بدون عنوان

اختُتمت، يوم الثلاثاء 23 ديسمبر 2025، في الدوحة، أعمال مؤتمر "الذكاء الاصطناعي وخصائص اللغة العربية"، الذي نظّمه معجم الدوحة التاريخي للغة العربية بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعد يومين من النقاشات العلمية المكثفة التي تناولت قضايا الذكاء الاصطناعي اللغوي في علاقتها بخصائص اللغة العربية، وبحثت آفاق تطوير نماذج لغوية أكثر قدرة على تمثيل العربية في السياقات الرقمية المعاصرة.

وانطلقت جلسات اليوم الثاني عند الساعة التاسعة صباحًا، وتوزّعت على جلسات علمية متتابعة ومتوازية، ركّزت على المحاولات العربية في بناء النماذج اللغوية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم والترجمة، إضافة إلى مناقشة السياقات الثقافية والمعرفية المصاحبة لتطوير النماذج الذكية العربية، قبل أن تُختتم أعمال المؤتمر في أجواء علمية عكست عمق النقاش وتنوّع المقاربات.

استُهلّت أعمال اليوم الثاني بالجلسة الرابعة المعنونة بـ"المحاولات العربية في بناء النماذج اللغوية"، برئاسة يحيى الحاج، حيث قدّمت هند الخليفة قراءة تحليلية شاملة في واقع النمذجة اللغوية الآلية للعربية، متناولة التحديات المرتبطة بتمثيل اللهجات، وجودة البيانات، وشفافية النماذج. كما استعرض أحمد عبد العلي المشهد البياني العربي، مقدّمًا مسحًا شاملًا لمصادر البيانات ومساهمات القطاعات المختلفة في التدريب المسبق للنماذج اللغوية، ومبرزًا الحاجة إلى تكامل الموارد لتطوير نماذج أكثر تمثيلًا للعربية. وتناولت رفيف السيد الفجوة الرقمية التي تعيق تطوير أنظمة توليد لغوي عربية موثوقة، من خلال مقارنة العربية بلغات عالمية أخرى، مع إبراز الحاجة إلى سياسات داعمة وتكامل الجهود البحثية والمؤسسية لتعزيز الابتكار في هذا المجال.

وفي الفترة اللاحقة، انعقدت الجلسة الخامسة بالعنوان نفسه، برئاسة محمد بباه، حيث قدّم عزّ الدين مزروعي عرضًا لمنصة "الخليل" بوصفها بنية مفتوحة لتعزيز التحليل الصرفي والنحوي العربي. وناقش ربيع أمهز ورزان حلبي منصة "يليل" للتدقيق في اصطفاف النصوص والكلام، مبرزين دورها في تحسين تقييم تطبيقات الذكاء الاصطناعي العربية. كما قدّم قصي أبو عبيدة نيابة عن فادي زراقط مداخلة حول تحسين أداء النماذج اللغوية الضخمة وخفض كلفة تدريبها وتشغيلها للعربية باستخدام تقنية إعادة استعمال الرموز (Token Reuse). واختُتمت الجلسة بمداخلة محمود الحاج حول مدونة "عرب-جوبز" بوصفها موردًا لغويًا متعدد الجنسيات لإعلانات الوظائف العربية.

وبالتوازي، انعقدت الجلسة السادسة بعنوان "توظيف الذكاء الاصطناعي في تعليم اللغة العربية"، برئاسة خالد الجبر، حيث تناول إدريس الرشقاوي خصائص اللغة العربية وتحديات توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعليمها للناطقين بغيرها، مقترحًا حلولًا تعليمية قائمة على فهم أعمق للمعالجة اللغوية. كما ناقش محمد اسماعيلي علوي توظيف الذكاء الاصطناعي في إعداد الموارد والبيانات التعليمية الموجّهة لتعليم العربية، في حين استعرض محمد حاج إبراهيمومجدي حاج إبراهيم تجربة تعليم العربية في ضوء السياسات التعليمية في ماليزيا. وقدّم عبد الله يوسفي دراسة حول معالجة الأخطاء التركيبية باستخدام النماذج اللغوية الضخمة.

وفي الجلسة السابعة المخصصة لـ "الترجمة إلى العربية في نماذج الذكاء الاصطناعي"، برئاسة محمد الشيباني، ناقش نضال شمعون أثر الذكاء الاصطناعي في الترجمة العلمية وخصوصية اللغة العربية. وقدّم الطيب دبة مقاربة لسانية في توصيف عمل العلامات والقرائن النحوية بوصفها خلفية ضرورية لمعالجة مشكلات الترجمة الآلية. كما تناول مراد دياني تحوّلات الكتابة الرقمية المعززة بالذكاء الاصطناعي، فيما عرضت إسراء محيسن دراسة مقارنة حول قدرة نماذج اللغة الكبرى، مثل ChatGPT وQwen، على ترجمة الأمثال العربية مع الحفاظ على دلالاتها الثقافية.

واختُتمت الجلسات العلمية بالجلسة الثامنة بعنوان "السياقات الثقافية والمعرفية في نماذج الذكاء الاصطناعي"، برئاسة محمد حسانطيان، حيث ناقش فوزي حراق قضايا الخصوصية والأمان في استخدام النماذج اللغوية الضخمة لمعالجة البيانات العربية الحساسة. وقدّم سعد عبد الغفار دراسة تطبيقية حول تتبع الانزياحات الدلالية الزمنية للمفاهيم الثقافية في العربية باستخدام الذكاء الاصطناعي، مستندًا إلى بيانات معجم الدوحة التاريخي. وتناول بشير نصري الأبعاد السوسيولوجية والمعرفية للنماذج الذكية العربية، مشددًا على ضرورة بناء ذكاء اصطناعي يستند إلى مرجعية ثقافية عربية واعية، فيما عرض حمدي مبارك نموذج "فنار" للذكاء الاصطناعي.

وقد رافقت مداخلات اليوم الثاني نقاشات علمية معمّقة بين الباحثين والحضور، تناولت حدود النماذج اللغوية الحالية، وإشكالات تمثيل الخصائص اللسانية العربية، وأهمية تطوير موارد لغوية موثوقة وأدوات تحليلية دقيقة تسهم في بناء ذكاء اصطناعي أكثر ملاءمة للعربية.

وخلصت أعمال اليوم الثاني إلى التأكيد على أن تطوير ذكاء اصطناعي عربي فعّال يقتضي الجمع بين الفهم اللساني العميق للغة العربية، والإطار المعرفي المنظِّم، وبناء الموارد والأدوات الحاسوبية المفتوحة، بما يضمن تمثيلًا أدقّ لخصائص العربية في تطبيقات المعالجة الآلية والترجمة.

وباختتام أعماله، يكون مؤتمر "الذكاء الاصطناعي وخصائص اللغة العربية" قد أسهم في تعميق النقاش العلمي حول موقع العربية في التحولات المتسارعة التي يشهدها مجال الذكاء الاصطناعي، ووضع أسس معرفية ولسانية تمهّد لمشروعات بحثية مستقبلية تعزّز التكامل بين اللسانيات والذكاء الاصطناعي في السياق العربي.