بدون عنوان

مشاركة نوعية من باحثين متخصصين وأساتذة في الندوة
تبع الأوراق المقدمة في كل محور من محاور الندوة نقاش ثري مع المشاركين فيها
الدكتور خالد زيادة - مدير فرع بيروت في افتتاح الندوة
قدمت الندوة محاولة لفهم التحولات التي يمر بها العالم العربي في ثلاثة سياقات مختلفةى

نظم "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - فرع في بيروت، ندوة تحت عنوان "قراءة سوسيولوجية للتحولات في العالم العربي"، وذلك يوم الأربعاء الواقع فيه 21 آذار/مارس 2018، فحضرها جمع من الباحثين وأساتذة الجامعات.

محاور ثلاثة

توزعت الندوات على محاور ثلاثة: "صعود الفردانية المرنة"، و"تحولات الحركات الإسلامية"، و"مستقبل الديمقراطية العربية". وقد تخلل الجلسات مداخلات ومناقشات ساهم فيها المشاركون، ما أغنى البحوث والأوراق المقدمة.

افتتح الندوة الدكتور خالد زيادة، مدير المركز العربي للأبحاث في بيروت، فأكّد أهمية موضوعات الندوة ومساهمتها الغنية في "قراءة الواقع العربي بعد سبع سنوات من المخاضات الصعبة التي عاشتها البلدان العربية، ولا زال بعضها تعيشها"، معتبرًا أن "هذه القراءات والبحوث التي تقدم بها الباحثون تساهم في توسيع مشاركتهم في ميدان العلوم الاجتماعية، وفي التفكير واستخدام الأدوات المنهجية في النظر إلى الأحداث".

الفردانية المرنة

في المحور الأول من الندوة بعنوان "صعود الفردانية المرنة"، اعتبر الدكتور أكرم سكرية أن الفردانية شكلت نقيضًا للانتماءات الاجتماعية الأولية المتعارف عليها منذ أمد بعيد، أي العائلة والطائفة والإثنية، وما شابه. ورأى أن اللافت هو صعود دور الفرد في ظل العولمة الطاغية، فضرب مثلًا سياسيا على ذلك بانتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون من خارج المؤسسات السياسية التقليدية؛ الأمر الذي يكرس مفهوم "الرجل القوي" في السياسة ويعيد إنتاجه، تمامًا كما يحدث في روسيا فلاديمير بوتين حاليًا. وتساءل سكرية عما إذا كان العالم، أمام "صعود مفهوم الدولة المرنة، يستدعي العودة إلى ظهور أشكال مختلفة من التضامن الاجتماعي التقليدية".

الفردانية النسوية

وعرضت الدكتورة بتول يحفوفي باقتضاب مسيرة الحركة النسوية في لبنان وصراعها مع القوى التقليدية. وركّزت على تطوّر مفاهيمها وتجددها حسب الظروف التاريخية التي مرت بها، وصلة ذلك بمسار نزوع النساء إلى الفردية. ثم تناولت إنجازات الحركة النسوية في كفاحها المطلبي للمساواة المطلقة في الميادين كافة. كما تطرقت إلى محاربة الجماعات التقليدية في لبنان، ولا سيما الحركة الإسلامية، جمعيات حقوق المرأة ونشاطاتها النسوية. واعتبرت الباحثة أن نضال الحركة أسفر عن إنجازات عدة، منها التحالف الأخير الذي جمع أكثر من 200 منظمة مدنية لخوض الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة قريبا. هذا بعدما فشلت الحركة النسوية في انتزاع تشريع من البرلمان اللبناني لإقرار قانون "الكوتا" النسائية النيابية. وعرضت الباحثة أهم إنجازات المرأة في لبنان، وخصت بالذكر "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة" التي أنشأتها الحكومة اللبنانية لوضع استراتيجية تهتم بالتشريعات التي تخص مساواة النساء على الصعيد الحقوقي.

فردية ممزقة

الباحث في المركز العربي محمد أبي سمرا، قدم مداخلة عنوانها "فرديّات ممزّقة بلا لغة ولا تاريخ". وهو انطلق من أن النزوع إلى الفردية في مجتمعاتنا وثقافاتنا العربية المعاصرة وُلد ولادة عسراء وعسيرة، فاتسمت الفردية بالتسلّخ والإحباط والمراوحة، بحثًا عن لغةٍ وتجارب لملء محاولات تلك الولادة من الفراغ والقطيعة، ومن العدم تقريبا.

واستعاد أبي سمرا في ما قدمه بعضًا من التجارب الكتابية والشهادات والأعمال النقدية المتفرقة، لتقصّي طبيعة ذلك النزوع المحبَط وشبه المستحيل إلى ولادة الذات الفردية:

  • ملمح من تجربة يسارية لجيل حرب السنتين اللبناني (1975-1976).
  • ملمح آخر من ما آل إليه الربيع العربي منذ العام 2011.
  • ملامح من صور شخصيات ريفية تعبر عن فردية لا إرادية وقدريّة، تصدر عن هامشيّة تلك الشخصيات، وسقوط نسبها وإمّحائه.
  • صورة عن الجنون الفردي لشاعر العذرية قيس بن الملوح، بسبب صدور تتيّمه عشقًا بابنة عمه ليلى عن نفسه وذاته الشخصية، وليس عن أعراف المجتمع القبلي.
  • صورة عن خروج شخصيات روائية في أدب نجيب محفوظ الروائي، إلى الاختلاء بنفسها في ما يسميه محفوظ الخلاء.
  • صورة سريعة لمآلات الفردية في بحث للمؤرخ الاجتماعي إيليا حريق، يعتبر فيه أن نازع الأحزاب الحديثة، من شيوعية وقومية وإسلامية إحيائية، إلى فردية منسلخة عن الثقافة والاجتماع التقليديين في البلدان العربية، لم يؤدِ إلا إلى الاستبعاد والعداوات ونشوء أنظمة عسكرية.
  • صورة الذات والذاتية في أبحاث الكاتب المصري ناجي نجيب في مجال اجتماعيات الأدب العربي المعاصر الذي امتزج في نماذجه الأولى (كتابات مصطفى لطفي المنفلوطي وجبران خليل جبران) النزوع إلى الذاتية والشخصانية في التعبير، بحزن شجي، طروب وسعيد.

الحركات الإسلامية

ترأس جلسة المحور الثاني من الندوة عن "تحولات الحركات الإسلامية" الدكتور عفيف عثمان، فأكد في كلمته أن قضية الاستبداد هي قضية العرب الأولى. لكن قبل الشروع في عملية التخلص من الحكم الجائر "يجب تهيئة الوسائل ووضع مخطط بديل للحكم واضح المعالم يشارك فيه الخاصة والعامة".

أما الدكتور ساري حنفي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، فأكد في بحثه بعنوان "التجديد الإسلامي من الداخل: تكوينات جديدة" أن هناك ثلاث مقاربات لفهم التغيير المجتمعي: الأولى ماركسية، تبين كيف يمكن أن يكون الظلم الطبقي مولداً لحركات اجتماعية ضد السلطات؛ والثانية، مقاربة هوياتية تبين كيف تتشكل الهويات الاجتماعية، بما في ذلك الهوية الفردية التي تتوق إلى التحرر من هيمنة سلطات استبدادية؛ أما المقاربة الثالثة، فهي المقاربة الفيبرية (نسبة إلى ماكس فيبر) المركزة على دور القيم في تنميط سلوك الفرد والجماعات.

وشدد حنفي على أنه لا يمكن فهم سيرورة التغيير من دون هذه المقاربات الثلاث. فلفهم الإصلاح والتغيير في المنطقة العربية ينبغي أن ننظر إلى الحركات الإسلامية في السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، معتبرا أنه لا يمكن فهم التجديد الديني من دون ربطه بعلم الاجتماع. وأفاض في التحدث عن الاتجاهات التجديدية الدينية الإسلامية في العالم العربي، وحصرها في ثلاثة اتجاهات: اتجاه شبابي تجديدي، واتجاه تجددي اجتماعي، واتجاه تجددي اجتماعيًا ومحافظ سياسيًا.

الدكتور خالد زيادة قدم مداخلة بعنوان "الإسلام المعاصر بين الإصلاحية والاستخدام السياسي"، معقّبًا على بحث الدكتور ساري حنفي، فرأى أن الاتجاهات التي تطرق إليها تنتمي إلى الاتجاه الإصلاحي الذي برز في نهاية القرن التاسع عشر، خصوصًا مع محمد عبده. لكنه اعتبر أن المنطقة العربية شهدت منذ ما يزيد على قرن من الزمن اتجاهين عريضين: "اتجاه إصلاحي يريد بطرائق ومناهج مختلفة أن يقدم للمسلمين إسلامًا متوافقًا مع العصر"، بينما يريد الاتجاه الآخر "أن يجعل الإسلام أداة لبلوغ السلطة أو أداة في الصراعات السياسية". واعتبر زيادة أن عصر الإصلاح، والحقبة الإصلاحية، اللذين استمدا قوتهما من انتشار الأفكار التحريرية في النصف الأول من القرن العشرين قد انتهى. ودعا إلى أن "نقر بأن الإصلاحية في زمنها استطاعت أن تقدم لنا إسلامًا فرديًا متوافقًا مع نزعات الحداثة والتحرر".

الديمقراطية ومعوقات الهوية

في المحور الثالث بعنوان "مستقبل الديمقراطية العربية"، تحدث الدكتور أحمد خواجة عن مستقبل الديمقراطية، معتبرا أن شرعيتها في انحدار وأن هيبتها بدأت تتآكل في العالم، وتكاد تكون معدومة. وهذا ما أدى إلى ترويج أن الديمقراطية لا تناسب بعض الثقافات كنظام للحكم. وتتطرق إلى الربيع العربي ومسألة الانتقال الديمقراطي فرأى أن "سقوط بعض الأنظمة التسلطية، لم يجعل صورة الديمقراطية زاهية. فتونس لا زالت غارقة في أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وعادت مصر إلى أحضان العسكر بتمويهات مختلفة، وسوريا غارقة في الدم والمجازر".

الدكتور طارق متري أكد الحاجة إلى "التفكّر في التغييرات التي أحدثها تسارع الزمن من خلال الثورات العربية وما بعدها في ضوء ما سبق من محاولات وإخفاقات وخيبات تعاقبت في سياق زمني طويل". واستعرض الأحداث الكبرى التي زخر بها القرن العشرون بدءًا بـ "النهضة الثقافية إلى التحرر فالاستقلال والثورة من أجل العدالة والوحدة والسعي إلى التنمية"، التي انتهت كلها إلى طغيان الاستبداد الذي عانى منه العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، وانتهاء بثورات الربيع العربي في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. واعتبر متري أن التحول الديمقراطي يقتضي أولًا "وضع القواعد اللازمة لإدارة عملية التحول، ما يعني تغليب الحوار والسعي إلى التوافق وإشراك الجميع في المناقشات العامة حول الدستور، بوصفه عقدًا اجتماعيًا جديدًا، وعدم استعجال صياغته على يد فئة محدودة، أكانت معينة أم منتخبة". وشدد على ضرورة "الحؤول دون سيطرة الجيش على مؤسسات الدولة وحصر مهمته في حفظ الأمن وحماية العملية السياسية من دون تدخل فيها".

وفي مداخلته أكد الدكتور بشار حيدر صعوبة التنبؤ بمستقبل الديمقراطية في العالم العربي، كما يصعب تفسير إخفاق التحول الديمقراطي، فهناك من يعزو ذلك إلى الثقافة الإسلامية والبنى المحافظة الذكورية في العالم العربي، وإلى تخلي العالم الغربي عن إنجاز مشروع التغيير الديمقراطي، كما هي الحال في سورية، وغير ذلك من التفسيرات التي لا تعدو تفسيرات سطحية لا جذر لها.

وفي معرض مداخلته تطرق حيدر إلى المشاكل التي تواجه الديمقراطية فيما لو طُبّقت في العالم العربي. واستشهد بتجربتي العراق ولبنان، وهما البلدان العربيان اللذان خبرا التجربة الانتخابية حتى قبل ثورات الربيع العربي. هذا باعتبار أن الديمقراطية هي آلية لاختيار السلطة من خلال الانتخابات. لكن الديمقراطية الانتخابية لا تحل مشكلات الانتخاب الهوياتي، ولا الحدود الجغرافية والديمغرافية للجماعات القائمة على أساس الهوية، بل هي تفاقم هذه المشكلات. فالانتخاب الهوياتي على أسس إثنية أو طائفية أو جهوية، يمتّن الهوية ويقوّيها، ويلغي إمكان المحاسبة التي هي من أبرز عوامل الديمقراطية.