بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد التاسع من المجلة نصف السنوية المحكمة "أسطور". وتقدم المجلة في هذا العدد نخبةً من الدراسات وعروضًا بيبليوغرافية متنوعة، إضافةً إلى باب "ترجمات" الذي اعتادت المجلة أن تترجم فيه نصوصًا تاريخية. واشتمل العدد على القسم الثاني من "ندوة أسطور" التي جاءت تحت عنوان "مئة عام على وعد بلفور: المقدمات والنتائج".

في باب "دراسات"، يُفتتح العدد بدراسة نظرية بعنوان "سارقو الزمن: دراسة في تطور العقليات في أوروبا خلال عصر النهضة"، أعدها خالد طحطح. وقد تناول فيها قضية التحولات الذهنية في العصرين الوسيط والحديث التي شغلت العديد من المؤرخين؛ ذلك أنّ المواقف والتصورات الذهنية المسيحية تغيرت مع مرور الزمن. فموازاةً مع الولادة الثانية للمَطهر خلال القرون الأخيرة من العصر الوسيط، حدثت تحوّلات في الهياكل الاجتماعية والبنى الاقتصادية. فكيف تمَّ إنشاء معتقد المطهر من طرف الكنيسة الكاثوليكية؟ وما موقف المصلحين البروتستانت منه؟ وما علاقته بظاهرتَي الرِّبا وصكوك الغفران؟ وكيف سحب التجار والمصرفيون المسيحيون البساط من اليهود المرابين في أواخر العصر الوسيط؟ وما علاقة معتقد المطهر بالهياكل الاجتماعية والبنى الاقتصادية الجديدة التي بدأت تتشكَّل تدريجيًا مع بداية عصر النهضة؟ إضافةً إلى أسئلة أخرى تحاول الدراسة الإجابة عنها.

أما الدراسة الثانية، فهي "قراءة طوبونيمية لباب أفريقية بحاضرة فاس الإدريسية" للحسن الغرايب الذي يتناول فيها مسألة تسمية أبواب فاس. فانطلاقًا من كون المدن ممرات إجبارية للوصول إلى جهات أخرى، فُتِحَت في أسوارها أبواب تعدُّ منطلقًا نحو مجالات أو مدن بعيدة، وهو ما فرض تسميتها إما بالوجهة التي تهدف إليها، وإما بالإثنية التي تتحكم في مجالها؛ سواء داخل السور أو خارجه. خضعت فاس وغيرها من مدن العالم الإسلامي لمنطق التأسيس نفسه، ما جعل أبوابها المتعددة تحمل دلالة تاريخية عن الاستقرار بمجالها، لكن هل تدل أسماء الأبواب على حقيقتها؟ إنه سؤال يطرح على كل الباحثين في تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط للإجابة عن بعض دفائنه التي لم تبُح بأسرارها.

تحاول دراسة "الصغيّر بن يوسف بين علم التاريخ وعلم التراجم والأخبار"، لجمال بن طاهر، تجديد النظر إلى مَحَمّد، بفتح الميم، بن مُحَمّد الصَّغيّر بن يوسف الباجي (1697-1771) وكتابه المَشرع المُلكي في سلطنة أولاد علي تركي؛ وذلك بفهم آليات إنتاج النص التاريخي والكتابة التاريخية عند الصغيّر بن يوسف في إطار ما توفّر له من معرفة بالنصوص الأخرى، ومن استخدامٍ للثقافة العربية الإسلامية، ومن استيعاب لثقافة الطبقة الوسطى، في عملية تراكم أدّت إلى بروز عمل متميّز وفريد من نوعه، وإن كان يتقاطع في بعض الصفات مع مصنفات أخرى، ومع غيره من الإخباريين مشرقًا ومغربًا؛ على نحو يتيح لنا إمكان المقارنة وجدواها في الدراسات التاريخية.

أما دراسة "نقاش في نظرية بول وِتِك عن قيام الدولة العثمانية"، لأنيس عبد الخالق محمود، فيناقش فيها الباحث، استنادًا إلى الدراسات الحديثة، صحّة الأُسس المادية والفكرية لتلك النظرية، ويخرج باستنتاج مفاده أنها نظرية تجاوزها الزمن ولم تعُد مقبولة لتفسير قيام الدولة العثمانية؛ وذلك لسببين: الأوّل أنّ وِتِك لم يفهم معنى "الغزو" لدى العثمانيين الأوائل ضمن إطاره التاريخيّ الصحيح، بل فهمه بمعنى "الجهاد في سبيل الله" ونشر الإسلام، والثاني أن هناك الكثير من الشكوك بشأن توظيفه الأدلة التي اعتمد عليها لإثبات فرضيته، وهي الفصل الخاص بالعثمانيين ضمن كتاب إسكندرنامه، والكتابة المنقوشة على جامع "شهادت" في بورصة عام 1337م. ويتبيّن من خلال الدراسة أن وِتِك قد تلاعب بالأدلّة التي كانت بين يديه، وأن جميع الأُسس الفكرية والمادية التي استخدمها لا تدعم نظريته. وفي النتيجة، لم تعُد نظريته صالحةً لتفسير قيام الدولة العثمانية.

وأما دراسة "من تاريخ الأسر الحاكمة إلى تاريخ الزمن الراهن قراءة في بعض تجارب الكتابة التاريخية بالمغرب" لعبد الرحمان المودن، فهي تتطرق إلى تطور الكتابة التاريخية بالمغرب من تاريخ الأسر الحاكمة إلى الزمن الراهن. ويقسِّم الباحث هذا التطور إلى ثلاث مراحل متفاوتة من حيث الامتداد الزمني، يتميز كل منها بتجانس كبير، وهي: مرحلة ما قبل الاستعمار، والمرحلة الاستعمارية، ومرحلة ما بعد الاستقلال. وفي الختام، يطرح السؤال عن مستقبل الكتابة التاريخية المغربية بين تعميق المكتسبات واحتمال النكوص.

وتتناول دراسة "إسهام مسلمي الهند في النشاطات الوقفية والأعمال الخيرية في فلسطين: دراسة تاريخية في ضوء الوثائق البريطانية"، لصاحب عالم الأعظمي الندوي، مفهوم علاقة الهند الإسلامية بفلسطين عبر دراسة وجود الهنود فيها وموقفهم من الأوقاف الإسلامية في الأماكن المقدسة، لا سيما في القدس، وتبيّن إسهامات مسلمي الهند في إنشاء الأوقاف في فلسطين في العصور الإسلامية، وفي زمن الاستعمار البريطاني.

واختُتم الباب بدراسة الباحث محمود محارب "دور الحزب الشيوعي الإسرائيلي في النكبة". وتحاول هذه الدراسة استجلاء دور الحزب الشيوعي الإسرائيلي في النكبة عام 1948 استنادًا إلى وثائقه. وتقف عند العوامل الأساسية التي ساهمت في دعمه، عشية حرب 1948، إنشاءَ دولةٍ للمستوطنين الكولونياليين الصهيونيين اليهود في فلسطين ضد إرادة أصحابها الشرعيين وعلى حسابهم. وتتابع الدراسة كيفية انخراطه وعمله في جميع المجالات الفكرية والسياسية والعسكرية والإعلامية والأممية لتحقيق هذا الهدف.

في باب "ترجمات"، تنشر المجلة الفصل الأول من كتاب إسكات الماضي: القوة وإنتاج التاريخ Silencing the Past: Power and the Production of History، بعنوان "القوة في الحكاية" الصادر في عام 1995 للأنثروبولوجي والمؤرّخ والمفكر الهاييتي الأصل ميشيل رولف ترويو (1949-2012)، ترجمة ثائر ديب.

أما باب "مراجعات كتب"، فقد ضم ثلاث مراجعات؛ متمثلة بمراجعة عبد الرحيم بنحادة لكتاب نحن وتاريخنا لإلبر أورطايلي، ومراجعة صالح علي الشورة لكتاب أزمنة مثيرة: وقائع من سجلات القنصلية البريطانية في بيت المقدس (1853-1856) لجيمس فِن، ومراجعة نفيسة دويدة لكتاب حركة الفتيان الجزائريين في مطلع القرن العشرين لنيكولاي دياكوف.

نشرنا في العدد السابق القسم الأول من الندوة التي نظمتها مجلة أسطور "مئة عام على وعد بلفور: المقدمات والنتائج"، ضمن أعمال المؤتمر الخامس للدراسات التاريخية بعنوان "سبعون عامًا على نكبة فلسطين: الذاكرة والتاريخ"، الذي عقد خلال الفترة 12-14 أيار/ مايو 2018، في الدوحة – قطر، وننشر في هذا العدد القسم الثاني من الندوة، وقد ضمّت ثلاث أوراق، هي: "صدى تصريح بلفور في فلسطين وخارجها" لجوني منصور، و"زعامات الحركة العربية ووعد بلفور (1917–1920)" لفتحي ليسير، و"دور هربرت صموئيل في التأسيس لتصريح بلفور وتنفيذه 1914-1925" لمحمد ماجد الحزماوي.


** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.