بدون عنوان

صدر العدد الثلاثون من الدورية المحكّمة "تبيُّن للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية"، التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. واشتمل العدد على الدراسات التالية: "في أولوية الفهم على المنهج"، وهي النص الكامل للافتتاحية التي قدمها الدكتور عزمي بشارة في افتتاح الدورة السابعة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية الذي عقده المركز أيام 22-24 آذار/ مارس 2019، أكد فيه أن ما يستحق تسمية مناهج في العلوم الاجتماعية والإنسانية هي مقاربة تحليلية مترتبة على نظريات. ولا تكمن مشكلة البحث في سياقنا الحضاري في النقاش حول التقنيات؛ فهي مثل التكنولوجيا وعلوم الإحصاء والرياضيات وغيرها أدوات يمكن استخدامها وتطويرها في أي سياق حضاري. وأن ما يتطلبه تطوير المناهج هو الاهتمام بالنظرية في السياق الاجتماعي الاقتصادي والثقافي الحضاري للمجتمعات التي نبحث فيها؛ فغالبية النظريات في العلوم الاجتماعية والإنسانية تطورت في مراحل زمنية وأماكن وسياقات حضارية مختلفة، ولدراسات مجتمعات أخرى غير التي نطمح في تناولها بالبحث. ولا شك في الفائدة من استخدامها، إذا أُخضعت للنقد العيني الموضوعي (من موضوع) خلال الاستخدام. ولكن غالبية نقاشنا بشأن المناهج يدور حولها خارج الموضوع الذي يُفترض أن تتناوله. وأن تداخل الاختصاصات في الحقيقة هو تداخل للمناهج أي لمقاربات مختلفة في تفسير الظاهرة؛ لأن زوايا النظر إلى التخصصات المختلفة تنتج مناهج مختلفة في مقاربة الموضوع قيد البحث. إن النظريات في بنية الواقع في مجال محدد تؤسس لمنهج أو مقاربة في دراسة هذه المجالات.

أما الدراسة الثانية، فكانت لرجا بهلول، وجاءت بعنوان "أحداث الطبيعة وأفعال الإنسان: كيف ندرك العلاقة بين الطبيعي والاجتماعي؟"، حاول فيها الباحث دراسة مفهوم الفعل. وهي أيضًا محاولة لإدراك العلاقة بين ما هو طبيعي (مادي، محسوس) في الفعل الإنساني الاجتماعي، وما هو معنوي (فكري، رمزي، تذهني) في الفعل نفسه. وبعبارة أخرى، يهدف البحث المقترح إلى تدارس العلاقة بين ما هو "جواني" وما هو "براني" في الفعل نفسه. وتتمثل القيمة الفلسفية لهذا البحث في التجسير ما بين الطبيعة والمجتمع، كما في تفسير الافتراق الحاصل بين مناهج مختلفة في دراسة الظواهر الاجتماعية، وعلى وجه الخصوص التأويلية منها والتجريبية - السلوكية.

وسعى الزواوي بغوره في دراسته، "الفلسفة الاجتماعية بحث في مفهومها ونظريتها وعلاقاتها"، للإجابة عن الأسئلة الآتية: ما مفهوم الفلسفة الاجتماعية؟ وما نظريتها في مسألة العلاقة بين القيم والوقائع؟ وما علاقتها بالفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية؟ وتحقيقًا لذلك، أجرى الباحث تحليلًا ومناقشة لميراث مدرسة فرانكفورت النقدي، والمساهمات الفلسفية المعاصرة المرتبطة بنقد الحداثة؛ بهدف تحديد هذا المبحث الفلسفي الجديد الذي لا يعتبر نوعًا من إبستيمولوجيا العلوم الاجتماعية، بما أنه لا يكتفي بالدراسة الوصفية للمبادئ العلمية، أو بفلسفة للمجتمع، فحسب، وبما أنه لا يقتصر على دراسة الأنطولوجيا الاجتماعية، وإنما يتميز أيضًا بالربط بين الوصف والتفسير، والمعيار الواقع، والنظرية والممارسة، وذلك من منظور نقدي يسعى لتحقيق قيم التنوير.

وتناولت دراسة منير الطيباوي، "الاستتباعات الإبستيمولوجية لنقد مثنوية الواقعة/ القيمة على منهجية العلوم الاجتماعية"، نقد هيلاري بوتنام لمثنوية الواقعة/ القيمة كما أرساها ديفيد هيوم والخبرانيون المنطقيون، وقد رصد فيها الباحث الاستتباعات الإبستيمولوجية لهذا النقد على منهجية العلوم الاجتماعية والإنسانية. وبيّن أن هذا النقد يفرض تصورًا جديدًا للعلاقة بين الطبيعانية والمعيارية، وهي علاقة يتضمنها موقف إبستيمولوجي طريف، بلوره بوتنام في السنوات الأخيرة من مسيرته الفلسفية؛ موقف يسميه "الطبيعانية الليبرالية". يقر هذا الموقف بالأهمية القصوى للقيم في مجال العلوم الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بقيم إبستيمية أو إيتيقية. كما يفرض هذا الموقف تصورًا جديدًا لعلاقة علوم الطبيعة بالعلوم الاجتماعية. وحاول الباحث أيضًا رصد بعض الصعوبات المنهجية الهيكلية التي تحول دون تدارك العلوم الاجتماعية العربية للأزمة الإبستيمولوجية التي تواجهها، وهو الأمر الذي يتجلى في إخفاقها في التعامل على نحو سديد مع ثنائية الواقعة والقيمة.

وأكد الحبيب الحباشي في دراسته، "العلوم الإنسانية: إشكالية مناهج ودراسات استراتيجية لتحقيق مقاصد إنسانية"، أن إشكالية العلوم الاجتماعية والإنسانية لم تعد إشكالية تأسيسية، تدور على استخلاص منهج مخصوص، بل إشكالية توحيد اختصاصاتها المتشظية في حزم معرفية قائمة على التكثر المستمر، والتفاعل المستقر، والعابرة للحدود المعرفية، لكي تنظر إلى الإنسان باعتباره كائن حرية، ومسؤولية أخلاقية. لا تظهر حريته، ولا تتجلى قيمته الأخلاقية والسياسية إلا في تجربة وجودية ذات أبعاد خمسة متتالية، ومتفاعلة، ومتحاورة، هي العلمي والإبستيمولوجي والميتافيزيقي والأنطولوجي والديني الروحي.

كما اشتمل العدد على مراجعتين مهمتين: الأولى مراجعة كتاب "تصورات الأمة المعاصرة: دراسة تحليلية لمفاهيم الأمة في الفكر العربي الحديث والمعاصر" لناصيف نصار، أعدها الباحث محمد حلمي عبد الوهاب، والثانية مراجعة كتاب صدر مؤخرًا عن المركز العربي بعنوان: "فلسفة ابن باجة وأثرها" لجورج زيناتي، أعدها الباحث عبد الحكيم شباط.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.