التشريعي الكويتي عام 1938، مُحاوِلةً تجاوز الرواية التقليدية بشأن تاريخ الكويت، وهي رواية تُصوّره على أساس التنافس بين فئتَي التجار والشيوخ، من خلال التركيز على الدور الذي قامت به مجموعة من الفئات المختلفة؛ مثل الشيعة، والبدو، والقرويين، وغيرهم، في صناعة تاريخ ذلك المجلس.

واشتمل العدد، أيضًا، على دراسة "المخزن والبايليك: ملاحظات حول مظاهر السلطة وآليات الحكم في البلاد المغربية، تونس والمغرب نموذجين" للباحث المغربي عبد المجيد أيت القايد. وفي هذه الدراسة، عقد الباحث قراءة مقارنة لآليات السلطة والحكم في تونس والمغرب في مرحلة ما قبل الاستعمار، من خلال تتبع بعض مصطلحات منظومة السلطة في كلا البلدين، مسلطًا الضوء على مركزية البعد الرمزي للسلطة الذي يتمظهر من خلال عنايتها بصورة علاقتها مع الفقهاء والأولياء وأصحاب رأس المال الرمزي في المجتمع، وما تهدف إليه من وراء ذلك بشأن تعزيز السلطة الأبوية للحاكم.

واختُتم باب "دراسات" بدراسة لباحث مغربي أيضًا؛ هو عدنان القرسي، وهذه الدراسة بعنوان "ذاكرة الدولة ومجالها بين الذاكرة والتاريخ: تونس والمغرب ما قبل الاستعمار"، وقد اهتمّ فيها الباحث بجدلية الذاكرة والتاريخ، من خلال بَحثِ تفاعلهما في كتابين متعلّقين بمسألة تأسيس الدولة؛ هما "العز والصولة في معالم نظام الدولة" لعبد الرحمن بن زيدان، و"المؤنس في أخبار إفريقية وتونس" لابن أبي دينار. وتطرَّقت الدراسة لتشابه عمليات المركزة السياسية في تونس والمغرب، من خلال إلقاء ممارسة "البيعة"؛ بالنظر إلى ما تمثّله من أداة سيطرة رمزية تنظم العلاقة بين الدولة المركزية ورعاياها.

أما في باب "ترجمات"، فقد نشرت الدورية القسم الأول من دراسة سوزان باك-مورس "التاريخ العالمي" الذي تحاول فيه تقويم شعارات العقلانية والعالمية من دون محوها في منهجية الكتابة التاريخية. وقد ترجم هذه الدراسة، من اللغة الإنكليزية، علي حاكم صالح. وبالنسبة إلى باب "مراجعات الكتب"، فقد اشتمل على مراجعتين؛ إحداهما متعلقة بكتاب مغامرات ابن بطوطة: الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي لروس إ. دان، وهي من إعداد سعيد بنحمادة، والأخرى متعلقة بكتاب أخبار التونسيين: مراجعات في سرديات الانتماء والأصول للطفي عيسى، وقد أعدّها فهمي رمضاني.

فضلًا عن ذلك، تضمَّن باب "وثائق ونصوص" دراسة بعنوان "الأرشيفات في إسرائيل والرواية التاريخية الإسرائيلية والنكبة: كشف النقاب عن التقرير الذي يدحض الرواية التاريخية الإسرائيلية" لمحمود محارب. وقد تتبَّع الباحث في هذه الدراسة آليات الحجب والرقابة التي مارستها دولة إسرائيل على العديد من الوثائق التاريخية التي تكشف عمليات التطهير العرقي والجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية إبان النكبة؛ وذلك لتعارضها مع الرواية التاريخية الإسرائيلية. وركَّزت هذه الدراسة على وثيقة للمخابرات العسكرية الإسرائيلية تعود إلى 30 حزيران/ يونيو 1948، وهي وثيقة رفع عنها النقاب معهد عكيفوت عام 2019.

يَختتم العدد أبوابه بـ "ندوة أسطور"، وقد نُشر فيها مجموعة من مواد ندوة "الكتابة التاريخية في العراق" التي عُقدت في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ويشتمل هذا الباب على خمس دراسات. فالدراسة الأولى بعنوان "المؤرخ والدولة" لحيدر سعيد. أما الدراسة الثانية، فجاءت بعنوان "الدراسات التاريخية الأكاديمية المعاصرة في العراق: مقاربات نقدية في دراسة التاريخ الحديث والمعاصر" لجميل النجار. في حين وردت الدراسة الثالثة بعنوان "الموسوعات التاريخية العراقية المعاصرة: تعقب في تحولاتها من الشمولية إلى المناطقية" لنصير الكعبي. أما الدراسة الرابعة، فهي "اتجاهات التأرخة العراقية: ما قبل عام 2003 وما بعده، متغيّرات متعددة ومناهج متداخلة" لنهار نوري. وأمّا الدراسة الخامسة التي اختُتم بها هذا الباب، فهي "تحديات الكتابة التاريخية في العراق وآفاقها في مرحلة ما بعد عام 2003" لسعد إسكندر.


** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.