بدون عنوان

عصام خليفة (يمين) وخالد زيادة
يضع خالد زيادة إصدار دستور 1876 ضمن التحديث السياسي والتمدن
بالنسبة إلى عصام خليفة فإن اللبنانيين رحبوا في عمومهم بدستور 1908

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ببيروت مساء يوم الخميس 8 شباط / فبراير الجاري، ندوة للجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية بعنوان اللبنانيون والدستور العثماني، وهي أولى في سلسلة ندوات محورها لبنان بين الدستورين العثمانيين 1876-1908. شارك في هذه الندوة الدكتور خالد زيادة، مدير فرع بيروت في المركز العربي للأبحاث والنشر، والمؤرخ والأكاديمي الدكتور عصام خليفة.

نية الإصلاح

في مداخلة بعنوان دستور 1876 وتداعيات العمل به، قارن زيادة بين التجربتين الروسية والعثمانية في الأخذ بالتمدن الأوروبي في القرن الثامن عشر، فوجد أن القيصر الروسي بطرس الأكبر ذلل العقبات المعارضة للتحديث بالقوة والعنف وتخطى الكثير من الاعتبارات العقائدية والبنيوية، ما لم يتحقق في الدولة العثمانية إلا في عهد محمود الثاني ومحمد علي باشا في مصر.

قال زيادة: "بقي التحديث السياسي متعثرًا، وهذا يعني أن التحديث الاداري لا يقود تلقائيًا إلى تحديث سياسي أو تبديل في نظام الحكم. وكانت فكرة إيجاد مجالس تمثيلية معينة تراود الحكّام منذ أيام السلطان سليم الثالث الذي عيّن مجلس شورى، كما راودت الفكرة محمد علي باشا الذي أقام مجلس شورى في عام 1829، وأصدر اسماعيل باشا مرسومًا بتشكيل مجلس شورى النواب في عام 1866. وفي عهد الخديوي توفيق، سعى الوزير الأول شريف باشا إلى إعادة العمل بمجلس شورى النواب في عام 1880. ولعل أول نص دستوري هو الذي صدر في تونس عام 1861".

أضاف: "كانت فكرة الدستور تقوم على الأخذ بما هو معروف في أوروبا من فصل بين السلطات وإيجاد مجالس تمثيلية تحد من سلطة الحاكم. واقترنت فكرة الدستور بأفكار الحرية والمسؤولية الفردية وحقوق الانسان، وهي كلها أفكار أطلقتها الثورة الفرنسية في دول أوروبا، وترددت أصداؤها في أرجاء العالم".

إعلان الدستور

تناول زيادة ظروف إعلان دستور عام 1876: تدهور أوضاع السلطنة العثمانية مع بداية سبعينيات القرن التاسع عشر، بعد وفاة الصدر الأعظم عالي باشا في عام 1871؛ وغرقها في الديون؛ وسوء إدارة السلطان عبد العزيز. وأبرز دور مدحت باشا الذي عينه السلطان عبد العزيز عينه أول مرة صدرًا أعظم في عام 1872. عُزل عبد العزيز في عام 1876، وعُيّن مراد مكانه. لكن حوادث أدت إلى خلعه وتنصيب أخيه عبد الحميد سلطانًا.

بحسب زيادة، حصل مدحت باشا من عبد الحميد على وعد مسبق بالتعاطف مع القضية الليبرالية. قال: "كانت فكرة مدحت باشا أن السلطنة في طريقها إلى الانهيار، وأن لا علاج سوى بالسيطرة على السلطان وجعل الوزراء مسؤولين عن الجمعية الشعبية الوطنية، وثانيًا في جعل هذه الجمعية وطنية حقًا، وذلك بالتخلص من التمييز بين الطبقات والأديان، وثالثًا اللامركزية. نُصّب عبد الحميد سلطانًا في 31 آب / اغسطس 1876، وكان إعداد الدستور قد تم منذ أصبح مدحت باشا وزيرًا في أيار / مايو. وشكلت لجنة ضمّت رجال دين ورجال دولة. وكان نامق كمال وخليل غانم اللبناني في عداد اللجنة التي اعتمدت الدستور البلجيكي العائد لسنة 1831. وتم اعلان الدستور في 23 كانون الأول / ديسمبر 1868، بعدما عين السلطان عبد الحميد مدحت باشا صدرًا أعظم مرة ثانية".

استعادة السلطات

ما كان إعلان الدستور صوريًا، إذ وجه مجلس المبعوثان اتهامات بالفساد إلى بعض الوزراء. لم يقبل السلطان باتهام وزرائه، فحلّ المجلس وعطل العمل بالدستور.

قال زيادة: "يمكن القول إن إعلان الدستور في الظروف الذي رافقته مسألة تمت داخل الطبقة الحاكمة، في لحظة ضعف مؤسسة السلطنة حين بلغ نفوذ الإداريين درجة عالية من التأثير، وخلال سنة من حكم عبد الحميد تمكن من استعادة سلطته، لا بل استطاع أن ينفي مدحت باشا الذي أعتبر أبا الدستور إلى خارج البلاد، وذلك قبل تعطيل العمل بالدستور".

تحدث زيادة عن أثر إعلان الدستور في عام 1876 وإلغاؤه في عام 1878 في ولادة السياسة، "بمعنى مشاركة الرأي العام في إبداء الرأي في مسائل الحكم والسلطة والعمل على تبديلها أو الثورة عليها. فإثر إلغاء الدستور، هاجر المعارضون إلى أوروبا أو مصر، وتشكلت جمعية تركيا الفتاة التي توسعت في الداخل والخارج، وكان مطلبها إعادة العمل بالدستور. وأصبح هذا المطلب حركة سياسية، لم تقتصر على رجال الادارة والسلطة وأبنائهم، لكنها ضمت أبناء الطبقات الوسطى من الذين أصابوا العلم في المدارس التي توسعت وازدادت أعدادها في مدن الولايات في عصر عبد الحميد. وفي عام 1889، تشكلت جماعة معارضة داخل المدرسة الطبية العسكرية لتصبح جمعية الاتحاد والترقي".

ترحيب لبناني

قدم خليفة مداخلة بعنوان دستور 1908 وموقف اللبنانيين، أشار فيها إلى الترحيب الإيجابي الذي لقيه انقلاب الدستور العثماني في 1908، مستدلًا على ذلك بأشعار زجلية انتشرت في حينه. فعلى سبيل المثال، نظم الزجال ناصيف مراد معلقًا على إعلان الدستور:

" أهل الارض بطول وعرض             يقولوا تحيا الحرية

   فليحيا نيازي وأنور                     والجيوش الشاهانية"

ثم أشار خليفة إلى أثر الإنقلاب في النثر، منوهًا بشكل خاص بكتاب سليمان البستاني "عبرة وذكرى – الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده"، الذي رأى فيه مرجعًا مهمًا في تبيان توقعات اللبنانيين عمومًا، والمسيحيين خصوصًا، من الانقلاب. ففيه، يقول البستاني إن إعلان الدستور يعني تعميم المساواة وترسيخ الإخاء والمودة، "وفي هذا السياق، يقترح لضمان اضمحلال التعصب تجنيد المسيحيين مع المسلمين، وتعميم اللغة الرسمية، وجعل تعليم اللغة التركية إجباريًا"، بحسب خليفة.

نقل خليفة أيضًا عن البستاني قوله إن الدستور العثماني متوافق مع نصوص التوراة والإنجيل، ويؤدي إلى انقضاء زمن الجهل والتعصب، وإلغاء الفتن الدينية.

تحدث خليفة بعد ذلك عن مواقف سائر اللبنانيين في المتصرفية، فأورد مواقف بعض رجال الدين والكتاب، ومنهم المقدسي الذي ذكر أن أحد أدباء بيروت المسيحيين خطب في الاسكندرية فقال: "ليبتهج العثمانيون، فقد نشر الدستور، وجاء اليوم الذي التأم فيه شعث الأمة العثمانية وتآلفت أعضاؤها وتآخت أجزاؤها".

خوف على الاستقلال

استعاد خليفة في كلمته قول ندرة مطران، صاحب كتاب "سوريا الغد": "إن المسيحيين والمسلمين اشتركوا في تحقيق الهدف المرتجى (يقصد النضال من أجل الحكم الدستوري)، لكن وجهًا من أوجه الخلاف كان لا بد أن يبرز: فبينما كان المسيحيون وهم يشعرون بخيبة الأمل وغموض الصورة يبحثون عن الخلاص عن طريق التدخل الأوروبي، كان المسلمون يستمرون في تعليق الآمال على رجال تركيا الفتاة".

ما خلص إليه خليفة هو أن المسيحيين أيدوا الدستور على حذر، إذ ما أرادوا أن يفقدوا استقلالهم في المتصرفية، ولهذا رفض بعضهم الإلتحاق بمجلس المبعوثان. قال مثلًا إن فيليب وفريد الخازن التزما من خلال جريدة الأرز رفض الالتحاق بالمجلس.

ختم خليفة مداخلته بالقول إن ترحيبًا شبه شامل بإعادة إحياء الدستور في عام 1908 شاع في جبل لبنان وبيروت، لكن جاءت عوامل كثيرة لتدخل تعقيدات على العلاقة بين السلطة المركزية في اسطنبول وبين اللبنانيين، كمشكلة مشاركة أهل الجبل في انتخابات مجلس المبعوثان، وريادة المتصرف يوسف باشا الضرائب، وإصدار هويات جديدة، والخدمة الإلزامية أو دفع البدل كاملًا.

أعقب الندوة نقاش شارك فيه العديد من الحضور.